من الامثال الشعبية التي استحضرها دوما وأجدها تنطبق على واقع إعلامنا أيّما انطباق.. هو ذلك المثل الذي نضع فيه إعلامنا موضع «لحمة الكرومة» لا لأنها «متاكلة ومذمومة» فحسب بل ولأنها الموضع الذي يعمل فيه السكين ليضع حدّا للحياة وليحوّل الكائن الحيّ الى لقمة سائغة. وهذا المثل لا يستثني أي صنف من أصناف الاعلام بما فيه الصحافة الإلكترونية التي لاتزال الى حد اليوم تبحث عمّن يعترف بها رسميا رغم أن الرسميين يلجأون اليها ويقرأون لها ألف حساب... وسائل الإعلام إذن هي ملجأ للجميع سلطة ومعارضة وشعبا، كلٌ لحاجة ما في نفسه فهذا يريد أن تُمرّرَ له هذه الوسائل نشاطا وذاك يريد أن تتبنّى له موقفا وثالث يريد عبرها «أن يُبْلِع الناس حربوشة» ورابع يريد أن ينشر شكوى وخامس يريد تصفية حساب مع طرف آخر وهلّم جرا... ولجميعهم قاسم مشترك- وهنا أعود للامثلة الشعبية وهو القدرة على «أكل القَسْطَل بيد القطوسة». نعم الجميع يريد أن تكون الصحافة الوطنية الناطق باسمهم، المعبّر عن مشاغلهم ورغباتهم.. الجميع يريد أن يجني الثمار من الصحافة لكن قلّ وندر أن تجد من يحرص على العناية بها... من على الاقل يسقي الشجرة التي تدرّ الثِمَار أو حتى يحميها فقط من الأيادي العابثة، بل بالعكس فهم يجنون الثِمَار ويكسّرون الاغصان التي منحتهم الظلّ الوافر والثمرة الطيبّة.. والمشهد الاعلامي يزخر يوميا بالأمثلة الحيّة فالتلفزيون يريدونه وطنيا لكن اذا ما عبّر عن أبسط هموم الوطن أو إذا تجاسر وانتقد تقوم الدنيا ولا تقعد.. وحتّى الذي شجّع على المبادرة يتبرّأ من هذا الفعل النبيل.. وكذلك الحال في صحافتنا المكتوبة فكم من مسؤول تحدّث ثم عندما لم تعجب اللغة التي تحدّث بها من له مصالح معهم أنكر وكذّب.. وكم من مواطن جاء يشكو حاله وعندما وعده المسؤولون بتسوية وضعيته شرط التراجع في ما قاله عاد متسلّحا بتكذيب.. كم من مُعَارضٍ عرض ما لا يستقيم نشره دون وثائق أو حجج فإن امتنعنا هاجمنا ونعتنا بالجبن وانعدام الاستقلالية وقس على ما ورد من عديد التهم.. وكم من شخص دعانا لننقُد أداء وزارة أو بلدية ورفض أن يحشر اسمه كشاهد عيان أو متضرر. إنّ آكلي «لحمة الكرومة» والذين يذمّونها و«آكلي القسطل بيد القطوسة» على كثرتهم يصعب حصرهم الى حدّ أصبحت فيه هذه الممارسات رياضة وطنية وأضحت فيه الساحة الاعلامية ملاعب لممارستها... تلك هي حال إعلامنا الذي لن يستقيم حاله طالما لم تتحرر العقليات من العقد والممارسات البالية وإذا لم يتيسّر ذلك فسنظلّ دوما بإذن الله السلطة الرابعة... لكن بعد الألف. حافظ الغريبي