من سنة إلى أخرى تتزايد الضغوطات على الدول، من بينها تونس، لإلغاء عقوبة الاعدام وتجددت هذه الدعوة مؤخرا بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لمناهضة الاعدام.. ضغوطات زادت من أمل المحكومين في استعادة حياة فقدوها قانونيا بأحكام صدرت في حقهم منذ 1991 إلى الآن. ما زالت القوانين في تونس تحافظ على عقوبة الاعدام، و مازالت المحاكم التونسية تُصدر أحكام الاعدام بناء على هذه القوانين. لكن على أرض الواقع لم يقع تنفيذ اي حكم اعدام بتونس منذ حوالي 21 عاما . ففي 17 نوفمبر 1991 تم تنفيذ آخر حكم اعدام بتونس وذلك في حق الناصر الدّامرجي المعروف باسم سفّاح نابل بتهمة اغتصاب وقتل أطفال صغار. وكانت تونس قد صوتت في الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال شهر نوفمبر 2007 على قرار يدعو الدول الأعضاء إلى إيقاف تنفيذ أحكام الإعدام.
الحق في الحياة
تدافع عديد المنظمات الانسانية والحقوقية في العالم وفي تونس على الغاء عقوبة الاعدام إدراكاً منها لمدى قسوة ولاإنسانية هذه العقوبة وحطِّها بالكرامة الإنسانية، وبأنها تشكل اعتداء على الحق في الحياة. وهي تناهضها بغض النظر عن طبيعة الجريمة المرتكبة، ومهما كانت مواصفات الجاني، أو الأسلوب الذي تستخدمه الدولة في قتل السجين. كما تعتبرها جريمة غير رادعة .
100 محكوم بالإعدام
يوجد حاليا في السجون التونسية حوالي 100 محكوم صدرت في شأنهم احكاما باتة بالإعدام طيلة العشرين عاما المنقضية دون أن يقع تنفيذها، منهم بعض النساء وبعض المحكومين غيابيا . وقد ارتكب جميعهم جرائم مختلفة مثل القتل العمد مع سابق الإصرار والترصد و القتل العمد بعد الاغتصاب و القتل العمد بعد هتك العرض و القتل العمد الذي تتبعه سرقة ارتُكبت بعنف شديد .
ويقع إيواء المحكومين بالاعدام في أروقة خاصة داخل السجون، وقبل ثورة 14 جانفي كانوا ممنوعين من زيارة الأقارب في السجن ومن «القفة»، لكن بعد الثورة أصبح هناك اتجاه نحو التخلي عن هذا الاجراء والسماح لعائلاتهم بزيارتهم وتمكينهم من القفة .
مُعدمون .. مع تأجيل التنفيذ
يتزايد الجدل في تونس من سنة إلى أخرى حول إلغاء عقوبة الإعدام . ورغم أن المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية وكذلك الأممالمتحدة وعدة دول أعضاء بها يباركون خطوة تونس نحو الإلغاء الفعلي للإعدام ( الغاء التنفيذ )، إلا أنهم يرون انها خطوة منقوصة ولا بد أن يتبعها إلغاء قانوني لهذه العقوبة. فالمحاكم ستواصل اصدار احكام الاعدام مادام القانون ينص عليها والخوف كل الخوف في رأي الملاحظين أن تقع العودة إلى تنفيذ هذه الاحكام في يوم ما . ويرون من جهة اخرى ان هذا الوضع خلق فئة جديدة من المساجين، فلا هم مسجونون محافظون على حقهم في الحياة ولا نفذ فيهم حكم الإعدام وبالتالي فوضعياتهم مُعلقة وغامضة وهو ما قد يزيد في قساوة وقع العقوبة عليهم ويجعلهم يعيشون ضغطا نفسيا قاسيا وهم ينتظرون الموت في أية لحظة زمنية. 135 إعداما منذ الاستقلال
شرعت المحاكم التونسية في إصدار أحكام بالإعدام وتنفيذها منذ 1956 وقد بلغ عدد الأشخاص الذين نفذ فيهم حكم الإعدام منذ 1956 إلى 1991 مائة وخمسة وثلاثون شخصا( 135 ) منهم 129 قبل 1987 . وتوجد عدة جرائم في القانون التونسي يُعاقب مرتكبها بالاعدام مثل الاعتداء على أمن الدولة الخارجي والداخلي والقتل العمد والاعتداء على موظف عمومي والاغتصاب المصاحب باستعمال العنف والاعتداء بالعنف المرافق باستعمال السلاح أو التهديد به على قاض أثناء الجلسة، والخيانة المرتكبة من طرف العسكريين، والاستيلاء على سفينة بالعنف من كل ربان أو ضابط وتسليم السفينة إلى العدو من طرف أي عضو طاقم سفينة، وتخريب السكة الحديدية أو إحداث خلل بها أو وضع أشياء أو القيام بأي فعل من شأنه إخراج الأرتال عن السكة وتسبب ذلك في وفاة شخص.. الخ.
بمناسبة عرض تونس تقريرها حول وضع حقوق الانسان في ماي الماضي امام مجلس حقوق الانسان بالامم المتحدة بجينيف، تواصلت الدعوات والضغوطات من عدة دول ومنظمات حقوقية وانسانية دولية ووطنية من اجل إلغاء هذه العقوبة بشكل نهائي من القانون التونسي بعد إلغائها على ارض الواقع . لكن موقف الحكومة التونسية كان رفض المقترح في الوقت الحاضر لأنها حكومة مؤقتة ولا يمكنها اتخاذ قرار مُلزم كهذا بصفة منفردة دون إجراء حوار وطني حول هذا المقترح، تشارك فيه كل الآراء والاحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني خاصة ان الامر يتعلق بعقوبة نصت عليها تعاليم الشريعة الاسلامية التي يستمد منها القانون التونسي أغلب نصوصه القانونية، على غرار عدة دول عربية اسلامية . وتبارك عدة دول الغاء تنفيذ عقوبة الاعدام في تونس لكنها تنتظر إلغاءها بصورة فعلية من القانون الجنائي. ومنذ 1977 ألغت أكثر من 140 دولة هذه العقوبة في القانون و على مستوى التنفيذ. ولا تزال حوالي 58 دولة تعمل بهذه العقوبة في قوانينها، بينما على أرض الواقع مازالت فقط بضعة دول تنفذها .