هل هو زمن المظالم؟ هل أن ثورة الكرامة جاءت لنشر ثقافة الظلم؟ هل أصبح في وقتنا هذا الفاسد نظيفا و"النظيف" فاسدا؟ هل انقلبت الموازين في وقت خلنا أن الثورة جاءت ل"تعديلها"؟ أسئلة خالجتني وأنا أستمع لضابط الأمن لطفي القلمامي وهو يسرد على مسامعي المظلمة الصارخة التي تعرض لها داخل وزارة الداخلية زمن الوزير فرحات الراجحي بإحالته على التقاعد الوجوبي دون موجب.. دون أن يرتكب أي خطأ ولو كان بسيطا.. أسئلة خالجتني وأنا مشدوها لرجل لا حزب له إلا تونس.. ولا مصلحة له إلا أمن تونس.. العقيد لطفي القلمامي.. تحدث.. سرد.. روى بوجع معاناته.. مأساته.. المظلمة كما يحلو له تسميتها.. التي حطمت حياته.. قلبت وضعية عائلته رأسا على عقب.. فرغم إدراكه أنه مظلوم ورغم إدراك أفراد أسرته أنه من طينة"الرجال النظاف" فإن نظرة البعض له ولأبنائه تغيرت وكأنه ارتكب جرما عندما تعرض للظلم.. لذلك فهو اليوم يناضل من أجل حقه.. من أجل شرفه.. من اجل رد الاعتبار إليه.. عندما اتصلت بالعقيد لطفي القلمامي لتحديد موعد للقاء.. كان كعادته مؤمنا بما كتبه الله له..صابرا على الابتلاء.. على الظلم.. وعند اللقاء أحسست بوجع الرجل.. بألمه.. وهو المطعون.. وهو المجروح.. يقول ضابط الأمن عن مظلمته التي من المنتظر أن تنظر فيها المحكمة الإدارية يوم 22 أفريل القادم:" انتدبت بوزارة الداخلية منذ سنة 1990 ولكن بعد ذلك الوقت بقليل بقيت في"الفريقو" بسبب انتماءات بعض أقاربي والتزامهم بالصلاة، إلى أن قدمت الثورة وحصل ما لم يكن في الحسبان". إحالة"شكارة في بحر" يواصل محدثنا بالقول:"يوم 2 فيفري 2011 صدرت برقية مشبوهة تضم قائمة بها 42 ضابط أمن أحالهم وزير الداخلية فرحات الراجحي على التقاعد الوجوبي.. الحقيقة لم أصدق الخبر، وقيل لي في البداية أن الأمر يتعلق بتشابه في الأسماء بعد أن اكتشفت عديد المغالطات بالملف من ذلك إضافة ثمانية أعوام لعمري الحقيقي والإدعاء بأنني مدير عام، ولكن فيما بعد تبيّن أن المعفى هو أنا، فكان عليّ الالتزام بالقرار وعدم رد الفعل لحساسية المرحلة التي تمر البلاد ولوقع الصدمة". مطاردة الحقيقة "بعد مدة كان لا بد من الدفاع عن حقوقي.. عن شرفي.. فرفعت الأمر إلى المحكمة الإدارية، وبالتوازي مع ذلك التقيت فرجات الراجحي بعد أن عيّن على رأس الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية"-يتابع القلمامي-"فوجئ الراجحي بالحقائق التي كشفتها له.. وبالمغالطات التي ضمنت في ملف إحالتي على التقاعد الوجوبي فأدرك أنه أخطأ في حقي وقام بمراسلة وزارة الداخلية لمراجعة القرار دون أن يتلقى أي ردّ، لذلك سعيت لمعرفة مآل المراسلة إلى أن التقيت بوزبر الداخلية حينها الحبيب الصيد، فما كان منه إلا أن طلب مني الانتظار إلى حين قدوم الحكومة الشرعية قبل أن يعترف الوزير حينها لزهر العكرمي بوجود خطأ ويطلب في ندوة حضرتها وسائل الإعلام"رفع المظلمة"، وبقدوم الوزير علي العريّض لوزارة الداخلية إثر انتخابات 23 أكتوبر 2011 التقيته فقال لي حرفيا"أنا على يقين أنك مظلوم.. وواصل الدفاع عن نفسك"، ونزرا لعدم حصولي على حقي في الرجوع إلى العمل رغم علم جميع المسؤولين بأنني مظلوم فقد التجأت للقضاء الإداري لإنصافي". القضاء الإداري يفضح الحقيقة يواصل العقيد القلمامي سرد وقائع المظلمة فقال:"رفعت قضية في الغرض ضد وزارة الداخلية في شخص ممثلها القانوني فتفهمت المحكمة الإدارية ملابسات المظلمة وقررت بتاريخ 11 جويلية 2012 إبطال قرار وزير الداخلية فرحات الراجحي وإعادتي إلى سالف عملي، غير أن الوزارة وعوض تسوية الوضعية قامت باستئناف الحكم في شهر ديسمبر من نفس السنة فتم تعيين جلسة 22 أفريل القادم لحسم الملف". أين الحقيقة؟ الغريب أن وزير الداخلية السابق علي العريض كان صرّح-حسب محدثنا- على قناة حنبعل أنه سيحترم في هذه المظلمة القضاء، ولكن ذلك لم يحصل وظل ملف العقيد لطفي القلمامي الذي يشهد له كل الأمنيين بالكفاءة ونظافة اليد رغم مرور عدة وزراء على مقر الداخلية وآخرهم القاضي لطفي بن جدّو الذي ينتظر أن ينظر إلى هذا الملف من جانبه القضائي ويحسم فيه، فمن غير الموضوعي أن تبقى كفاءة أمنية في حجم العقيد لطفي القلمامي مهمشة.. مطعونة.. جريحة.. بعد ثورة الكرامة والمتسببون في خروجه بتلك الطريقة المهينة مازالوا يتحكمون في دواليب الوزارة.. فما رأي الوزير القاضي بن جدّو؟