- قامت الثورة التونسية أساسا على مقاومة الفساد الذي نخر جسد الدولة وامتد كالسرطان الى جميع القطاعات ولعل في الشعارالذي رفع ابان ثورة(2010/12/17 - 2011/01/14) دلالة على وعي الشعب التونسي بحجم انتشارهذه الآفة:" التشغيل استحقاق يا عصابة السراق". ولئن كانت المنظومة الاقتصادية للدولة الحديثة هي الآلية الرئيسية الموكول لها مهمة مكافحة الفساد المالي والاداري من خلال ترسانة القوانين الزاجرة والرادعة الا أن الواقع كشف ضعف القوانين الوضعية وهوانها خاصة اذا كانت هذه المنظومة منبثقة عن أنظمة فاسدة يفترض أن يناط بعهدتها مهام الإصلاح لكنها خانت الأمانة وكانت مصدرالفساد كما أن الإصلاح يكون أجدى إذا انطلق من الإيمان الداخلي للأفراد أكثرمما يعتمد على عقوبات وضغوطات خارجية؛ لذلك ولإقامة نظام حكم قائم على الحوكمة الرشيدة محترم لمبادئ النزاهة والشفافية يظهردورالدين ضروريا وملحا لمعاضدة القانون الوضعي في المسارالاصلاحي لما له من تاثيربالغ الأهمية على ضمائرالعباد وعلى المناحي السلوكية التي ينتهجونها. وقد يعترض البعض على هذا الطرح بالقول إنه يحدث في المجتمعات الاسلامية الحديثة ان يوجد المسلم قائما بطقوس الإسلام على أكمل وجه لكن واجباته هذه لا تنهاه عن القيام بالتجاوزات ومخالفة القوانين وإلحاق الضرربالآخرين. وقد يذهب هذا السؤال ويتلاشى اذا ميّزنا بين العبادات التي تخلو من روح العبادة الحقة القائمة على تقوى الله والتماس مغفرته وتستحيل عادات تشبه التقاليد المتوارثة بين الأمم والحضارات والاجيال المتعاقبة والعبادات التي يؤديها المسلم عن وعي وفهم تقربا من الله وطلبا لمرضاته؛ فهذه التي تحدث الآثارالتربوية المرجوة. فالعبادات بماهي تزكية للنفس وتقويم لسلوكها حتى يستقيم أمرها في مجالات الحياة كلها فتتطهرمن الرذيلة وتنأى عن المعصية فلا تقترف اثما ولا ترتكب جرما. وهذا القول لا يستقيم إلا إذا كانت العبادات صادرة عن إيمان عميق ومتجذرفي نفس المسلم أساسه العقيدة الصادقة والنقية . ولرفع هذا التحدي احتاج الأمرالى استنفاركل مكونات المجتمع الى جانب أجهزة الدولة لبناء الإنسان المسلم ذي الأيادي البيضاء بدءا بالجامع الذي توكل إليه مهمة تأطيرالمسلمين فلا يبقى المسجد فضاء للصلاة فحسب بل يجب توظيفه لترسيخ قيم الأمانة والنزاهة وتناول قضايا الشأن العام الثقافية والاقتصادية وغيرها وهوما سيفضي إلى الرفع من الوعي العام للمواطنين بمختلف مستوياتهم الفكرية والعلمية وذلك أمام النقص الواضح على الإقبال على الانخراط في الأحزاب والجمعيات لذلك يبقى الجامع فضاء متاحا لإدارة حوارجدي بين أفراد المجتمع. وحيث ان هذا الدورالذي يمكن أن يوكل لدورالعبادة لا يمكن أن يحجب دورالجمعيات الوطنية التي يبقى محوريا في مقاومة الفساد بشتى أنواعه دون أن ننسى الدورالهام المنوط بعهدة وسائل الإعلام في توعية الأفراد وترشيدهم. ● محام