- مقدمة بحسب التقريرالسنوي للبنك المركزي التونسي لسنة 2011 فإن واقع التشغيل عرف خلال سنة 2011 انتكاسة كبيرة جراء التراجع الخطير المسجل على مستوى الدورة الاقتصادية والاستثمار زيادة عن رجوع أفواج هامة من العمال التونسيين من ليبيا بحكم تردي الأوضاع الأمنية في هذا القطرالشقيق ووصول أعداد لا يستهان بها من الشبان التونسيين حاملي الشهادات العليا الى سوق الشغل. فعلاوة عن فقدان 107 ألاف موطن شغل لم تتمكن الدولة من استيعاب إلا 35 ألف طالب شغل في قطاع الوظيفة العمومية فيما تكفل القطاع الخاص بخلق 20 ألف موطن شغل فقط مما جعل مجموع طالبي الشغل يرتفع سنة 2011 وبداية 2012 إلى 738 ألف شخص لتصل نسبة البطالة إلى مستويات قياسية أي 18،9% يحتل فيها الشبان الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و29 سنة نسبة 72% وحاملو الشهادات العليا المعطلون عن العمل 224 ألف أي بنسبة 33% من مجموع العاطلين عن العمل في بلادنا. السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يمكن لحكومة مثل الحكومة التونسية الحالية أن تجد حلولا على المدى القصيروالمتوسط لمجابهة هذه المعضلة أوعلى الأقل الحد من وطأتها خاصة فيما يتعلق بأصحاب الشهادات العليا المعطلين عن العمل؟ ففي هذا الإطارتتنزل هذه المداخلة ضمن هذه الندوة التي تهدف أولا إلى لفت نظرالمسؤولين في أعلى هرم السلطة إلى وجود فرص سانحة للتشغيل خارج الإطارالمعهود وخارج الأسواق التقليدية أي الأوروبية والعربية وكذلك إلى وضع استراتيجية محكمة تسهل عملية الاستفادة من سوق الشغل الإفريقية حتى لا يكون التوجه إلى هذا الفضاء مجرد عملية ظرفية بل تصبح خيارا مستقبليا يسمح لتونس بالتموقع من جديد في القارة السمراء لما لهذه العملية من انعكاسات جد مهمة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وأمنيا. "افريقيا للتشغيل " المقاربة بين الكلمتين تبدوللوهلة الأولى غير موضوعية ولربما غيردقيقة، لكننا سنحاول من خلال هذه المداخلة ابرازعدد من الحقائق قد تجعل من المقاربة المذكورة اطارا هاما للنقاش حول موضوع يهم شريحة تونسية مهمة ألا وهي حاملي الشهادات العليا المعطلين عن العمل وكيف يمكن استغلال الواقع الحالي للقارة السمراء لتمكين أعداد قد لا يستهان بها من شبابنا العاطل عن العمل من الحصول على شغل قارتستفيد منه إلى اليوم دول منافسة لنا مثل المغرب وتركيا. لكن وقبل أن نتطرق إلى موضوعنا من جوانب عديدة لابد أن نضع مقاربتنا في اطارعام سياسيا واقتصاديا ونطرح بعض المعطيات التي قد تساعدنا على فهم بعض الملابسات التي حالت دون تمكن بلادنا من استغلال الأبواب الإفريقية للتشغيل على الوجه الأمثل في حين تتضاءل يوما بعد يوم فرص التشغيل في الأسواق الأوروبية التقليدية جراء استفحال الأزمة الاقتصادية هناك. 1) القراءة التونسية للعلاقات مع افريقيا. منذ السنوات الأولى للاستقلال وانسجاما مع ما أفرزته حروب التحريرمن تضامن وتآز بين شعوب القارة السمراء التي كانت ترزح تحت نيرالاستعمار، شاركت تونس ضمن مجموعة من المبادرات والفعاليات الإفريقية لعل أهمها كان ارسال مئات من الجنود التونسيين الى جمهورية الكنغوالديمقراطية التي كانت تسمى في ذلك الوقت "كنغوكنشاسا" ثم "الزايير" وذلك للمساعدة على استتباب الأمن والاستقرارفي هذا البلد حيث ترك جنودنا انطباعا طيبا للغاية لدى كل شعوب وسط إفريقيا لا يزال ملموسا إلى اليوم. وحاولت تونس دعم حضورها في الربوع الإفريقية رغم قلة الموارد المادية في ذلك الوقت بإقامة علاقات دبلوماسية مع عدد كبير من الدول الإفريقية وفتحت سفارات في الزاييروجمهورية النجيروغانا والغابون والطوغوفضلا عن سفاراتنا في كل من السينغال وأثيوبيا لمتابعة أعمال منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حاليا) وساحل العاج" الكوت ديفوار" حاليا. غيرأن البعض من هذه السفارات لم يعمر طويلا وتم غلق سفاراتنا في