المجلس المحلي بسيدي علي بن عون يطالب السلطات بحل نهائي لإشكالية انقطاع التيار الكهربائي    ب 28 مليون مستخدم.. "ثريدز" يتفوق على "إكس" في هذا البلد    عاجل/ نحو إقرار تجريم كراء المنازل للأجانب..    استشهاد شابين فلسطينيين وإصابة اثنين آخرين بنيران الاحتلال الصهيوني غربي "جنين"..#خبر_عاجل    عاجل تلاميذ منطقة الحاج قاسم 2يستغيثون للمرة الثانية في نفس الأسبوع..الحافلة معطلة    عاجل/ الحوثيون يطلقون صواريخ على سفينتين في البحر الأحمر..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    فاتورة استيراد الطاقة لا تطاق .. هل تعود تونس إلى مشروعها النووي؟    مذكّرات سياسي في «الشروق» (5) وزير الخارجية الأسبق الحبيب بن يحيى... يتكلّم الصادقية حاضنة المعرفة والعمل الوطني...!    "حماس" تعلن تسلمها رد الاحتلال حول مقترحاتها لصفقة تبادل الأسرى ووقف النار بغزة    مع الشروق .. «طوفان الأقصى» أسقط كل الأقنعة.. كشف كل العورات    الرابطة الثانية (ج 7 إيابا) قمة مثيرة بين «الجليزة» و«الستيدة»    مانشستر سيتي الانقليزي يهنّئ الترجي والأهلي    ترشح إلى «فينال» رابطة الأبطال وضَمن المونديال ...مبروك للترجي .. مبروك لتونس    أخبار المال والأعمال    تقديرات بانحسار عجز الميزانية الى 6.6 ٪ من الناتج المحلي    فضاءات أغلقت أبوابها وأخرى هجرها روادها .. من يعيد الحياة الى المكتبات العمومية؟    تنديد بمحتوى ''سين وجيم الجنسانية''    رئيس الجمهورية قيس سعيّد.. المفسدون... إمّا يعيدون الأموال أو يحاسبهم القضاء    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    الكاف..جرحى في حادث مرور..    ماذا في لقاء وزير الخارجية بنظيره الكاميروني؟    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    طقس الليلة    تسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة 'ذاكرة العالم' لدى اليونسكو: آخر الاستعدادات    توزر: المخيم الوطني التدريبي للشباب المبادر في مجال الاقتصاد الأخضر مناسبة لمزيد التثقيف حول أهمية المجال في سوق الشغل    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    أكثر من 20 ألف طالب تونسي يتابعون دراساتهم في الخارج    وزارة التجارة تتخذ اجراءات في قطاع الأعلاف منها التخفيض في أسعار فيتورة الصوجا المنتجة محليا    الرابطة 1 ( تفادي النزول - الجولة الثامنة): مواجهات صعبة للنادي البنزرتي واتحاد تطاوين    بطولة الرابطة 1 (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    الجزائر تسجل حضورها ب 25 دار نشر وأكثر من 600 عنوان في معرض تونس الدولي للكتاب    المؤرخ الهادي التيمومي في ندوة بمعرض تونس الدولي للكتاب : هناك من يعطي دروسا في التاريخ وهو لم يدرسه مطلقا    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب؟    البطولة الافريقية للجيدو - ميدالية فضية لعلاء الدين شلبي في وزن -73 كلغ    نابل: الاحتفاظ بشخص محكوم بالسجن من أجل "الانتماء إلى تنظيم إرهابي" (الحرس الوطني)    التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيدين للفلسطينيين    افتتاح المداولات 31 لطب الأسنان تحت شعار طب الأسنان المتقدم من البحث إلى التطبيق    تضم فتيات قاصرات: تفكيك شبكة دعارة تنشط بتونس الكبرى    عاجل/ إصابة وزير الاحتلال بن غفير بجروح بعد انقلاب سيارته    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    هام/ ترسيم هؤولاء الأعوان الوقتيين بهذه الولايات..    