- في خضم الوضع الذي نعيشه بعد اغتيال المناضل شكري بلعيد ومبادرة الحل التي أطلقها رئيس الحكومة السيد حمادي الجبالي تداعت هنا وهناك أصوات كثيرة وحول مواضيع كثيرة كل حسب توجهاته ورؤاه. من بين هذه الدعوات الدعوة إلى المحاسبة وتحميل المسؤولية للمتسبب في ما وصلنا إليه من وضع دقيق حد الحرج. أغلب هذه الدعوات التي استمعنا إليها في وسائل الإعلام تحمل المسؤولية للحكومة وللنخبة الحاكمة عن كل هذه الأوضاع ناعتة إياها بالفشل وعدم تحقيق أهداف الثورة بل الانقلاب عليها. أعتقد أن الكثيرين يؤمنون بأن هذه الدعوات هي سياسية بالأساس لأن الوضع الذي نعيشه موضوعيا لا يمكن أن يكون نتيجة ممارسات طرف واحد في بلد يعيش فيه طرفان (الموالاة والمعارضة) لكل منهما تصوراته وخياراته وأساليبه في العمل في الحكم وفي المعارضة. فإذا كانت الحكومة المنبثقة عن تحالفات ما بعد انتخابات أكتوبر 2011 أخفقت في توسيع قاعدتها السياسية من الأحزاب الفاعلة وفي تبيان حسن نواياها في بعض الممارسات التي مررت من خلالها رسالةَ رغبة في الاستحواذ على السلطة والإنفراد بالحكم وخاصة في بعض التعيينات وقضية البغدادي المحمودي إضافة إلى تراخيها في وضع اللجان التي ستشرف على القضاء والانتخابات والإعلام وعدم جرأتها في مراجعة جملة القوانين المعطلة للتنمية وسرعة انجاز المشاريع فإن المعارضة بمختلف مكوناتها ليست بريئة طاهرة. لقد ساهمت في هذا الوضع بأشياء كثيرة أولها عدم انخراطها في حكومة توافقية واسعة كان من الممكن أن تفرض فيها جزءا هاما من شروطها، ودخولها في هذه الحكومة كان سيكسبها تجربة في إدارة الحكم ويمكنها من الإطلاع على خفايا الإدارة التونسية وصعوبات العمل الحكومي وعوائق الإنجاز. هي لم تفعل ذلك فقط ولكن جزءا منها كان بتقديري متربصا بالحكومة ليرد الفعل ويساهم في إعاقة تقدمها في انجاز مشاريعها ووعودها، بل أكثر من ذلك بادر بعضها إلى تحريك الشارع عبر مطالب مشروعة لكنها مستحيلة الإنجاز في وقت قصير وفي وضع اقتصادي صعب. شخصيا مازلت أتذكر أجواء تونس في الثلاثة أشهر الأولى من سنة 2012 حيث الإضرابات لم تتوقف حتى أيام الآحاد وقطع الطرق استمر لأسابيع عديدة معطلا الحركة في مناطق كثيرة ووقف سير الإنتاج في مؤسسات ومرافق متعددة. ومثال فسفاط قفصة مازال إلى اليوم. وقتها، كل يوم كنت أنتظر سقوط الحكومة وتدهور الأوضاع لما لا يحمد عقباه. أضف إلى ذلك بعض التحركات الاحتجاجية ذات الصبغة السياسية أحدها ما وقع في 9 أفريل 2012 من إصرار على تجاوز القانون من جهة المعارضة ومواجهة الوضع بعنف من جهة الحكومة. كل هذه الأحداث عطلت بالفعل عمل الحكومة في جوانب كثيرة وجعلها مترددة في مواجهة بعض مظاهر الخروج عن القانون خاصة وأن معادلة الأمن من جهة والحرية وحقوق الإنسان من جهة أخرى معادلة صعبة في وضع انتقالي هش وحساس لأي تجاوز. الآن وفي هذا الوضع هل نحن بحاجة لمثل هذا السؤال من المسؤول؟ بتقديري لا، أولا لأنه ثمة إحساس عام لدى الناس أن النخبة السياسية قد خذلتهم وهي المسؤولة، بيمينها ويسارها، على هذا الوضع ولم ترتق إلى مستوى انتظارات الشعب ولا حاجة لأي طرف أن يبرر هذا التصرف أو ذاك وثانيا لأن الوضع دقيق ولا مصلحة لنا للنظر إلى الماضي لأن النظر إليه لا يمكن إلا أن يعمق الأزمة ويعقد الحل. المستقبل هو الأهم خاصة وأن أفاقه خطيرة إن لم تبادر جميع الأطراف إلى تقديم مصلحة البلاد واستقرارها على كل رغبات ومصالح حزبية ضيقة وآنية، فالمطلوب من هذه النخب أن تجنح إلى السلم والتهدئة في خطاباتها وتكون أكثر انفتاحا وتعطينا مثالا في التعايش والاختلاف بأسلوب حضاري ننشده جميعا. فالمستقبل هو الأولى بالنظر والتأمل.