بالتزامن مع التحرّك الاحتجاجي للقضاة، شرعت لجنة التشريع العام بالمجلس الوطني التأسيسي في اجتماعها المنعقد صباح أمس بقصر باردو، في التداول حول مشروع قانون أساسي يتعلق بالهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي، وأثار نوابها خلال نقاشاتهم الساخنة مرّة أخرى مسألة استقلالية هذه الهيئة المالية والإدارية. وطمأن النائب محمد قحبيش (الكتلة الديمقراطية) المعترضين أن: "الحديث عن استقلالية مالية للهيئة المؤقتة للقضاء العدلي لا يعني أنها ستحظى باستقلالية مطلقة بل هي استقلالية في إطار ميزانية وزارة العدل وميزانية الدولة وتحت رقابة دائرة المحاسبات"، وهو نفس ما ذكره النائب سليم بن عبد السلام (المستقيل من التكتل والملتحق بالديمقراطية) كما أكد هذا النائب على ضرورة ألا تكون "الاستقلالية" مجرّد كلمة.. بل يجب توفر ما يضمن تلك الاستقلالية، وطالب بالاستماع الى القضاة الإداريين.. في حين يرى النائب منير بن هنية (كتلة النهضة) أن اللجنة مدعوة للسعي إلى البحث عن توافقات الأحزاب والمستقلين داخل المجلس الوطني التأسيسي نظرا لأهمية مثل هذا التوافق قبل عرض المشروع على الجلسة العامة. وناقش النواب بإطناب تركيبة الهيئة القضائية، وهناك منهم من يرى أنه من الأفضل أن تتكون من قضاة فقط لأنها هيئة وقتية جدا وسينتهي دورها قريبا بمجرد الانتهاء من المصادقة على الدستور. وعند التطرق إلى الصلاحيات اقترح بعض النواب تمتيعها بصلاحيات المجلس الأعلى للقضاء ويرى آخرون اقتصار صلاحياتها على المادة التأديبية، وبالتالي فإن هذه المقترحات تحيل على امكانية تغيير هيكلة الهيئة المتركبة وفق مشروع القانون من اللجنة العليا للقضاة ومجلس التأديب واللجنة العامة لشؤون القضاء. استماع إلى وزير العدل وبعد جدل مطول اتفق نواب لجنة التشريع العام التي تترأسها النائبة كلثوم بدر الدين (حركة النهضة) على الاستماع إلى وزير العدل نظرا لعدم استماع اللجنة إليه سابقا، كما اتفقوا أيضا على مراسلة جمعية القضاة ونقابتهم، ودعوتهما إن أرادتا الحضور في اللجنة للاستماع اليهما من جديد، وفي صورة عدم رغبتهما في ذلك، مطالبتهما بتقديم آرائهما ومقترحاتهما للجنة مكتوبة.. كما كلفوا، إضافة إلى ذلك، النائبة سناء مرسني بإعداد وثيقة واضحة تضبط المعايير الدولية لاستقلالية القضاء حتى لا يتكرر نفس الجدل الذي تمّ سابقا حول هذه النقطة. وتوضيحا لمسألة تزامن مناقشة المشروع مع احتجاجات القضاة وحملهم الشارة الحمراء وتأخيرهم العمل في المحاكم بساعة، أوضح النائب عبد العزيز شعبان (حركة النهضة) أن هذا التزامن كان من باب الصدف ولا يعود شروع اللجنة في مناقشة مشروع القانون إلى ضغط خارجي بل لأنها انتظرت نهاية الوقت القانوني قبل الشروع من جديد في مناقشته.. وطالب النائب بحصر النقاط الخلافية وإعادة النظر فيها من جديد. وللتذكير فإن مشروع القانون الأساسي المتعلق بإحداث الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي، "سقط" منذ شهر أوت الماضي نظرا لعدم مصادقة النواب على فصله الأول الذي ينص على أن: "تحدث بمقتضى هذا القانون هيئة وقتية مستقلة تشرف على شؤون القضاء العدلي تحلّ محل المجلس الأعلى للقضاء تسمى 'الهيئة الوقتية للقضاء' ويشار إليها في هذا القانون بعبارة "الهيئة". احتجاجات وأثار فشل المجلس الوطني التأسيسي في التوافق حول الفصل الأول من هذا المشروع استياء جمعية القضاة ونقابتهم، تبعته احتجاجات على وزارة العدل لإقدامها على القيام بالحركة القضائية.. ولم يكن بإمكان المجلس، بمقتضى القانون المؤقت للسلط، إعادة النظر في المشروع من جديد، إلا بعد انقضاء ستة أشهر كاملة. وبانقضاء هذه الفترة تعالت أصوات القضاة خلال الأيام المنقضية مطالبة النواب بالنظر فيه من جديد، كما وجهت وزارة العدل أيضا طلبا إلى رئاسة المجلس الوطني التأسيسي لحثه على التعجيل بعرض مشروع هيئة القضاء العدلي والبت فيه في أقرب الآجال. ويتنزل هذا الطلب وفق بلاغ أصدرته يوم 11 فيفري الجاري في "إطار تنفيذ قرار الحكومة بتوفير الشروط اللازمة لإجراء الانتخابات القادمة في أفضل الظروف فضلا عن إرساء مؤسسة تحل محل المجلس الأعلى للقضاء وتساهم في بناء سلطة قضائية مستقلة ومحايدة ومتحررة من كل الضغوط والولاءات الحزبية".