تقلص العجز التجاري الشهري    الشابّة: يُفارق الحياة وهو يحفر قبرا    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    التشكيلة المنتظرة للترجي في مواجهة صن داونز    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغنوشي يسير على خطى بورقيبة
احميدة النيفر ل"الصباح الأسبوعي"
نشر في الصباح يوم 11 - 03 - 2013

- احميدة النيفر هو أحد المفكرين التونسيين ومن أهم منظري التيار الإسلامي اليساري أو ما يعرف كذلك بتيار الإسلاميين التقدميين، كان من مؤسسي حركة الاتجاه الإسلامي لكن سرعان ما تمّ إقصاؤه لعدّة أسباب أبرزها نقد الفكر الإخواني،
فقرّر بعث تيار الإسلاميين التقدميين رفقة عدد من المفكرين. وينحدر احميدة النيفر من إحدى أهم العائلات الفكرية العلمية والدينية بتونس، كما درس بجامع الأزهر وحصل على الدكتوراه وهو من مؤسسي منتدى الجاحظ. الدكتور النيفر شارك في بداية التسعينات في إصلاح برامج التربية التي تولاها حينها محمد الشرفي. «الصباح الأسبوعي» التقت بالدكتور احميدة النيفر الذي حدثنا عن الواقع الثقافي اليوم في تونس ووضع المؤسسات التربوية والجامعية، كما تطرقنا إلى حركة النهضة وممارستها الحكم وعلاقتها بالجانب الدعوي وعدد آخر من المواضيع في الحوار التالي:
في حديثه عن أسباب استقالته، أشار أبو يعرب المرزوقي إلى «عدم الشروع في إصلاح التربية والثقافة على أسس تجعل المعرفة أساس كل تنمية وتمكن تونس من استرداد دورها الريادي وأن تصبح منارة في إعادة الأمة العربية والإسلامية للتاريخ الكوني؟ هل فوتّت ،حسب رأيكم، تونس فرصة أن تكون «رائدة» و»منارة الأمة العربية الإسلامية؟
إن صفة الريادة تقتضي توفر جملة من الشروط لعل أهمها «شرط الحرية» فدون حرية لا يمكن للثقافة أن تلعب دورها، وتعتبر تونس مقارنة ببقية الدول العربية رائدة في مجال التعليم، لكنها لم تول أهمية للجانب الثقافي. فالثقافة كانت موكولة لأفراد ولبعض النخب المعروفة، أما الشرط الثاني الذي من شأنه أن يمكّن تونس من أن تصبح رائدة في المجال الثقافي هو أن يكون لدينا مشروع ثقافي، وهذا المشروع ليس مسؤولية الدولة بمفردها وإنما مسؤولية المجتمع بأكمله والشرط الثالث فيتمثل في وجوب توفر البعد الوطني وصفة الإنسانية، فالقيمة الإنسانية في الإبداع الثقافي اليوم ضعيفة.
بحديثنا عن الثقافة، ما تعليقكم حول «رقصة الهارلم شايك» وما أثارته من ردود فعل متباينة وصلت إلى حدّ تبادل العنف في بعض المؤسسات التربوية والجامعية؟
إن الحديث عن هذه الظاهرة يذكّرنا ب»العاصفة في فنجان»، وكان من الأجدر أن لا تحتل هذه الرقصة كل هذه الأهمية، فظهورها في مؤسسة تربوية يعكس الأزمة التي تمرّ بها المؤسسة التربوية، وأرجو أن ينظر لرقصة «الهارلم شايك» على أنها الشجرة التي تحجب وراءها غابة، فوراءها مشكل كبير يتعلق بالمؤسسة التربوية ومستقبلها بعد الثورة وسياستنا الشبابية في تونس، هل عندنا سياسة شبابية أم لا، ومن الأجدر أن يقع البحث في مشاكل المؤسسة التربوية بعمق خاصة أنّ هناك عدة مظاهر برزت في المؤسسة على غرار المخدرات وتكوين مجموعات تذهب للجهاد.