الطوغو والنجيروالغابون وغانا وتحويلها إلى مالي والكامرون ونيجيريا وجنوب افريقيا. يذكرأن بعض المحاولات الرامية إلى تكثيف الحضورالتونسي بافريقيا باءت بالفشل حيث لم يتمكن وزراء الخارجية المتعاقبين من فتح سفارات جديدة أوحتى إعادة الانتشار بحسب أهمية الدول وما تشهده من نمو اقتصادي. ويمكن القول إن دارلقمان ظلت على حالها بالنسبة للتمثيل الدبلوماسي التونسي في افريقيا بينما شهدت دول منافسة لنا على غرارالمغرب وتركيا نقلة نوعية في علاقاتها بالقارة السمراء. كما ظلت الخطوط التونسية تستغل ثلاث محطات هي باماكو بجمهورية مالي وأبدجان بالكوت ديفواروداكاربالسينغال وذلك لمواجهة الطلبات الناتجة عن انتصاب البنك الإفريقي للتنمية ببلادنا (BAD) في الأثناء بلغ عدد المحطات الإفريقية للخطوط الملكية المغربية 20 محطة إلى غاية جويلية 2012. كما يبدو من البديهي التذكير بتراجع عدد الزيارات الإفريقية للمسؤولين التونسيين في أعلى مستوى أي رئيس الجمهورية والوزير الأول ووزير الخارجية. وعلى سبيل الذكر ولا الحصر فإن زيارات الرئيس المخلوع لإفريقيا كانت محدودة جدا وحتى وإن تمت بمناسبة انعقاد قمم رؤساء الدول الحكومات للإتحاد الإفريقي، فإنه لم يكن يمكث لوقت طويل على عكس الزعيم بورقيبة الذي تحول مرارا إلى عدد من الدول الإفريقية ومايزال بعض الأفارقة المتقدمين في السن يتذكرون تلك الزيارات وما تخللها من خطب حماسية كانت تدعو لتنمية الدول الإفريقية خاصة على مستوى الموارد البشرية. وعلى عكس المبادلات التجارية بين تونس والدول الإفريقية والتي ظلت محدودة على مرالسنين لأسباب متعددة ليس بالإمكان التوقف عندها اليوم، فإن التعاون الفني شهد نموا مطردا على مدى ثلاثين سنة لكنه تراجع هوالآخرفي السنوات الماضية بشكل كبيرجراء عدد من العوامل الظرفية والهيكلية. أ) العوامل الظرفية: تقلص ونضوب التمويلات الدولية لعدد من المنظمات الدولية والإقليمية كان لهما انعكاس سلبي على طلب المتعاونين التونسيين وتمثل وكالة التعاون الثقافي والفني ACCT التابعة لمنظمة الفرنكوفونية احدى المنظمات التي تراجع نسق تعاملها مع بلادنا بشكل كبيرمقارنة بالسنوات الماضية كما يمكن ان نذكرفي السياق ذاته منظمة اليونسكو ومنظمة الأغذية والزواعة F.A.O وغيرها من المنظمات التي كانت تعول كثيرا على الخبراء التونسيين لتقديم المساعدة والعون للدول الإفريقية. ب) العوامل الهيكلية: تراجع الحضورالتونسي في القارة السمراء يعود بالخصوص إلى عدم الاهتمام بالقارة في أعلى مستوى في الدولة بل هناك في بعض الأحيان امعان في تقديم هذا الفضاء بشكل سلبي للغاية كربط افريقيا بالأمراض وبالحروب الأهلية وبعدم الإستقرارفي حين أن الحروب والانفلاتات الأمنية تمس كافة أرجاء المعمورة دون استثناء كما تبرز بعض الإحصائيات الدولية ان افريقيا لاتنفرد لوحدها بالأرقام القياسية لحالات عدم الاستقرار. كما لا يخفي بعض المسؤولين السامين في الدول عدم ثقتهم في قدرة الأفارقة على تخطي الصعاب واللحاق بالدول النامية في يوم من الأيام بل يذهب بهم الشك إلى حد الاستنقاص من الإنسان الإفريقي وكان هذا الأمرمتداولا أحيانا في الكواليس وفي اللقاءات الخاصة. فكم من مرة هدد الرئيس المخلوع البعض من المسؤولين الذين لم يكن راضيا على آدائهم بتعيينهم سفراء في البلدان الإفريقية ونفذ ذلك كما عين سفيرتونس بواشنطن سفيرا بكنشاسا عقابا له في حين تحرص دول غربية عديدة على انتقاء ممثليها واختيارالمتمرسين منهم لتعيينهم على رأس بعثاتها الدبلوماسية في افريقيا على غرارالولايات المتحدةالأمريكية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول. ضعف التمثيل الدبلوماسي التونسي في افريقيا لم يساعد بلادنا على دعم حضورها في هذا الفضاء لتأخذ قسطها كبقية الدول من الثروات التي تزخربها القارة التي تنتمي إليها أحببنا أم كرهنا جغرافيا وتاريخيا. سفير سابق بجمهورية الكونغو الديمقراطية