اليوم الشروع في التداول حول باب السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والعلاقة بينهما - استأنف المجلس الوطني التأسيسي مساء أمس بقصر باردو جلسته العامة المخصصة لمناقشة باب السلطة المحلية من مشروع الدستور، واقترح العديد من النواب خلال هذا اللقاء الذي تغيب عنه جل نواب كتلة المؤتمر من أجل الجمهورية لمشاغل حزبية، انتخاب الولاة والمعتمدين، وحذف سلك العمد، والاستغناء عن الأقاليم.. ونبّه البعض منهم إلى أن الإفراط في اللامركزية يمكن أن يهدد وحدة الدولة، ولكن هذا الرأي عارضه أخرون. وفي هذا الصدد يختلف النائب طارق العبيدي مع الرأي الذي ذهبت إليه لجنة الجماعات العمومية الجهوية والمحلية التي أعدت مسودة هذا الباب، ويؤكد أن ما يمسّ بالوحدة الوطنية هي المركزية وليس اللامركزية.. ولاحظ العبيدي أن اللامركزية تقوّي من وحدة الوطن ولا تضعفها وذكّر بأحداث سابقة جدّت في البلاد حينما رفع سكان مناطق حدودية رايات بلد مجاور احتجاجا على تهميشهم من قبل المركز.. أما النائب عبد الباسط بن الشيخ فيرغب في إلغاء خطة العمدة وإسناد مهامه للسلط المحلية، وطالب هذا النائب بإيجاد صيغة وسطى بين انتخاب الوالي وتعيينه، ودعا لمراعاة قدرات الجماعات المحلية وحاجياتها من أجل تحقيق التنمية العادلة. وبين أن الهدف المنشود يكمن في تحقيق العدالة في توزيع الثروة الوطنية والتسوية بين أبناء الوطن والحدّ من الفوارق بين الأرياف والمدن.. وللابتعاد عن الغموض دعا النائب أحمد السافي الى مراجعة بنية السلطة المحلية، وبين أن الديمقراطية المحلية تفترض توسيع قاعدة الانتخاب، وطالب بإلغاء سلطة العمدة والمعتمد والوالي واحالتها للسلطة المحلية والجهوية واعتماد الانتخاب بنظام الاقتراع المباشر. وذكر النائب شكري قسطلي ان الوالي يتمتع بمئات الصلاحيات ومن الضروري التقليص من هذه المهام واسنادها للمجلس الجهوي والمجلس البلدي. اعتماد آلية الانتخاب ذهب النائب رمضان الدّغماني إلى أبعد من ذلك بتثمينه دور المجالس القرويّة، وطالب بإدراج هذه المجالس ضمن المجالس البلدية، وإدماجها في المنطقة البلدية، وتخصيص موارد مالية لها كتلك التي تخصص للبلديات. كما لاحظ أن الوالي كان يعين من السلطة المركزية ليطبّق سياسة الدولة، وهو لا يعرف في أغلب الأحيان خصوصيات الجهة ومتطلباتها الحياتية، لذلك من الضروري اليوم أن يكون الوالي والمعتمد منتخبين انتخابا حرا مباشرا وأن يكونا من الجهة، فأهل مكة، على حد تعبيره، أدرى بشعابها. واقترح النائب أن تعود أملاك الدولة بكل منطقة للمجالس الجهوية والمحلية التابعة لها لينتفع سكان تلك الجهة بمردودها، وطالب بأن يقع توزيع مجالات الاستثمار على كامل مناطق الجمهورية بالعدل قصد تجنب الحيف الذي كانت تعاني منه الجهات الداخلية في العهود السابقة. وفي نفس الصدد يرى النائب سعيد الخرشوفي أن المركزية كانت مشكلة كبيرة سابقا، ويقتضي الإصلاح على حد تأكيده، تشريك المواطن في هذا الإصلاح، بإرساء الانتخاب الشفاف والحر النزيه للجماعات المحلية والجهوية والبلدية، إضافة إلى تمكين المواطنين من انتخاب ممثليهم في البلديات القريبة منهم جغرافيا.. ودعا الخرشوفي إلى وضع آليات مراقبة صارمة تجنبا للبيروقراطية والفساد الإداري والمالي. اختلاف حول الأقاليم "تقوم السلطة المحلية على أساس اللامركزية في إطار وحدة الدولة. تتجسد اللامركزية في جماعات محلية تتكون من بلديات وجهات وأقاليم يغطي كل صنف منها كامل تراب الجمهورية وفق تقسيم يضبطه القانون. يمكن أن تحدث بقانون أصناف أخرى من الجماعات المحلية." هذا ما ورد في الفصل الأول من باب السلطة المحلية، إذ نصّ على تكوين أقاليم.. واختلفت آراء النواب حول هذه المسألة بين مؤيد ومعارض. وفي هذا الصدد لاحظ النائب الحبيب خضر أن تونس ليست مهيأة حاليا لهذا المستوى من التقسيم الإداري أي بعث الأقاليم، وبين أن إنزالها على أرض الواقع سيحتاج إلى وقت طويل.. وأوضح أنه تمت الإشارة في هذا الباب إلى إمكانية إحداث أصناف أخرى من الجماعات المحلية بقانون، وبالتالي يمكن الاستغناء عن ذكرها الآن في الدستور. وهو نفس ما اقترحته النائبة فريدة العبيدي، وفي نفس السياق قال النائب هشام حسني إنه لا يرى ضرورة للأقاليم لأن تونس صغيرة من حيث المساحة وليست في حاجة إلى تقسيمها إلى أقاليم.. وفي المقابل يرى غيرهم من النواب