شهدت تونس منذ الاستقلال عددا من المحاكمات السياسية التي انتهت بفاجعة تنفيذ حكم الاعدام في عدد من النشطاء السياسيين.. وهذه عينة من أبرز هذه المحاكمات: إعدام اليوسفيين.. أصدرت المحكمة العسكرية بمناسبة ما اصطلح عليه "بالأزمة اليوسفية" أو محاولة الانقلاب لسنة 1962 أحكاما بإعدام المتهمين: "عمر البنبلي" و"كبير المحرزي" و"صالح الحشاني و"عبد الصادق بن سالم" و"المنصف الماطري" و"حمادي قيزة" و"الحبيب بركية"وكلهم من العسكريين و"الحبيب حنيني" و"الهادي القفصي" و"الأزهر الشرايطي" و"عبد العزيز العكرمي" و"أحمد الرحموني" و"المسطاري بن سعيد" (في حالة فرار) كلهم من المدنيين. نفذت أحكام الإعدام في المحكوم عليهم بتاريخ 24 جانفي 1963، باستثناء حمادي قيزة والمنصف الماطري فقد عفا عنهما الحبيب بورقيبة واستبدلت عقوبة الإعدام بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة. أحداث قفصة وإعدام 13 شخصا على خلفية أحداث قفصة المسلحة في 26 و27 جانفي 1980. قبضت قوات الأمن على عدد مهم من المتهمين وأحيلوا على محكمة امن الدولة كمحكمة استثنائية وأصدرت أحكاما بالإعدام. ووقع تنفيذ حكم الاعدام في ثلاثة عشر شخصا منهم: أحمد المرغني وبلقاسم كريمي وعبد المجيد الساكري وحسين نصر العبيدي و"عبد الرزاق نصيب والعربي الورغمي ونور الدين الدريدي وعز الدين الشريف وكلهم ينتمون إلى تنظيم "الجبهة القومية التقدمية لتحرير تونس". إعدام محرز بودقة وبولبابة دخيل في 1984 في سبتمبر 1984 وعلى إثر الهجمات الإرهابية التي حصلت في سوسة والمنستير اتهم النظام آنذاك حركة الاتجاه الإسلامي بمسؤوليتها عن تلك التفجيرات. وفي هذه المحاكمة حكم على راشد الغنوشي زعيم الحركة بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة. كما حكم بالإعدام على 7 أعضاء من الحركة (منهم 5 غيابيا). ومنهما محرز بودقة وبولبابة دخيل اللذان نفذا عليهما حكم الإعدام شنقا في 8 أكتوبر 1984. أما بقية المحكوم عليهم فقد تمتعوا بالعفو سنة 1988. إعدام زعيم حزب التحرير حكم على المتهم الحبيب الضحاوي وهو زعيم حزب التحرير آنذاك وخطيب في مساجد وجوامع جهة صفاقس. لقد حكم عليه بالإعدام شنقا حتى الموت ونفذ الحكم في آخر شهر أوت 1986. أحداث باب سويقة تتمثل أحداث باب سويقة في حرق "لجنة التنسيق" مقر حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم بتاريخ 02 /03 /1991 وحارسها المدعو عمارة السلطاني، من قبل عناصر ادّعت السلطة أنهم ينتمون الى حركة النهضة والى اليوم تتضارب التصريحات حول ما اذا كانت هذه العملية مخططا لها من قيادة التنظيم أو تصرّف انفعالي معزول.. وصدرت أحكام بالإعدام، ونفذت هذه الأحكام بتاريخ 9 أكتوبر 1991 في ثلاثة متهمين وهم: فتحي الزريبي ومحمد الهادي النيغاوي ومصطفى بن حسين.
علي العريض .. أشهر المحكومين بالإعدام يعتبر علي العريّض من القيادات القليلة التي حكمت بالإعدام في حركة النهضة رغم أن هناك أحكاما أخرى قاسية كالسجن المؤبّد لكن الحكم بالإعدام خصّت به قيادات معيّنة لعبت أدوارا هامة في مسيرة الحركة الإسلامية يخشاها النظام إلى حدّ التفكير في إزاحتها نهائيا عن طريقه ..ومن هذه القيادات نجد علي العريّض وصالح كركر.. وقد شغل علي العريّض عضوية المكتب التنفيذي للحركة وكان رئيسا للمكتب السياسي منذ مؤتمر سنة 1988 حتى تاريخ اعتقاله في 23 ديسمبر 1990. و حوكم سنة 1987 بعشر سنوات سجنا غيابيا، ثم حوكم في نفس السنة بالإعدام الذي أسقط عنه بعفو رئاسي سنة 1988.وفي سنة 1992 مثل أمام المحكمة العسكرية التي أصدرت عليه حكما بالسجن 15 سنة. أمّا صالح كركر ففي سنة 1987 صدر في شأنه حكم غيابي بالإعدام شنقا بحق صالح كركر الذي قضى 24 سنة لاجئًا سياسيًا في فرنسا.
