استقال رئيس الحكومة حمادي الجبالي واعلن صراحة عن فشل حكومته في قيادة البلاد الى برّ الامان.. استقالة الجبالي كان من المفروض ان تسبقها استقالات أخرى في الحكومة وفي غيرها من مؤسسات الدولة على غرار وزير الداخلية علي لعريض ووزير التشغيل عبد الوهاب معطر ووزيرة المرأة سهام بادي ووزيرة البيئة مامية البنّا وخاصة وزير التربية عبد اللطيف عبيد... فجميع هؤلاء وغيرهم رافقت مهامهم عديد الهزات وتميز نشاطهم بالفشل لكنهم لم يتجرؤوا على الاستقالة بل انهم اظهروا تشبثا كبيرا بالكراسي واظهروا استعداد للتضحية بكل شيء من اجل هذا المنصب واحسن دليل على ذلك الازمة التي مر ولا يزال يمر بها حزب المؤتمر من اجل الجمهورية عندما قررت هيئته المركزية الخروج من الحكومة واستقالة وزرائها.. لكن هؤلاء الوزراء رفضوا القرار الذي تم تعليقه لأسبوع في مرة اولى ليتم تجاهله كليا في المرة الثانية رغم ان رئيس هذا الحزب محمد عبو كان له السبق بعد وزير المالية حسين الديماسي في تقديم استقالته وارجاع حقيبة وزارة الاصلاح الاداري الى رئيس الحكومة... لقد مثلت استقالة عبو وقتها صدمة سياسية وتخلى عن كرسي الوزارة بعد ان عجز عن فرض توسيع صلاحياته التي ظلت محدودة ومقسمة ومتداخلة مع وزارات أخرى.. استقالة محمد عبو من الحكومة، تلتها بعد أشهر وبالتحديد يوم 17 فيفري الجاري اعلانه عن الاستقالة من الامانة العامة للحزب وذلك منذ اقل من الاسبوعين حين كتب رسالة للمجلس الوطني لحزبه أكد فيها " مشروعي في المؤتمر بعد 14 جانفي هو الاصلاح على المستوى الوطني ولا ارى نفسي أضيع جهدا في اصلاح حزب من المفروض ان يكون هو المضطلع بمهمة اصلاح الوطن... سأعلن عن استقالتي من المؤتمر وتأسيس حزب جديد مع جزء من المؤتمرين واعضاء الكتلة وغيرهم". واتهم عبو قيادات حزبه تقريبا بعدم الكفاءة والوصولية قائلا انه سيؤسس حزبا جديدا "بأشخاص اكفاء وطموحين ولكن غير وصوليين وطنيين ومترفعين عن صغائر الامور ديمقراطيين قولا وفعلا ..".. رسالة استقالة عبو بقيت بدورها غير مفعلة ليعود رئيس حزب "المؤتمر" من جديد بعد استقالة حمادي الجبالي للتفاوض حول المنصب الوزاري الذي يمكن أن يحصل عليه ويعود به الحنين الى طموحه المعلن منذ البداية في تولي حقيبة وزارة الداخلية.. وهو المنصب الذي يمكن أن ينسي عبو مطلبه بتحييد كامل وزارات السيادة. اعلان عبو نيته الاستقالة تلاه اعلان مماثل من زوجته سامية عبو التي اكدت على هذه الاستقالة في صفحتها الخاصة على الفايسبوك. وفي نفس اليوم أكد النائب بالمجلس الوطني التأسيسي عن حزب المؤتمر لزهر الشملي استقالته من الحزب موضحا انه اتخذ قرار الاستقالة بعد أن لاحظ عدم احترام القانون الداخلي لحزب المؤتمر من اجل الجمهورية من طرف المكتب التنفيذي للحزب. هذه "الاستقالات" التي بقيت معلقة أثرت بشكل كبير على مصداقية هذا الحزب الذي يشكل احد الاضلع الثلاثة ل"الترويكا" الحاكمة ويترأس مؤسسه المنصف المرزوقي اليوم البلاد.. اعلان الاستقالة الذي لم يفعل من أي طرف في المؤتمر جاء بعد أن اهتز كيان الحزب ومصداقيته اثر قرار المجلس الوطني يوم 2 فيفري سحب وزرائه من الحكومة (سهام بادي وعبد الوهاب معطر وسليم بن حميدان كوزراء والهادي بن عباس وهشام بن جامع) في مناورة تندرج في اطار المقايضات صلب الترويكا الحاكمة.. ولمّا لم تلق هذه المناورة ردود فعل مقبولة من قبل الحكومة والشركاء في الحكم تم يوم 11 فيفري الجاري تجميد تنفيذ قرار الاستقالة بأسبوع .. ومر الاسبوع وتجاهلت قيادات الحزب هذا "التجميد" ليبقى الفريق الحكومي يعمل وكأن شيئا لم يكن.. متوهما أو محاولا أن يوهم الغير أن استقالة حمادي الجبالي تعني استقالة كامل الحكومة وبالتالي لا مجال لتقديم استقالات منفردة.. وحتى وان كان الامر كذلك، فانه ومن حيث المبدأ ومن حيث المصداقية كان على وزراء وكتاب الدولة المنتمين لحزب "المؤتمر" الاستقالة وفي ذلك اكثر من رمزية والتزام بالقرارات وبهياكل الحزب.. لكن يبدو أن بهرج السلطة والتمسك بالمناصب الذي لاح على وزراء "المؤتمر" أقوى من كل ذلك واقوى حتى من سمعة الحزب ومستقبله.. هذه الانانية واللامبالاة وعدم الالتزام بالقرارات زادت في تأزيم وضع "المؤتمر" حيث كان رد الفعل من قبل قياداته الداخلية حيث استقال المكتب الجهوي والمحلي لحزب "المؤتمر" بولاية المهدية وكذلك عد من مسؤولي الحزب في بني خلاد والمنستير... متهمين القيادات المركزية بخرق النظام الأساسي للمؤتمر وتجميده لقرار المجلس الوطني دون الرجوع إلى الهياكل وتواصل الصراعات الداخلية داخل الحزب مما ّ إلى اضمحلاله. هذا التردد والنظرة الضيقة لقيادات "المؤتمر" والصراع المحموم لقياداته حول المناصب والكراسي، جعلت العديد من المهتمين بالشأن السياسي والمقربين من الحزب يرون أن الوضع الراهن للحزب وموجة الاستقالات ليست إلا نهاية غير معلنة لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية.. وربما ينتهي بتأسيس عبو لحزب جديد بمواصفات معينة كان اعلنها يوم تلويحه ( ان لم نقل تقديمه) بالاستقالة مع عودة بعض قياداته الاخرى التي لا تخفي قربها وانتماءها الروحي لحركة النهضة.