الاعلان رسميا أمس الأول عن ميلاد "جبهة" سياسية وانتخابية تضم أحزابا ثلاثة (حركة نداء تونس والحزب الجمهوري وحزب المسار الديمقراطي الاجتماعي) يمثل بالتأكيد حدثا وطنيا مهما ستكون له انعكاساته لا فقط على "فسيفسائية" المشهد الحزبي الوطني بل وربما أيضا على "مآلات" الحراك السياسي القائم وما ستتمخض عنه مستقبلا عملية الانتقال الديمقراطي... نقول "حدث وطني" اعتبارا للبعد السياسى "العمومي" الموسع للحدث الذي يتجاوز بكثير في رأينا بعده "الخصوصي" الحزبي الضيق.. فقادة هذه الأحزاب الثلاثة إنما كانوا في الواقع يتوجهون الى عموم التونسيين وهم يعلنون عن ميلاد "جبهتهم" السياسية والانتخابية وليس فقط الى مناضليهم وقواعدهم الحزبية... وما من شك أن نقطة قوة هذا "المولود" الائتلافي الجديد ستكون كامنة أساسا في مدى قدرته على الاقناع بأنه يعطي الأولوية في "مشروعه" الجبهوي لتحقيق المصلحة الوطنية الموسعة وليس الحزبية الضيقة على أهميتها ... والواقع،،، أنه اذا ما عنّ للمتابع أن يتبين نسبة الوطني "العام" في مشروع "جبهة" السبسي وأحمد ابراهيم ومية الجريبي المعلنة ومقارنتها بنسبة الحزبي "الخاص" فيه فإنه من خلال الوقوف عند التسمية التي يحملها هذا الائتلاف الثلاثي سيجد الشيء ونقيضه !!! ذلك أن تقديم "السياسي" على "الانتخابي" في هذه التسمية ربما يكون يحيل في حد ذاته على أولوية تحقيق الاهداف الوطنية الكبرى في معناها السياسي.. ولكن عندما يستحضر المرء بالمقابل أن بعض أطراف هذا الائتلاف كانت أحرص ما تكون على تثبيت الأبعاد والأهداف الانتخابية المرحلية وهي "تشتغل" مع باقي الاطراف على وضع مشروع "الجبهة" واسمها فإن الانطباع سيتغير بالتأكيد.. مهما يكن من أمر وسواء توفق على المدى البعيد هذا الائتلاف الثلاثي الوليد في تجاوز تناقضاته في أبعادها الحزبية وحساباتها الانتخابية الضيقة أو لم يتوفق فإن مجرد "ظهوره" في هذه المرحلة تحديدا من عملية الانتقال الديمقراطي يمثل في حد ذاته "معطى" جديدا في المشهد السياسي الوطني سيكون له ما بعده خاصة على مستوى "مقولات" التحالف والاقصاء وتحصين الثورة وعلاقاتها بالعملية الانتخابية وبمبدإ التداول السلمي على السلطة باعتباره جوهر العملية الديمقراطية...