يوم 23 أكتوبر الفارط «إلّي كانت في يدّو حجرة رماها» حكومة السبسي زرعت لنا فخاخا.. ولا وجود ل«مصالحة تحت الطاولة» هدف التحوير الوزاري المنتظر توظيف كفاءات أفضل وتوسيع رقعة التشريك حاورتاه: سلمى السعيدي وهاجر الحفضلاوي من سيشمل التحوير الوزاري؟ ما هو تقييمه للمشهد السياسي الحالي؟ كيف يرى أداء الحكومة وما هو موقفه من المعارضة؟ ماذا عن ملفات الفساد وما حقيقة الحديث عن وجود مصالحة «تحت الطاولة» مع بعض رجال الأعمال؟ وأي علاقة تجمع «النهضة» كحزب سياسي بالتيارات السلفية؟ وما هو موقف الحركة من مؤتمر الاتحاد العام التونسي للشغل؟ وهل توجد أطراف تريد إفشال المسار الانتقالي؟ هذا نزر من أسئلة توجهت بها «التونسية» للسيد نجيب الغربي عضو الهيئة التأسيسية لحركة «النهضة» ورئيس مكتب الاعلام والاتصال بالحركة في الحوار الذي جمعها به. كيف تقيّمون المشهد السياسي الحالي ونحن على أعتاب السنة السياسية الجديدة التي ستشهد محطات مصيرية حاسمة؟ - نحن في مرحلة ما بعد الثورة.. وبالعودة إلى الثورتين الإنقليزية والفرنسية فإننا نستخلص أنهما قد خلفتا ألغاما إثنية وسياسية وفكرية واقتصادية والكثير من الأمور غير المجندة وغير البنّاءة. أما بالنسبة لتونس فإننا نعتبر أن النسيج المجتمعي منسجم لغويا وفكريا (بوجود الطبقة الوسطى) كما أن التونسيين ميالون بطبعهم إلى الاعتدال منذ القرون الأولى للإسلام ومنذ رفض الفاطميين للإسماعيليين ورفض محاولات التطرف يمينا وشمالا وحتى بعض الدعوات التي جاءت في القرن السابع عشر من الجزيرة العربية.. ولتفادي مختلف المنعرجات الخطيرة لا بد أن يتفاعل الشعب معنا إيجابيا «ولا بد أن نصبر على بعضنا» ونحذر من ردود الفعل غير الإيجابية لأن جميع الأحداث والمتغيرات ظرفية ومآلها الانتهاء ووضع تونس اليوم يشبه الجسم المتحرك الذي يسير نحو استقرار حالته.. ونلاحظ أن الفضاء العمومي الحواري المتجسد في المجلس الوطني التأسيسي نجح في تحقيق عدة وفاقات كما أن القضايا الكبرى التي تهم البلاد ليست محل اختلافات بين مختلف الأطراف الفاعلة في المجلس حتى أن البعض ممن يدعون إلى التغيير الجذري في ما يتعلق بالمواضيع الاقتصادية، نعتبر مشاركتهم ووجودهم في المشهد أمرا إيجابيا لما في ذلك من إمكانية تتيح تعدد الآراء وبسطها في العلن حتى يتمكن التونسي من التمييز بين الخيارات المعروضة والتي تتماشى ومصالح البلاد. تحدثتم عن وجود «ألغام» خلفتها الثورة، هل ترون أن هناك أطرافا تحاول توظيفها ضد مسار الانتقال؟ - أنا ضد الأحكام المسبقة، وحتى أكون منصفا سياسيا عليّ أن أضع نفسي مكان الأطراف السياسية الأخرى التي تحرك الألغام.. حقيقة، إن أهم مكسب في تونس هو فوز التيارات السياسية التي تتميز اتجاهاتها بالوسطية سواء كانت إسلامية أو علمانية، والتي لم تبشر الناس أثناء حملاتها الانتخابية بأحلام وردية ولم تعِد بتحقيق الوعود بعصى سحرية والدليل أن برنامج الكتاب الأزرق لحركة «النهضة» لا يختلف عن بقية الأحزاب الوسطية كثيرا حسب بعض السياسيين حيث أن بعض الأحزاب وعدت خلال الانتخابات بتحقيق نسبة نمو ب3٫5٪ وخلال فترة ما