أهمية هذه الاقاليم وتحدث النائب شكري يعيش على سبيل الذكر عن الدور التنموي الذي يمكن أن تلعبه الأقاليم.. أما النائب سليم بن عبد السلام فيقترح أن يقع انتخاب المجالس الاقليمية انتخابا حرا مباشرا، ولاحظ أنه في عديد البلدان الديمقراطية، تكون انتخابات هذه المجالس مباشرة من قبل الشعب.. ويمارس رؤساء هذه المجالس صلاحيات رئيس الجهة.. أما الوالي فهو ممثل للسلطة المركزية.. وتحدث عدد من النواب على أهمية المجلس الأعلى للجماعات المحلية، الذي يختص في قضايا التنمية المستدامة والتوازن بين الجهات والمسائل المتعلقة بالتهيئة الترابية وتعرض عليه مشاريع القوانين المتعلقة بالتخطيط والميزانية والمالية المحلية. وفي مداخلة وصفها غيره من النواب بأنها خارجة عن سياق الجلسة العامة لكنه أكد على أنها في صلب الموضوع، لاحظ النائب حطاب بركاتي أنه كان من الأجدى تحديد المعاني الواردة في هذا الباب بكل دقة، وأوضح أن هناك من يقيمون الدنيا ولا يقعدونها هذه الأيام عندما يتحدثون عن الشرعية، وهم يريدون أكل الدنيا وما عليها والتشبث بالكراسي، وبدعوى الدفاع عن الشرعية يشعلون نار الفتنة وكم من اعتداء وحرق وتدنيس وقع على مقرات الاولياء.. وكم من تهديد بالقتل وقع ومرد كل هذا التوتر عدم توفر الديمقراطية المحلية والحديث عن الجماعات المحلية هو حديث عن الديمقراطية المباشرة أي تمكين الهياكل المحلية المنتخبة من أوسع ما يمكن من السلطات.. خصوصيات الجزر وإضافة إلى ما ورد ذكره في هذا الفصل الأول من تجسيد للامركزية في بلديات وجهات وأقاليم، طالبت النائبة بسمة الجبالي بالتنصيص على خصوصية الجزر، وأوضحت أن الجزر لها خصوصيات طبيعية وثقافية وبشرية فريدة، وهي تعاني من هشاشة الموارد الطبيعية، لكن السياسات السائدة سابقا انتهكت تلك الخصوصيات. وطالبت بالتنصيص على تلك الخصوصية في الدستور، وهو نفس ما دعا إليه النائب جلال بوزيد. أما النائب سليم بن عبد السلام فاقترح تمثيلية للتونسيين بالخارج في المجلس الأعلى للجماعات المحلية اعترافا لهم بدورهم التنموي في الجهات. وطالبت النائبة جوهرة التيس بالتنصيص على تخصيص نسبة من عائدات الثروات الباطنية للمجالس الجهوية. واقترح النائب شكري قسطلي اقتطاع خمسين بالمائة من معاليم جولان السيارات لفائدة المجالس الجهوية، وتمتيع بلدية كل جهة من جزء من الأرباح المتأتية من مواردها الطبيعية. الرقابة القضائية وتساءلت النائبة سناء حداد عن مغزى التنصيص على أن الجماعات المحلية تخضع في ما يتعلق بشرعية أعمالها لرقابة اشراف لاحقة وللرقابة القضائية، واستفسرت هل هناك سلطة اشراف معينة تراقب الجماعات المحلية، ودعت إلى الاقتصار على الرقابة القضائية وهو نفس ما طالب به نواب آخرون. إذ اقترح النائب جلال بوزيد حذف تلك العبارة إلى الرقابة اللاحقة، كما دعا إلى توضيح مفهوم الجهة والإقليم وعلاقة الجهة بالإقليم وأكد أن إحداث أصناف جديدة من الجماعات المحلية يجب أن يتم بقانون أساسي وليس بقانون عادي. من المسائل الأخرى التي تمت إثارتها خلال النقاش العام لباب السلطة المحلية والتي لا تقل أهمية، ما يتعلق بالديمقراطية التشاركية، وفي هذا الصدد نبه النائب هشام حسني إلى خطورة ما ورد في الفصل التاسع في باب السلطة المحلية الذي ينص على ما يلي: "تعتمد الجماعات المحلية آليات الديمقراطية التشاركية لتأمين مشاركة المواطنين والمجتمع المدني في اعداد برامج التنمية والتهيئة الترابية ومتابعة تنفيذها وتقييمها".. وبين أن موطن الخطورة يكمن في أن تمويلات العديد من الجمعيات التنموية المنتشرة في كامل تراب الجمهورية غير واضحة وبالتالي قد تكون هناك إملاءات.. ولاحظ النائب الفاضل موسى أن التونسي تعوّد في التقسيم الترابي على كلمات البلديات والولايات والجهات، وقال إنه لا يوجد ضرر في الإبقاء عليها بدلا من التنصيص على البلديات والجهات والأقاليم.. وفي نقطة نظام، نبّهت النائبة اقبال المصدع أن كاتب الدولة للمالية سليم بسباس أفاد بسحب مشروع القانون المتعلق بالتدقيق في المديونية التونسية الذي اقترحه عدد من النواب وذكرت أن هذا الأمر لا يصح وهو تجاوز، ويجب التحقيق في المسألة. وبعد هذا النقاش العام لباب السلطة المحلية، ينتظر أن يشرع النواب اليوم في التداول حول باب السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والعلاقة بينهما. ◗ سعيدة بوهلال