ناصر الدامرجي آخر من نفذ فيه حكم الإعدام شنقا في نهاية الثمانينات صدم المجتمع التونسي بالجرائم البشعة التي هزّت منطقة الوطن القبلي وخاصّة ولاية نابل وأودت بحياة 14 طفلا هؤلاء قتلهم ناصر الدامرجي أو ما يعرف في الذاكرة التونسية ب "سفاح نابل" بعد أن اعتدى عليهم جنسيا.. وبعد أن تمكّنت الشرطة من إلقاء القبض عليه صدم الجميع باعترافاته المثيرة حول جرائم القتل التي اقترفها و تمّ الحكم عليه بالإعدام شنقا يوم 17 نوفمبر 1991.. ليكون أخر من طبّق فيه حكم الاعدام في تونس الى حدّهذه اللحظة وذلك سنة 1994. الناصر الدامرجي والمعروف عند العامة بسفاح نابل أشهر سفاح ألقت عليه القبض الشرطة التونسية، وآخر من طُبق فيه قصاص الإعدام في تونس سنة 1994. والناصر الدامرجي ولد نتيجة علاقة غير شرعية جمعت والدته التي تذكر بعض المصادر أنها كانت بائعة هوى ووالده الذي لم يعترف بوجوده الاّ بعد أن جاوز الناصر الدامرجي سنّ الثلاثين.. ودرس الدامرجي بمدرسة أطفال بورقيبة ثم انقطع عن الدراسة وسافر في 1964 الى فرنسا أين بقي هناك لمدة وبعد ذلك عاد لتونس ليصبح فلاحا في ولاية نابل.. لكنه بعد هذه العودة التي تمّت في 1968 تلقّى الطعنة الأولى في قلبه بعد أن وجد خطيبته وابنة خالته قد تزوّجت وهو ما سيدفعه بعد 20 سنة للانتقام وقتل أولى ضحاياه..رمزي (13 سنة) ابن خطيبته وحبيبته السابقة. وأثناء المحاكمة التي تابعها الرأي العام بانتباه شديد رفض جلّ المحامين الدفاع على سفاح نابل ولكن المحكمة كلّفت محامين للدفاع عنه وقد تمسّك المحامون بالقول أن الدامرجي تعرّض لحادث مرور أدّى الى نسبة سقوط برأسه في حدود 30 بالمائة وهو ما أثّر على مداركه العقلية وجعله غير مميز عند تنفيذه لجرائمه..لكن ذلك لم يجد نفعا وحكم على الدامرجي بالاعدام ونفّذ فيه الحكم شنقا صبيحة أحد أيام سنة 1994 ليسدل الستار نهائيا عن قصة سفاح نابل.
طرق تنفيذ الإعدام في تونس أفادنا الأستاذ رابح الخرايفي أن "أحكام الإعدام التي تصدرها محاكم الحق العام الجزائية المداومة أو المحاكم الاستثنائية، تنفّذ شنقا بالحبل حتى الموت وفق نص الفصل السابع من المجلة الجزائية أمّا أحكام الإعدام التي تصدرها المحاكم العسكرية فتنفذ رميا بالرصاص وفق الفصل (45) من مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية. ينبغي أن نؤكد أن تنفيذ أحكام الإعدام بالحقنة المسمومة أو صعقا بالكهرباء أو بالخنق في غرفة الغاز طرق لم ينظمها التشريع الجزائي في تونس .
سفاح سوسة طلب الإعدام..فهل ينقذه المرزوقي؟ قضت محكمة الاستئناف بسوسة منذ أيام بالإعدام شنقا في حق المتهم المعروف باسم سفاح سوسة الذي تورط في 14 قضية قتل..ومن غرائب هذه القضية التي هزّت الرأي العام في الآونة الأخيرة أن المتهم أثناء المحاكمة طالب بإعدامه بعد أن اعترف أن عدد ضحاياه يفوق ال 14 ضحية..وهذا السفاح الذي ناهز عدد ضحاياه ،عدد ضحايا ناصر الدامرجي أو سفاح نابل الذي أعدم شنقا لكنه صدم الرأي العام أكثر منه عندما اعترف بعظمة لسانه أنه "يقتل باش يتفرهد" حسب تصريح محاميه لبعض وسائل الإعلام.. ورغم مطالبته بأن يقع إعدامه الاّ أن مصير "لحول" أو سفاح نابل في تنفيذ حكم الإعدام أو عدم تنفيذه يبقى رهين قرار من رئيس الجمهورية محمد منصف المرزوقي ،الذي قد تمنعه مرجعيته الحقوقية من الموافقة على إعدامه خاصّة وأن تونس وافقت مؤخّرا على قرار تجميد عقوبة الإعدام. وبما أن تنفيذ الحكم يبقى بيد رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي فمن المتوقع أن يرفض هذا الأخير تنفيذ حكم الإعدام باعتباره حقوقيا وأنه في تونس باستثناء سفاح نابل- لم يطبق حكم الإعدام من قبل على المحكومين به.