باعلان السيد حمادي الجبالي أمس الأول عن استقالته من رئاسة الحكومة تكون الأزمة السياسية القائمة منذ ما يزيد عن الأربعة أشهر قد بلغت بالفعْل ذروتها.. ما يعني بالضرورة أن هذا الاعلان «الدّراماتيكي» مؤذن في حدّ ذاته بأحد احتمالين لا ثالث لهما * إمّا أن تنفرج الأزمة طبقا للمقولة الشهيرة «اشتدي أزمة تنفرجي» !!! * وإمّا أن تتعمق أكثر وتتحول من مأزق سياسي محدود إلى مأزق اجتماعي شامل بمحاذير خطيرة: أمنية ومعيشية وغيرها.. والواقع أنه وبالاستناد الى مضمون الكلمة التي أعلن من خلالها السيد حمادي الجبالي استقالته يمكن للمتابع أن يرجّح الاحتمال الأول (احتمال الانفراج) لا فقط لأن رئيس الحكومة المستقيل ترك الباب مفتوحا نسبيّا من خلال تلميحه بامكانية القبول ضمنيا ب»الخيار الثالث» البديل لحكومة «الكفاءات الوطنية» المختلف حولها التي دعا اليها واستقال من أجلها وانما أيضا لأن «تجربة» أسبوعين ما بعد اغتيال المعارض السياسي شكري بلعيد وما أفرزاه من مواقف سياسية «جديدة» ونوعية لبعض «الأطراف» ذات الثقل السياسي تحيل على رغبة حقيقية وشجاعة في التجاوز وفي تجنب «الأسوأ» (موقف الحزب الجمهوري من حكومة «الكفاءات السياسية» التي ينادي بها الشق المعارض لمبادرة حمادي الجبالي). وما من شك أن «الرسائل» الخطيرة التي استبطنتها جريمة اغتيال شكري بلعيد خاصة هي التي تحتم على كل الأطراف السياسية والاجتماعية أن تجتمع اليوم على خيار التوافق والقطع مع التجاذبات السياسية والحسابات الحزبية الضيقة.. السيد حمادي الجبالي مثلا بادر من جهته واقترح «حكومة تكنوقراط» لادارة ما تبقى من عمر المرحلة الانتقالية.. مباردة ولئن فشلت ولم تجد لها صدى عند القوى السياسية «الممانعة» والرافضة لأي مسعى التفافي على الشرعية الثورية والدستورية فانها أحالت في حد ذاتها على خطورة الوضع ونبهت خاصة الى ضرورة التسريع في نسق ووتيرة الاشتغال على «النّصوص» التأسيسية (الدستور والهيئات التعديلية الثلاث) التي ستسمح بالخروج من المرحلة الانتقالية ومن «المؤقت» والدخول بضمانات ديمقراطية في مرحلة أكثر استقرارا سياسيا واجتماعيا إن الوضع الاجتماعي المتدهور القائم اليوم في بلادنا بات يستدعي يقظة ضمير حقيقية من قبل كل القوى الوطنية السياسية والاجتماعية المؤمنة بضرورة المضي قدما في التأسيس لدولة المواطنة والعدالة والحقوق والحريات وفاء لثورة 17 ديسمبر 14 جانفي التاريخية ولدماء شهدائها الأبرار.. نقول «يقظة ضمير حقيقية» لأن أخطاء كبيرة ارتكبت بالفعل على مدى العامين الماضيين في حق هذه الثورة العظيمة.. أخطاء يتقاسم مسؤوليتها الجميع في الحكم والمعارضة وعلى رأسها خطأ الانهماك في الهوامش وفي الفروع على حساب الهدف الأهم والأكبر متمثلا أساسا في ضرورة انجاح عملية الانقال الديمقراطي وتفكيك منظومة الفساد والاستبداد..