بعد الانتخابات تمكنا من تحقيق نسبة نمو ب3٫3٪ وبالتالي فإن الوعد كان واقعيا وحقيقيا بالنسبة لحركة «النهضة» علما أن الشعب التونسي ذكي ويحكم بعين الحكمة ويدرك من كانت الأطراف الصادقة معه. أما المكسب الثاني فهو الوفاق رغم أن «الترويكا» تستحوذ على 71٪ من عدد مقاعد المجلس الوطني التأسيسي فإنها دائمة البحث عن القواسم المشتركة مع بقية التمثيليات الحزبية في المجلس وهو ما خول لها التعايش مع غيرها وتقديم تنازلات للآخر (تشبها بما تتبناه الدول المتقدمة من ديمقراطية تفاوضية تشاورية). وللإشارة فإن حركة «النهضة» متمسكة باعتدالها وباستعدادها لتشريك الأطراف الفاعلة على الساحة السياسية في صورة فوزنا في الانتخابات القادمة. وفي اعتقادي أن الأحزاب التي تمتنع عن التفاعل إيجابيا مع بقية الفاعلين السياسيين هي من يحرك الألغام وهي الآن في وضعية يأس وعليّ أن أتفهمهم وأن أتحلى بسعة الصدر وأدعوهم إلى الالتحاق بتيار الوسط في البلاد. ما ردكم على المعارضة القائلة بأن حركة «النهضة» ترفض الوفاق والحوار وبأنها تتعمد عدم تشريكها خاصة في المجلس الوطني التأسيسي الذي يضم بعض النواب الذين يتحدثون بمنطق الغلبة؟ بماذا تبررون «تفرّد» الحركة بالقرارات السياسية؟ - هناك استراتيجية اتصال تهدف إلى شيطنة الآخر وبالتالي «تشعّلشي صوابعك شمع» سيقولون إنك متفرد بالرأي ومثال ذلك أنه عند تشكيل الحكومة ساندنا خيار حكومة وحدة وطنية التي أطلق عليها حليفنا «حزب التكتل» تسيمة حكومة مصلحة وطنية، كما دعونا إلى أن تكون الحكومة غير حزبية ولكن بعض الأحزاب ومنها من كانت من أقصى اليسار أجابت بوضوح: «اخترنا أن نكون في المعارضة» وقالت «سنكون معارضة بناءة ونريد تكريس ديمقرطية فعلية داخل المجلس الوطني التأسيسي وداخل البلاد». وأنا قلت بوضوح إذا كانت هناك مساع لعرقلة هذه الحكومة من أجل تحريك الألغام الاجتماعية والاقتصادية.. والمراهنة على وجود عدم استقرار في البلاد فإنني أحيطهم علما بأنهم أغفلوا طبيعة المجتمع التونسي وأساؤوا التقدير.. صحيح أن الشعب يغضب أحيانا ويطالب بتحقيق بعض المطالب بطريقة فورية، لكن هناك نوع من العقلانية التي تجعله لا يقبل بعض الممارسات كقطع الطرقات وإضراب النقل (الذي كان غلطة كبيرة) عملا بمقولة انصر أخاك ظالما أو مظلوما، بتعمد تضامن موظفي القطاع مع زميلهم الذي اتضح أنه المعتدي وبالتالي كان حريا بالاتحاد العام التونسي للشغل عدم تعطيل مصالح الناس بفرض هذا الإضراب الفجئي. إذن فالنخبة السياسية المعارضة للدخول في الائتلاف اكتشفت منذ الصائفة الفارطة تعذر تحريك الألغام المرصودة لإعاقة الحكومة ثم أن البلاد كانت في وقت سابق في حالة ركود بسبب الظروف والأحداث والتغييرات التي شهدتها في بعض القطاعات وبالخصوص في قطاع الخدمات ولكن الأكيد أن المجتمع التونسي تمكن من القفز سريعا ومن تجاوز عدة إشكاليات ويعود الفضل إلى طبيعة التونسي أو ما يعبر عنه بعبقرية التونسي الذي يحرص على العمل وبذل الجهد ف«التونسي خدام» وبالعودة إلى الماضي فقد حكم تونس من حكمها بقليل من النزاهة الإدارية وببعض التسهيلات وذلك ليس لعبقرية