أعلن المجلس الوطني التأسيسي عن فتح باب الترشح لعضوية مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات طبقا لقرار صدر عن رئاسة المجلس تحت عدد 16 بتاريخ 22 فيفري 2013 ضبطت به الشروط والمقاييس التي ستدخل حيّز التنفيذ فور نشره بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية. جملة هذه الشروط ضبطت مسبقا بالقانون الأساسي عدد 23 لسنة 2012 المؤرخ في 20 ديسمبر 2012 المتعلق بالهيئة العليا المستقلة بالانتخابات الذي لازال إلى اليوم محل جدل ونقاش حتى أن عددا من القوى السياسية وممثلي المجتمع المدني طالبوا بتعليق العمل به وإيجاد حلّ كفيل بإجراء انتخابات نزيهة وشفافة والتسريع في ضبط الآليات التقنية والفنية واللوجستية للانتخابات القادمة. إضافة إلى شروط الترشح لقيت المقاييس بدورها ردود فعل مختلفة تراوحت بين الرفض والاستحسان، حيث أكد سامي بن سلامة العضو السابق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات أن السلم التقييمي الصادر عن اللجنة الخاصة المشرفة على دراسة وفرز ملفات الترشح لعضوية مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالمجلس الوطني التأسيسي "ليست له أي علاقة بمقاييس الترشح لهيئة انتخابات" مضيفا "يمكن أن نجد مبررات لهذه الطريقة في تحديد السلم التقييمي ما لم تكن لنا في تونس خبرة في هذا المجال، إلا أنه في الوضع الحالي هناك تراكمات للخبرة وهذا السلم لن يفيد الهيئة القادمة باعتباره مبنيا على مقاييس صالحة لانتدابات لأيّة مهنة" أضف إلى ذلك أنّ "شرط الخبرة في الانتخابات وضع في آخر ترتيب والمقصود به إقصاء أعضاء الهيئة القديمة بالرغم من رفضهم من الأساس للقانون عدد 23 لسنة 2012 المؤرخ في ديسمبر 2012". هذه المقاييس شارك في طرحها عدد من مكونات المجتمع المختصة في المجال الانتخابي على غرار شبكة "مراقبون" وائتلاف "أوفياء" لمراقبة نزاهة الانتخابات الذين قدموا خلال جلسات استماع مقترحات حول السلم التقييمي، إلا أن هذه الشروط والمقاييس لا تعد الإشكال الوحيد في نظرهم بل عملية الفرز ومراحلها تمثل القضية الأهم. وقد أخذت اللجنة بأغلب التوصيات والمقترحات، على حد قول الدكتور محمد كمال الغربي رئيس ائتلاف "أوفياء" لمراقبة نزاهة الانتخابات باستثناء توصية وحيدة متعلقة باشتراط التجربة في التسيير داخل المنظمات والجمعيات. غير أن الإشكال في هذه المرحلة لا يكمن في مسألة الشروط والمقاييس فحسب وإنما يتجاوز ذلك ليرتكز على عملية الفرز ومراحلها في حدّ ذاتها ذلك أن كلا من شبكة "مراقبون" وائتلاف "أوفياء" ومن قبلهم منظمة "عتيد"، توجهوا بمراسلات رسمية إلى رئاسة المجلس الوطني التأسيسي بمطالب عديدة لمراقبة وملاحظة سير أعمال اللجنة الخاصة المشرفة على دراسة وفرز ملفات الترشح منذ تلقيها للملفات. أول مطلب توجهت به شبكة "مراقبون" كان بتاريخ 15 جانفي 2013 كما أكد رفيق الحلواني منسق الشبكة الذي أعاد الكرة يوم 20 فيفري الجاري ولكن دون جدوى ولا أيّ ردّ كتابي من قبل رئاسة المجلس الوطني التأسيسي. الإشكالية كما بينها كل من معز بوراوي رئيس منظمة "عتيد" ومحمد كمال الغربي رئيس ائتلاف "أوفياء" ورفيق الحلواني منسق شبكة "مراقبون" تكمن في مدى تقبل أعضاء اللجنة في حد ذاتهم لمطلب مكونات المجتمع المدني. فأكد كل منهم أن الأعضاء الأكثر تمثيلية باللجنة هم الرافضون لهذا المطلب بتعلة التدخل في مهامهم، إلى جانب أن مثل هذه المطالب قد تفتح الباب على مصرعيه لعدد لا يحصى ولا يعد لجمعيات أخرى وقد يثير أيضا جدلا حول مسألة المس بالمعطيات الشخصية للمترشحين. هذه التحفظات التي أثارها عدد من أعضاء اللجنة لا مبرر لها على حد قول رفيق الحلواني، ذلك أن المجتمع المدني بعد الثورة أضحى لديه قدر لا يستهان به من المسؤولية واحترام الواجب الوطني مؤكدا أن "الشبكات والمنظمات التي رغبت في الملاحظة والرصد تقدمت أولا بمطالب رسمية وثانيا ستستند في عملية المراقبة إلى منهج عمل موحد سيقوم بتكوين فريق موحد من أبرز الكفاءات التونسية في مجال الانتخابات سيعتمد على نص استمارة واحدة ستلاحظ المسار التقني والفني للعملية وإن وجدت مسائل حساسة فأكيد سنجد لها حلولا مشتركة". الهدف من عملية الرصد والملاحظة يأتي في إطار ضمان شفافية أعمال اللجنة ومصداقيتها وتبليغها إلى الشعب التونسي في إطار تدعيم الثقة التي فقدت الكثير من رصيدها بسبب الهزات والتجاذبات التي تمر بها تونس، كما ذهب إلى القول معز بوراوي، الذي أكد أيضا أن فريق العمل الذي سيقوم بعملية المراقبة سيقع تكوينه وتدريبه على مراحل الرصد. الغاية من هذه العملية ليس التدخل في مهام اللجنة بقدر ما هو تبليغ رسالة إلى المواطن التونسي عنوانها حياد أعضاء اللجنة المشرفة على فرز ملفات الترشح ومضمونها أن العملية برمتها تمت في كنف الشفافية والمصداقية، غير أن معز بوراوي قد استغرب من هذا الرفض متسائلا عن مبرراته مبينا أن "النية واضحة من قبل هذه اللجنة إن أصرت على الرفض وهذا يجعلنا نشكك في نزاهة أعمالها" مؤكدا أن "الركيزة الأساسية لضمان انتخابات مقبلة شفافة هي تركيبة الهيئة في حدّ ذاتها".