هو عبد السلام بن سعيد لقب بسحنون باسم طائر حديد النظر لحدّته في المسائل. هو الإمام الذي ركّز المذهب المالكي بإفريقية، ونشره ببلاد المغرب العربي، وكان كتابه ومازال المعين الثري لهذا المذهب، طبع كتابه عشرات المرات وشرح ويعتبر الأساس لدارسي المذهب. ينسب سحنون الى قبيلة تنوخ وأصله من حمص بالشام، قدم به أبوه الى القيروان مع جند أهل حمص. ولد في قرية بالشام ونشأ بالقيروان وأخذ عن علماء افريقية منهم علي بن زياد والبهلول بن راشد وعبد الله بن غانم وعبدالله بن فروخ وكان هؤلاء أئمة في المذهب المالكي بهم وبأمثالهم صارت القيروان كعبة للعلم للأقطار المغربية يؤمهم الطلاب من الأندلس والمغرب وبلدان جنوب الصحراء. وبعد ان ملأ سحنون ما طاب من دروس هؤلاء العلماء رحل الى المشرق سنة 188ه وأخذ في مصر عن عبد الرحمان بن القاسم كتابه «المدوّنة» كما أخذ عن أعلام مصر من تلامذة مالك منهم أشهب وابن وهب وشعيب بن الليث. ثم ارتحل الى المدينة وأخذ عن علمائها ثم الى الشام ورجع الى القيروان سنة 191ه حيث ألف كتابه «المدوّنة» وعيّن قاضيا بافريقية في رمضان سنة 234ه. وحين كان سحنون بمصر توفي مالك بن أنس فتأسف على عدم الأخذ عنه مباشرة وكان يقول: «لحى الله الفقر! فلولاه لأدركت مالكا!». ووصف سحنون بأن خلالا اجتمعت فيه قل ما اجتمعت في غيره من الفقه البارع والورع الصادق والصرامة في الحق والزهادة في الدنيا والتخشّن في المجلس والمطعم والمشرب والسماحة ورقة القلب والخشوع الظاهر والمتواضع وكرم الأخلاق وحسن الأدب كما ذكر القاضي عياض في «مداركه». ويقول القاضي عياض: «ثم قدم سحنون بذلك المذهب (...) فمالت اليه الوجوه وأحبته القلوب وصار زمانه كأنه مبتدأ قد امّحى ما قبله فكان أصحابه (أي تلامذته) سرج أهل القيروان». يتبع