الحكام وإنما لخصوصية شعبها، إذن فأي حاكم يمسك بمقاليد السلطة يستطيع بكل يسر أن يحكم تونس والكثيرون فهموا وأدركوا هذا الأمر ولذا دعوا إلى إنهاء شرعية هذه الحكومة طمعا في المناصب، حيث أننا جميعا نركب نفس المركب وقد رغبت بعض الأطراف في «ثقب» المركب ولكنهم عجزوا فحاولوا إغراقه ففشلوا فما كان منهم إلا محاولة القفز داخله. ورغم دعوتنا المعارضة إلى المشاركة في الحكومة فقد خشيت أن يتم «ابتلاعها» وهذا الأمر تحديدا يدخل في نطاق الحسابات السياسوية. إن هذه الحكومة مدركة أننا نمر بمرحلة انتقالية، لا بد أن تدوم مدة تتراوح بين 10 و15 سنة وفي هذا الوقت بالذات ليس من مصلحة تونس أن تحكمها جهة بعينها ورفض البعض المشاركة فيها خشية تحمل مسؤولية الأخطاء.. ما موقفكم من الاتحاد العام التونسي للشغل الذي اتهمه العديدون بتعمد التكثيف من الاضرابات و«تحريك» الاحتجاجات؟ - الاتحاد العام التونسي للشغل هو وجهة المضطهدين سواء كانوا قوميين أو يساريين.. الآن هناك مقاربتان: الأولى تقول إن الاتحاد هو شريك في التغيير وشراكته تفرض عليه المحافظة على دور تعديلي ورئيسي واستراتيجي، كما أن الاتحاد يُعد عنصرا من عناصر الاستقرار ولا ينبغي حصر دوره في المجال الاجتماعي فقط ولكن يجب كذلك أن يلعب دورا مهما في ما يتعلق بالخيارات الكبرى للبلاد كالديمقراطية وحرية التعبير والعدالة الاجتماعية دون أن يتحول إلى حزب سياسي. أما المقاربة الثانية فهي متعلقة بمحاولات حشر الاتحاد في المزايدات السياسية وهو ما يضر بتاريخه وبدوره الإستراتيجي التعديلي.. ونأمل أن يتطور الحوار ليصل إلى مستوى الحوار المجتمعي الذي تكون فيه مشاركة النخبة ممكنة.. ونذكر أن حركة «النهضة» أوقفت عدة مرات محاولات الانسلاخ من الاتحاد علما أننا نعترف بالتعددية النقابية مع التأكيد على أننا لا نخفي ميلنا إلى الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يجب أن يكون موحدا وقويا باعتبار تاريخه المشرف وقد نختلف أحيانا مع بعض قيادات الاتحاد ولكن الاتحاد ورمزيته فوق جميع الاعتبارات والأسماء والتمثيليات الإدارية.. ونعتقد أن إمكانية الحوار لا تزال متاحة بالشكل الذي يرضي الجميع. ولكن حسب تصريحات، سامي الطاهري الناطق الرسمي للاتحاد العام التونسي للغشل فإن الاتحاد «سيمارس السياسة أحب من أحب وكرة من كره» بماذا تعلقون؟ - يجب أن نتصرف كطرف مسؤول في البلاد وردود الفعل يجب أن تكون مدروسة تجاه مثل هذه التصريحات. ما هي دواعي امتناع حركة «النهضة» عن المشاركة في مبادرة الحوار الوطني التي دعا إليها الاتحاد العام التونسي للشغل؟ - نحن نثمن مبادرة الاتحاد ولكننا اعتذرنا عن المشاركة لأن الحركة سبق أن أطلقت مبادرتها ولا يعني عدم المشاركة بالضرورة أننا ضدها. ما هي أهم الاستعدادات للمحطة الانتخابية القادمة، وهل تتوقعون الفوز من جديد خاصة في ظل الأحداث المتسارعة وغليان الشارع التونسي بسبب غلاء الأسعار ومشكل التشغيل والاعتصامات والإضرابات..؟ - لا نعلم إلى حد الآن تاريخ الانتخابات القادمة، وكل ما نعلمه أن الشعب التونسي لا يحاسب الحكومة حسب النتيجة بل حسب المساعي ويقول الله عز وجل في القرآن الكريم «وليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يُرى»، حتى الله عز وجل يحاسبنا على المسعى وعلى بذل الجهد ويحاسبنا عن التقصير أو عدمه ويتوكل الله بالنتائج. والعمل السياسي بالنسبة لهذه الحكومة شبيه بعملية ذر البذور ويتوقف الأمر إما على نزول الأمطار أو حدوث فيضانات لمعرفة النتائج وهنا في صورة تلف الصابة ما ذنب الفلاح؟ وفي تقديري أننا اخترنا أجود وأحسن القيادات السياسية لتشكيل الحكومة والكل يعلم أن «الترويكا» بجميع تمثيلياتها تبذل مجهودات كبيرة. وأعتقد حسب بعض المعطيات والإحصائيات أن هذه الحكومة بصدد تحقيق نتائج جيدة جدا، لكن هناك عراقيل إدارية، بالإضافة إلى التحويرات في العقليات الإدارية، إذ هناك تثبيط للعزائم ومحاولات عرقلة مقصودة أو غير مقصودة وهناك خوف ينتاب بعض الأطراف على فقدان مواقعهم الإدارية، لكن حسب مؤشرات النمو التي بلغت مؤخرا 3٫3٪ بعد أن كانت 2٫2٪ فإنه ليس هناك أي بلد متوسطي تمكن من القفز إلى هذه النسبة باعتبار تدنيها في وقت سابق وفي مدة «قصيرة». إن هذه الحكومة التي تنشط في وضعية استثنائية مع التأكيد على عبقرية الشعب التونسي لا على عبقرية القائمين على شؤون الحكومة، كان لها الفضل في ما بلغناه اليوم رغم أن الانتظارات عقب الثورة كانت كبيرة وغير محدودة وبالتالي فإن تلبيتها كان بالنسبة للبعض حتى وإن كانت بنسب ضعيفة فهي لا ترضيهم، وهذا ما يحدث فعلا وكنتيجة لذلك فإن جميع إنجازات الحكومة تبدو منقوصة مع أنه بالمقارنة بالماضي القريب (سنة 2010 مثلا) فإن ما حققته الحكومة يعتبر جيدا وأنا أقول إن الشعب التونسي بطبيعته يحبذ المثالية في كل شيء.. صحيح أن ما تحقق مرضي فقط لكن المعلوم أن الشعوب لا تضع ثقتها في الحكومات وفي السياسيين بسهولة وبالإضافة إلى هذا الأمر فإن مساهمة بعض الأطراف السياسية في «التحريض» تؤكد أن استعمال هذه الطريقة لتغيير نظرة الشعب التونسي للحكومة قد تكون ناجعة حسب رؤيتهم ولكنني أؤكد ثقتي في ذكاء الشعب التونسي باعتباره قادرا على التمييز بين انتظاراته الواسعة. وأنا أقدر أن يكون لدى الشعب التونسي نوع من العتاب على الحكومة في بعض المفاصل ولكنني واثق بأن جميع من في الحكومة لا يدخرون أي جهد في العمل مع التأكيد على توفر صدق النية لديهم ولدى النخبة السياسية الفاعلة الآن. وعند التوجه إلى صناديق الاقتراع في الموعد الانتخابي القادم سيحكم الناس وسيقولون كلمتهم الأخيرة على أساس الحكم العقلاني. هل ترون أن هناك تحاملا مقصودا على أداء الحكومة؟ - أنا لا أحبذ تفسير الأمور على أساس نظرية المؤامرة حتى وإن توفرت «التوابل» وظهرت بطريقة جلية حول «الطبخة».. في حقيقة الأمر هناك عراقيل لكنها في نهاية المطاف تعكس جانبا كبيرا من الحريات خاصة حق الجميع في التعبير عن آرائهم. وباعتقادي فإنه بمرور الزمن فإن الناس سيتفطنون إلى عمليات العرقلة، فقد وصلتنا عديد المعلومات بخصوص هذه العمليات التي كان من المزمع افتعالها في 23 أكتوبر الماضي، لكن بسبب تواتر مثل هذه الأخبار عبر وسائل الإعلام فإنه «إلي كانت