سحنون بن سعيد بن حبيب بن ربيعة التنوخي أبو سعيد، واسمه عبد السلام، وغلب عليه لقب سحنون، وهو طائر حديد النظر، وذلك لجودة نظره في المسائل، قدم أبوه في جند حمص، وولد ابنه بالقيروان، وبها تربّى، وقرأ على مشائخها كالبهلول بن راشد، وابن أشرس، وابن غانم، ومعاوية الصمادحي، وابن زياد الرعيني، ورحل إلى علي بن زياد بمدينة تونس وروى عنه الموطأ، ثم رحل إلى مصر في طلب العلم سنة 178ه/795م. في حياة الإمام مالك على ما قاله ابنه، قال سحنون كنت عند أبي القاسم وجوابات مالك ترد عليه فقيل له: ما منعك من السماع عنه؟ قال: قلة الدرهم، وقال مرة أخرى: لحى الله الفقر فلولاه لأدركت مالكا، وقيل إنه رحل في أول سنة 188ه/804م، وسمع في رحلته إلى مصر والحجاز من أبي القاسم وأشهب وابن وهب وغيرهم وسمع الحديث من سفيان بن عيينة وغيره ومن أصحاب مالك كمعن بن عيسى، وابن الماجشون ومطرف. رجع إلى القيروان سنة 191ه/807م، وفيها مات ابن القاسم ولما رجع أظهر مذهب مالك، وتصدّر للتدريس.. اجتمع له مع ذلك فضل الدين والعقل والورع والعفاف والانقباض فبارك الله فيه للمسلمين.. قال أبو العرب التميمي «كان جامعا للعلم، فقيه الدين، اجتمعت فيه خلال ما اجتمعت في غيره: الفقه البارع، والورع الصادق، والصواب في الحق، والزهادة في الدنيا، والتخشن في الملبس والمطعم، والسماحة والترك، لا يقبل من الشيطان شيئا، وكان أول من شرد أهل الأهواء، من المسجد للجامع وكانوا فيه حلقا من الصفرية، والإباضية، وكان حافظا للعلم، ولم يكن يهاب سلطانا في حق يقيمه» وله مواقف عديدة ذات شأن عظيم. ولي القضاء سنة 234ه/849م، فلم يزل قاضيا إلى أن مات، وهو أول من نظر في الأسواق وجعل عليها قاضيا خاصا يعرف بصاحب السوق وصاحب المظالم، وهو أول من جعل في الجامع إماما يصلي بالناس وكان ذلك للأمراء، وأول من جعل الودائع عند الأمناء، وكانت قبل في بيوت القضاة، وأول من قدم الأمناء في البوادي، وكان لا يأخذ لنفسه مرتبا ولا صلة من الأمير في قضائه كله، ويأخذ لأعوانه وكتابه وقضاته من جزية أهل الكتاب. من مؤلفاته المدوّنة (انظر تراجم المؤلفين التونسيين لمحمد محفوظ، والفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي لمحمد بن الحسن الحجوي الثعالبي الفاسي)، وقد فضّ سحنون حلق المخالفين لمذهبه من العراقيين ولم يكن يقبل إلا فتوى المالكيين وبه صارت إفريقية ملكا لمالك» خلفه ولده محمد بن سحنون وله درجة عالية في الفقه والتآليف العظيمة في المذهب المالكي، (انظر الفكر السامي..).