بتنا اليوم نجد صراعا داخل المؤسسة الجامعية بين طلبة إسلاميين وطلبة يساريين وصل إلى حدّ تبادل العنف والتراشق بالكراسي واستعمال آلات حادة في حرم المؤسسة الجامعية، ألا ترون في ذلك تكرارا لسيناريو العنف في الثمانينات الذي جدّ بالجامعة؟
يجب أن نعترف بأن المؤسسة الجامعية شأنها شأن المؤسسة التربوية تحتاج إلى مراجعة ووقفة لإعادة النظر في مجموعة من الأمور، فما تشهده الجامعات اليوم يعكس «تكتكة» أي أن المؤسسة الجامعية معطلة، فاليوم نحن نعيد إنتاج نفس الخطاب السياسي الطلابي، والمشكل هو أن المؤسسة الجامعية باتت أمام تحدّيات تكوين وتشغيل وبناء مشروع مجتمعي، فالطالب يعتقد أنه بصدد النضال من أجل خلق مشروع مجتمعي جديد. من جهة أخرى، الخطاب الموجود اليوم في الجامعات ليس سوى صدى الخطاب السياسي الموجود خارج الجامعة والذي لم يقدر على تجاوز الاصطفافات والتجاذبات القديمة.
كيف تقيّم الخطاب السياسي اليوم؟
هو لا يزال جنينيا، والخطاب السياسي اليوم يعيش مشكلا حقيقيا، فعلى السياسيين التفكير في خطاب سياسي تفرضه الثورة لأن الثورة تولّد -من المفروض- خطابا سياسيا آخر ولكنه اليوم لا يزال جنينيا. وما لاحظته لدى نخبنا السياسية أنّ كل فرد منها يرى نفسه الأصحّ وهو غير مستعدّ للاستفادة من خطاب الغير، فمعظم السياسيين يسمعون و«لا ينصتون».. وتنطبق عليهم مقولة «إما أنا أو أنت»، وأدعو السياسيين إلى الانتباه لخطاباتهم التي نأمل أن تأخذ معنى تعدديا وليس توجها سياسيا أحاديا، لأن الثورة لم تكن حكرا على فئة دون أخرى وإنما شاركت فيها مختلف مكونات المجتمع، بالتالي يجب أن يأخذ الخطاب السياسي بعين الاعتبار المعنى التعددي والتكاملي الذي عبرت عنه الثورة.
ما تعليقكم حول الاستقطاب الثلاثي الذي بتنا نعيشه اليوم (نهضة- اتحاد من أجل تونس -جبهة شعبية)، هل يخدم ذلك مصلحة تونس؟
إن الاستقطاب مرحلة لا يمكن تجاوزها وهو ضروري للحياة السياسية خاصة في ظل هذا الوضع الذي نعيشه، فهذا أفضل بكثير من التعددّ والتشتت الحزبي، فما الفائدة من وجود أكثر من 150 حزبا لا يقدر المواطن على التمييز بينها، فاليوم نحتاج إلى تشكيل عائلات فكرية لتفادي هذه الفوضى، والتحالفات السياسية مؤشر إيجابي ولكن من الضروري أن يكون عنصر التوافق حاضرا فيما بينها.
بحديثنا عن عنصري العنف والاختلاف، سبق وأن أعلنتم عن تكوين مبادرة ثقافية سياسية تحمل اسم «رابطة تونس للثقافة والتعدّد».. ماذا حققت هذه المبادرة؟ وإلى أيّ مدى نجحتم في إرساء ثقافة التعدّد من خلال الرابطة؟
علينا أن ندرك وجود حلقة مفقودة، هي ليست بالسياسية بالمعنى الحزبي ولكنها همزة وصل بين ما هو سياسي وما هو ثقافي واجتماعي وديني، نحن اشتغلنا على هذه الرابطة لمدة 6 أشهر تقريبا، وركزنا عملنا خلال تلك المدّة على مدى إمكانية خروجنا من حالة الاستقطاب وتجاوز ضعف أداء المؤسسة التربوية وتراجع الريادة التونسية، فقناعتنا بقيمة تونس ومكانتها وبأنها نموذج لا يجب أن يتراجع أو يغيب بسبب أحداث الثورة هو ما دفعنا إلى بعث الرابطة، وما نراه اليوم يجعلنا نقول «إن النموذج التونسي مهدّد بالغياب»، وبالتالي رأينا ضرورة في تكوين الرابطة ليس بمعناها السياسي وإنما بمعنى الربط والتوليف بين الديني والثقافي والديني والسياسي، فالتعدّد الفكري والثقافي والسياسي والديني ثراء وليس مصيبة.