في يدو حجرة رماها». وحسب اعتقادي فإن تونس في حاجة إلى المزيد من الحرية وخاصة في مجال الإعلام حتى وإن كانت هناك بعض الفوضى في بعض الأحيان والتفاعل مع عواقب الكثرة خير من التفاعل مع عواقب الندرة حيث أن التناول الإعلامي لما سيشهده موعد 23 أكتوبر فضح الكثير من الأطراف التي كانت تنوي إحداث بلبلة وتنادي بانتهاء الشرعية. وأنا أرى أن تقنين الحرية في المجال الإعلامي من قبل أهل المهنة أفضل من الاتجاه نحو كبت الحريات الذي يكرس الدكتاتورية. هل ترون أن الأوراق بدأت تنكشف؟ - بالتأكيد، الأوراق بدأت تكشف يوما بعد يوم والسير على درب عبد الوهاب عبد الله الذي ألغى تدريس صحافة الاستقصاء لنجاعتها في تتبع خيوط مختلف المواضيع والاشكاليات والتجاوزات يعد أمرا خاطئا.. وأنا اليوم أبدي استحساني بعودة هذا النوع من الصحافة (الصحافة الاستقصائية) رغم أن نشر بعض الملفات في بعض الأحيان تخلله الكثير من النقائص إلا أن ذلك مفيد خاصة باحتوائها لبعض الانتقادات كما أن هناك من الأقلام من يتطور بمرور الأيام خاصة ببروز بعض الإمضاءات المعتبرة اليوم وهناك افتتاحيات لا يمكنني المرور عليها مرور الكرام بصفتي مسؤولا عن الإعلام في حركة «النهضة». وبالنسبة لي فإن الصحافة ليست سلطة رابعة بل سلطة أولى، ففي الدول المتقدمة السياسي يخشى الصحفي. من سيطال التحوير الوزاري؟ - نحن نشتغل ضمن ائتلاف، وحسب ما توصلنا له بعد انعقاد آخر جلسة في إطار تنسيقية «الترويكا» فإن التوجه نحو التغيير أضحى مؤكدا وباعتبارنا جزءا من الشعب التونسي ليس لنا الرضا الكامل عن النفس. ونحن نرغب في تحسين أدائنا ولا يعني العزم على التحوير بالضرورة أن الأداء سيء لكن السعي إلى تطعيم الفريق واستبدال أحدهم بآخر أو تعويض هذا بذاك أمر إيجابي كما أن الاتجاه نحو ضم بعض الوزارات وارد واستبدال الوزير الفلاني في الوزارة الفلانية بنظيره في وزارة أخرى أمر مطروح كذلك حيث أن هناك من الأسماء من يتقن العمل في منصب تقني وهناك من يتميز إذا احتل منصبا سياسيا في «وزارته». ومن أجل توظيف أفضل الكفاءات من الوزراء سيتم التحوير بالإضافة إلى توسيع رقعة التشريك. سيشمل التحوير وزارات السيادة؟ - لا، لن يتم المساس بوزارات السيادة مبدئيا، أما بالنسبة لبعض الوزارات فإنه سيقع دمج بعضها وعموما وحسب رأيي الشخصي فإن التحوير الوزاري لا يمكن أن يكون قبل 1 جانفي أي قبل المصادقة على قانون الميزانية التكميلية. لماذا قل الحديث في الآونة الأخيرة عن ملفات الفساد وما تفسير ما يتردد عن أن هناك مصالحة «تحت الطاولة» خاصة في ما يتعلق برجال الأعمال؟ - نحن نتساءل لماذا استمرت حكومة السبسي في تعيين بعض الأسماء في مواقع معينة بعد الفراغ من الانتخابات بأسبوعين ونستخلص من ذلك أنها أعدت فخاخا، وقد قبلنا بحكومات ما قبل الانتخابات لا لشيء سوى لهشاشة الأوضاع حينذاك وهذا الأمر خلف إيجابيات وسلبيات ولكن الأكيد أنه كان بالإمكان أفضل مما كان ولا بد أن نحكم على التجربة بنوع من الترفق باعتبار أن الطاغية في القطر الليبي كان يهدد بالهجوم على بلادنا وبالأخذ بعين الاعتبار صعوبة تنحي الطاغية