سبق أن استقلتم من هيئة تحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، وبرّرتم استقالتكم ب»طغيان المصلحة الحزبية الضيّقة على الأعمال وبروز نوع من الحسابات والمقايضات على حساب المصلحة العامة»، ألا ترون أن هذه الحسابات والمقايضات موجودة في المجلس التأسيسي؟
إن الوضع في «التأسيسي» مختلف، لكن لا يمكن أن ننكر وجود قصور في «التأسيسي»، فالمجلس تائه بين الآنية الجزئية القانونية والأمور السياسية الحزبية، وهو لم يستطع فتح طريق لخطاب يمزج بين الاعتبارات السياسية ومتطلبات الثورة.. وللأسف أن هناك بعض النواب الذين يفكّرون بمنطق المحاصصة ويغلّبون المصلحة الحزبية على المصلحة الوطنية وهذا ما يدفعني إلى اعتبار «التأسيسي» تائها بين التشتت والتشتيت.
كنتم عضوا في مجلس الحكماء الذي بعث إثر إعلان مبادرة حمادي الجبالي، وقد لاقى هذا المجلس عدّة انتقادات سواء من داخله أو خارجه، في إطار التقييم الذاتي، ماذا تقولون عن مجلس الحكماء؟
شخصيا أرى أن وجود مجلس حكماء في هذا الظرف بالذات ضروري ومن شأن استمراره يجب تحقيق تجربة انتقال ديمقراطي ناجحة، إن المشكل ليس في الحكماء وإنما يكمن في كيفية لقائهم وتكوين رؤية مشتركة، فالحكيم عادة ما يكون منفردا برأيه ويتّسم ب»العنجهية» وكأنه هو فقط الذي يملك الحقيقة ولا يمكن لهذا النوع أن يفيد أو يقدّم إضافة لذلك من الأفضل تجميع الحكماء في مجلس وفتح حوار بينهم من شأنه توحيد القوى ويصبّ في مصلحة البلاد.
كيف تقيمون اليوم تناول الملف الديني في تونس؟
(يضحك ثم يتنهّد) الملف الديني يذكّرني ب»القطوس الأكحل اللي ما يلزمش نمسّوه»، ففي معتقداتنا القط الأسود هو فأل سيّئ وهو يذكرنا ب»الجن»، لذلك لا يجب الاقتراب منه، وهو نفس الشأن اليوم بالنسبة إلى الملف الديني فكأن هناك شبه اتفاق بين الجميع على أن الملف الديني لا يجب التطرق إليه، بينما الواقع يفرض علينا عكس ذلك فلا بدّ من دراسة الملف الديني بصفة متأنية ونحن بحاجة إلى تقييم تجربة 50 أو 60 سنة، وهذا من مهمة المجلس الإسلامي الأعلى فلا بدّ من إعادة صياغته ليتولى هذا النوع من المهام الصعبة، ووزارة الشؤون الدينية غير معنية بذلك.
تونس اليوم وجهة لشيوخ الخليج الذين باتوا يقدّمون دروسا دينية في مساجدنا، فهل نحن في حاجة لهؤلاء الشيوخ؟
القنوات التلفزية قامت بدورها قبل الشيوخ، ومع ذلك علينا أن نفهم أنّ زيارة الشيوخ لتونس أمر يصعب تجنبه في ظل غياب خطاب ديني إسلامي وطني، وقد بتنا اليوم في حاجة لهذا الخطاب.. نحن لم نستطع صنع خطاب وطني معاصر ولا صنع رموز ذات قيمة وطنية وإسلامية إلا في القليل النادر.. لذلك إذا لم تتوفر لديك بضاعة قوية، عاديّ أن تروّج في سوقك بضاعة أخرى، ولذلك يسهل اختراقنا من قبل الشيوخ.. فمنذ 150 سنة تقريبا، لم تولد لدينا أسماء.
هذا يجرّنا إلى الحديث عن الجامعة الزيتونية، هل يمكن اعتبار وجودها صوريا أو شكليا؟
الجامعة الزيتونية مازالت تبحث عن هويتها، وهي لم تجد بعد لهذه الهوية منهجا أو برامج أو آفاقا.. التاريخ في حاجة إلى إعادة كتابة وصياغة، وهو نفس الشيء بالنسبة إلى الجامعة الزيتونية التي هي جسم اجتماعي حيّ يحتاج إلى إعادة نظر ومراجعة، الزيتونيون موجودون ولكنهم مبعثرون ولا يمكن تكوين شيء من لا شيء.
أنتم من مؤسسي حركة الاتجاه الإسلامي، وعندما حاولتم في السبعينات نقد ومراجعة الفكر الإخواني انطلاقا من الخصوصيات التونسية صحبة الأستاذ صلاح الدين الجورشي، تمّ إقصاؤكم واتهامكم ب»اليسار الإسلامي»، فارتأيتم حينها تكوين «تيار الإسلاميين التقدميين»، فهل ترون وجود اختلاف بين حركة النهضة اليوم وحركة الاتجاه الإسلامي سابقا؟
إنّ اتجاه «الإسلاميين التقدميين» جاء للإجابة عن ثلاثة تحدّيات وهي: ما علاقتنا بفكر الإخوان؟ ما علاقتنا بالمشروع البورقيبي؟ وما علاقتنا بالعصر الذي نعيشه؟.. عندما طرحنا هذه الأسئلة اعتبرت خطوطا حمراء لا يجب تجاوزها، ولذلك قرّرنا الخروج من الحركة، ومع ذلك يجب أن نعلم أنّ الحركات الإسلامية خصوصا والإيديولوجية عموما لا تحتمل وجود تساؤلات نقدية، وترى دورها يقتصر في تغيير الواقع وإعادة النظر في بناء الواقع.
وخطاب الغنوشي الأخير الذي ألقاه في المسيرة الداعمة للشرعية بالعاصمة جعلني أتخوّف مما إذا كانت النهضة قد غيّرت خطابها فكأن الاصطفاف هو المطلوب أما المراجعات والنقد البناء غير مطلوب، وهذا يعني أننا لن نتقدّم إلى الأمام.
كيف تقيّم حركة النهضة اليوم؟
أراها جسما يراد له أن يكون موحّدا ولكن الواقع عكس ذلك، ففي النهضة مكونات مختلفة منها ماهو متصّل بالفكر الإخواني ومنها ماهو متصل بالفكر التقدمي.. هي جسم حي يتفاعل بدرجات متفاوتة والخط الذي يراد له أن يكون غالبا في النهضة هو الخط البورقيبي.. فالمشروع البورقيبي يقوم على أن المجتمع التونسي ينبغي أن يصاغ من قبل الدولة والذي يمسك بالدولة هو الذي يوجّه ويهندس ويصوغ ويصنع، فقطاع من النهضة يعتقد أن الوصول إلى الوزارات ومؤسسات الدولة يعني أنهم ضمنوا تغيير الواقع الاجتماعي في حين أننا نعتقد كجزء من الإسلاميين التقدميين أنّ الدولة اليوم لم يعد لها نفس الوزن في صناعة المستقبل كما كانت، فما صنعه بورقيبة كان هو المتاح ولكن اليوم تغيرت المعطيات ولم تعد الدولة بمفردها تمسك بزمام الأمور، فهناك المجتمع المدني المهيكل والمنظم والذي بإمكانه أن يساهم بقوة في صناعة القرار، بالتالي فإنّ الاحتكار البورقيبي المفهوم سابقا غير ممكن اليوم.