المصري فقد كان علينا قبول هذه الحكومات شريطة عدم التفافها على أهداف الثورة.. صحيح أننا مثاليون في انتظاراتنا لكن الواقع كان صعبا ولا بد من التنازلات والحديث عن الفساد لا يزال موجودا في الديوانة مثلا.. ولكن التطهير يتطلب كثيرا من الوقت، واليوم هناك لجان تعمل على هذا الموضوع وأهم الملفات المطروحة على طاولة تنسيقية «الترويكا» هي محاسبة الفاسدين ثم التسريع في العدالة الانتقالية وليس المقصود بذلك إسناد التعويضات. وللإشارة هناك جهات وأطراف تمعشت من فترة بن علي وهناك فئة من المقاولين ورجال الأعمال من مصلحة المخلوع تطويعهم وإدخالهم في شراكات طمعا في ثرواتهم من خلال السرقات واقتطاع أجزاء من أموالهم لفائدته بمساعدة سماسرة في الإدارات كانوا يُطلعون «الطرابلسية» على مبالغ الأرباح المحققة في الشركات وفي البنوك، وبالنسبة لفكرة وجود مصالحة «تحت الطاولة» فهذا مغلوط إذ أن «الترويكا» اقترحت المصالحة منذ شهر أفريل المنقضي وقد وقع تداول الفكرة وتصنيفها ضمن عوامل العدالة الانتقالية وتمّ عرضها على المجلس الوطني التأسيسي ليقول كلمته فيها خاصة وأن كمية كبيرة من السيولة تمّ سحبها من البنك المركزي من قبل أصحابها إبّان الثورة بدافع الخوف على أموالهم بالاضافة الى أنّ هناك جزءا كبيرا من الأموال التي تمّ استثمارها في الخارج ولم تُسترجع وهناك رجال أعمال انتقلوا الى بلدان أخرى بسبب الخوف وظروف عدم الاستقرار أو فرض الشراكة عليهم من طرف عائلة المخلوع وتمّ الاتفاق مع رجال الأعمال ب«تصفية أموالهم».. أي تحديد الأموال المتأتية من الوراثة أو الخاصة وطرحها من مجموع الأموال التي تمّ تشغيلها تحت ضغط «الطرابلسية» وإذا كان هناك كسب غير مشروع فيقع تسليط ضرائب.. إذا فمسار العدالة ليس انتقاميا بل انتقاليا ونمط اقتصادنا مختلط فالدولة موجودة والمبادرة الحرّة موجودة. إذن نحن مع مصالحة لا تتمّ «تحت الطاولة» ولا تشمل غير شرفاء رجال الأعمال وهم قلّة قليلة جدا جدا جدا، ولكن هل من العدالة منع 460 رجل أعمال من السفر؟ هذا بالطبع ليس عدلا والمفروض اللجوء الى القضاء، فمن ثبت من رجال الأعمال بالدليل والحجّة فساده فعليه أن يُحاسب علما أنهم قابلون لمبدإ المحاسبة عن طريق القضاء. وللإشارة، فإنّ هناك رجال أعمال مستعدّين للعودة من الخارج الى أرض الوطن والاستثمار في تونس وتحديدا في المناطق المحرومة وهم مستعدّون للشراكة فلماذا نعرقل هذا الأمر بدعوى الشبهة؟ ما تعليقكم على العنف السياسي وعن مقتل لطفي نقض والاتهامات الموجهة لحركة «النهضة»؟ - حادثة مقتل لطفي نقض حادثة مؤلمة وهذا الأمر بين أيدي العدالة الآن وليس من تقاليد السياسيين التعقيب عن مسألة لا تزال مفتوحة لدى القضاء وأنا لا أريد ارباك مسار العدالة ولديّ ثقة في القضاء. صرّح ابراهيم القصّاص عضو المكتب التنفيذي لحركة «نداء تونس» أن الباجي قائد السبسي «بُونا لحنين» وأضاف أن حزب «نداء تونس»، أشبه بفريق برشلونة الذي لا يهزم وأن فرائص حركة «النهضة» ارتعدت خوفا على مستقبلها، ما تعليقكم؟ - ضاحكا... لا أريد النزول الى مستوى من هذا النوع وأنا أحبّذ التعامل مع سياسيين محترفين. ماذا تقولون عن تسريبات الفيديو التي تستهدف ضرب حركة «النهضة»؟ - المتضرّرون من الثورة وراءهم بعض المال الفاسد وتدفعهم بعض المصالح المشبوهة، شكّلوا وحدة وكمثال «ذلك التسريب لفيديو الشيخ راشد الغنوشي الذي سُجل منذ 15 أفريل وبعلمه والذي دام 50 دقيقة كان يتعلق بحيثية معينة عن أطراف قريبة من التيار السلفي وعن تضمين الدستور عبارة «الشريعة» ولكن تمّ اخراج الكلام عن سياقه وتسريب 12 دقيقة و50 ثانية فقط من مدة التسجيل بعد اخضاع الفيديو الى عملية «مونتاج» جديدة وهو ما أدى الى عكس معنى الكلام.. وأقل ما يُقال عن مثل هذه الممارسات أنها أعمال غير أخلاقية وأنها مقصودة، ويدخل هذا في اطار ارباك الساحة السياسية وعرقلة مسار تحقيق عدالة حقيقية وديمقراطية وعودة تحقيق الأمن.. لذلك يتم توظيف بعض المواقع الاجتماعية والمواقع الالكترونية المشبوهة لبث مثل هذه التسجيلات خدمة لمصالحهم وأنا سعيد بعودة حرية الاعلام التي بفضلها تُكشف المؤامرات وأوجه تحية كبيرة لشباب «الفايس بوك» وللمدوّنين ومن خرجوا الى الشارع وثاروا على الدكتاتورية والذين أتاحوا الفرصة للسياسيين المرموقين للبروز اليوم. ما تقييمكم لدور المعارضة؟ - المعارضة تقوم بدور كبير خاصة مع بروز رموز للمعارضة وهم يقومون بدور بناء داخل اللجان وبخصوص المقترحات المقدّمة وفي صياغة الدستور.. هم نخبة جيدة من خيرة أبناء هذا البلد. أما عن صدور نوع من الحدّة عن البعض فهي عابرة وأنا متفائل لمستقبل العمل وأدعوهم الى اعتماد «العمق» في النقد والى الالتحاق بالتحالف من أجل زيادة التأثير من موقع الفعل لا من موقع المشاركة بالرأي فقط. كثر الحديث عن استعداد حركة «النهضة» لاحداث قناة تلفزية بتمويلات مجهولة، بماذا تردّون؟ - هذه مجرد اشاعات وميزانية حركة «النهضة» واضحة فهي متأتية من معاليم اشتراكات وتبرّعات منخرطيها، وتربطنا علاقات طيبة ليس برجال أعمال فقط بل كذلك بنخبة مرموقة في تونس وهي ليست علاقات لخدمة أجندات رجال أعمال معيّنين، بل بالعكس. وأنا أقول إنّ حركة «النهضة» مقصّرة في نسج علاقات مع رجال الأعمال ومع النخبة المالية.. وبالنسبة للقناة التلفزية فإنني ضدّ الاعلام الحزبي لأن كل التجارب في هذا الصدّد شرقا وغربا لم تنجح، والقنوات الحزبية غير مربحة. هناك من اعتبر أن القائمة السوداء للصحفيين تمثل ورقة ضغط بيد الحكومة ما هو تعليقكم؟ - بالنسبة لموضوع القائمة السوداء، فإنّ موقف حركة «النهضة» هو أنه إن وجدت قائمة فلتمرّ على العدالة ونريد الاشارة الى أن معظم الكبار الضالعين في تدجين الاعلام لم يخلّفوا وراءهم أي أثر. أما «الصغار» الذين تمتعوا بمنح سفر هم من وجدت أسماؤهم داخل القائمة وبالتالي يمكن القول إنّ كل من ساهموا في تدجين هذا القطاع كان لهم المتسع من الوقت لمحو الأثر إذن ليس من العدل أن نعاقب «الصغار» الذين ارتكبوا «جنح» في الاعلام ونترك من ارتكب فظائع وجرائم في الاعلام يفلت من العقاب. هل تقترحون رئيسا جديدا لهيئة الانتخاب؟ - إلى حدّ الآن مازالت للتحالف ثقة في السيد كمال الجندوبي ولم نغير رأينا في هذه الشخصية.