هل تقصدون بذلك أن الغنوشي يسير على خطى بورقيبة؟
نعم وهذه مفارقة كبيرة عند الشيخ راشد الغنوشي، فبقدر شتمه بورقيبة بقدر عدم سعيه إلى إنتاج نموذج آخر، وإنما هو يعيد إنتاج النموذج البورقيبي.. وليس له مبرر في ذلك وكأن الأمور عادت إلى المربّع الأول، وأنا أتساءل: «هل كان من الضروري أن تسرع النهضة إلى إعلان تعيين الجبالي رئيسا للحكومة؟
ولكنهم يبررون ذلك بنتائج الصندوق ومبدإ الشرعية؟
إذن هم لم يستوعبوا الدرس من 14 جانفي، ففي ذلك اليوم لم تكن المسألة مسألة أغلبية أو أقلية، فالأغلبية والأقلية تتعلق بإجراء الدستور، لكن أقول للنهضة كحزب أغلبي: تتكلمين باسم الأمة وثقافة الأمة وضمير الأمة.. لماذا تستمدّين شرعيتك من السلطة التي اضطهدتك في السابق؟
هل يمكن القول إن الموجودين اليوم في الحكم لم يستفيدوا من درس بن علي وما حدث في 14 جانفي؟
عادي أن لا يستفيدوا لأن جزءا منهم لم يفهم اللحظة الفارقة التي حصلت في 14 جانفي وهو أن النظام رغم قوته مضطرّ لرمي المنديل في الأخير رغم استحواذه على كامل السلطات، من لم يفهم هذه اللحظة خاصة من الإسلاميين يعكس مشكلا عويصا، ونحن كإسلاميين تقدميين نرى أن الاهتمام بالجانب الثقافي والفكري والمجتمعي أولى من الاهتمام بالمؤسسة السياسية.
هناك من يقول «من الأفضل للغنوشي أن يترك السياسة لأهلها ويهتمّ بالجانب الدعوي، هل تشاطرونه الرأي؟
إن الدعويّ يختلف كثيرا عن السياسة وعلى النهضة أن تحسم في الفصل بين الديني والسياسي، فمشروع النهضة بدأ دعويا ثم صار سياسيا، ثم صار سياسيا فقط إلى درجة أنه سيقتل الدعويّ وسيقتل المشروع الذي نشأ في رحمه، وإذا لم يقع هذا الفصل الحيوي للقطاعين معا.. فسيختفي المشروع الإسلامي ككل وهو مهدّد اليوم بالاختفاء وعلى العلمانيين والقوميين والليبراليين أن يكونوا موجودين في هذا المشروع.. فالقضاء على أحدهم يعني القضاء على المنظومة الوطنية.
وأنا أخشى أن يكون الغنوشي قد راهن فقط على السياسي وكأنه استغنى عن الجانب الدعويّ ويراه ليس ذا قيمة، ولا أرى علامات واضحة على أن الجانب الدعويّ يحظى بعناية من النهضة.
من الانتقادات الموجهة اليوم إلى حركة النهضة أنها حشرت نفسها في زاوية ضيقة وأنها قدمت الكثير من التنازلات للمعارضة وهو ما من شأنه أن يفقدها شعبيتها؟
لا، لا أعتقد ذلك فما دامت الحركة مصرّة على العمل بعقلية «الترويكا» والعقلية الجماعية فهي واعية تماما أن انفرادها بالسلطة أمر مستحيل في تونس، صحيح أنها تحشر نفسها أحيانا في زاوية ولكن في الغالب مقتنعة بأن انفرادها بالسلطة سيؤول إلى خسارة فادحة، وتنازلات النهضة تعكس عدم قناعتها بالهيمنة بمفردها في المشهد السياسي ومن المفارقات الغريبة في النهضة أن الغنوشي شخصية مركبة بقدر ما يريد أن يمسك بكل شيء في يده بقدر ماهو متأكد من أنّ خروجه سيؤدي إلى تشتت النهضة، فهو يلعب دور المعدّل.
فراشد الغنوشي شخص براغماتي جدا، ولكن الماكينة الحزبية أثّرت فيه، وأعتقد أن ما قاله الشيخ عبد الفتاح مورو مبالغ فيه بالقصد بهدف دفع النهضة نحو اتخاذ مواقف حاسمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.