التاريخ بعين الصحفي الراغب في تقريب المعلومة من القارئ صدر عن دار برق للنشر كتاب حركة الإصلاح والتحديث في تونس للكاتب والإعلامي ومدير المعهد الوطني للتوثيق الصحراوي قمعون. وقد اهتم الكاتب بالحركة الإصلاحية التي شهدتها تونس منذ بداية القرن التاسع عشر وشملت المجال السياسي والاجتماعي إلى جانب النهضة الفكرية والثقافية. وقد استعرض الكاتب بالخصوص أعلام وأقطاب الحركة الإصلاحية في مجال الفكر والصحافة. وقد اعتمد في ذلك على نصوص قال إنه انتقاها مما أسماه بأمهات المقالات والنثر الصحفي حول أعلام حركة الإصلاح وكان لجريدة "الصباح" النصيب الأوفر من هذه المقالات نظرا لعراقتها ومواكبتها لمراحل هامة في تاريخ تونس المعاصر. اعتمد الكاتب كذلك على ما خطه الأعلام بأقلامهم. وركز الاهتمام على سلسلة من الحوارات أجريت سنة 2006 مع الشيخ يوسف بن الحاج فرج بن يوسف الرئيس الشرفي لمحكمة الاستئناف بالمنستير وعضو المجلس الإسلامي الأعلى. وقد وقع اختياره على هذه الشخصيّة لأنّ صاحبها عرف بنضاله السياسي زمن حركة الكفاح التحريري لنيل الاستقلال ثم زمن بناء الدولة الوطنية وهو شاهد على العصر. وإذ يهتمّ الكتاب بأعلام البلاد ممّن اضطلعوا بدور كبير في تحقيق النهضة الثقافية والفكريّة في البلاد فإنه ركّز بالخصوص على منطقة الساحل التونسي وخاصة مدينة أكودة التي ينتمي إليها في رغبة واضحة في إبراز دور المدن والقرى والبلدات التونسية كل من موقعها وضمن خصوصياتها في الحركة الإصلاحيّة الوطنية. والكتاب يعين المتجول في ثناياه -ولعلّها إحدى ميزات هذا المؤلّف- في رفع بعض اللبس حول علاقة التونسيين ببعضهم البعض. التونسيون كانت تجمعهم الأفكار والمبادئ والنضال تحت راية الوطن وذلك بعيدا عن امراض الجهوية والعروشية والفوارق الاجتماعية إلخ... يعرف من كان على دراية قليلة بتاريخ البلاد أو من لم تكن له دراية أصلا بتاريخنا الوطني المعاصر أن علاقة صداقة متينة كانت تجمع مثلا بين المناضل صالح بن يوسف والمناضل عبد العزيز شوشان حتى أنهما شكلا تحالفا بعد سيطرة بورقيبة على زمام الأمور بالبلاد كان فيه صالح بن يوسف القائد وابراهيم طوبال المساعد وعبد العزيز شوشان المنفذ وإن كان صالح بن يوسف ابن الجنوب فإن عبد العزيز شوشان ابن الساحل التونسي وهو ما يجعل المقارنة اليوم تكاد تفرض نفسها. اليوم وبعد أكثر من نصف قرن على الاستقلال نجد من يحاول غرس أسباب التناحر بين الجهات واحياء المشاعر الجهوية وحتى القبلية والعروشية في تونس.. شهادات القاضي الشيخ يوسف بن يوسف ركز الصحراوي قمعون في كتابه على شهادات القاضي يوسف بن الحاج بن فرج بن يوسف وهو من مواليد مدينة أكودة وقد باشر القضاء لمدة تجاوزت الأربعين سنة ودافع عن استقلالية القضاء التونسي وكان ضد المحاكمات السياسية في البلاد واضطلع بدور في دعم مجلة الأحوال الشخصية. وقفنا من خلال هذا الكتاب على شخصية هي عبارة عن بحر من المعرفة تختزن في ذاكرتها فصولا طويلة عن تاريخ البلاد ويمكن لمتصفح هذا المؤلف أن يستفيد كثيرا منه لانه كتب بأسلوب مبسط وحاول صاحبه أن يقدم فيه معلومات شاملة تحاول أن تقدم إجابات ولو سريعة عن تاريخ حركة الإصلاح في تونس. ولئن اهتم الصحراوي قمعون بأعلام الساحل وتحديدا أعلام أكودة في مجالات الثقافة والفكر والصحافة على غرار علي الورداني تلميذ خير الدين والشيخ المصلح راجح ابراهيم والشيخ سالم بن حميدة الملقب بفيلسوف الساحل والشيخ ابراهيم الأكودي أحد رواد المسرح التونسي والشيخ اسماعيل بن حميدة أحد أقطاب الصحافة الجهوية وحافظ ابراهيم فارس المغرب العربي ومحمد علي بن سالم الصحفي والمترجم فإن دور هؤلاء الذي غالبا ما يشعّ خارج حدود الجهة إضافة إلى علاقاتهم الممتدة بأعلام البلاد في مختلف الجهات تجعل الكتاب يكتسي بعدا أشمل مما قد يكون قد خطط له الكاتب وهو يصوغ مادته ويحدد اقسامه وأهدافه. قدم الصحراوي قمعون نبذة ولو بعجالة عن تاريخ حركة الإصلاح في فصل للإطار التاريخي لحركة الإصلاح وروادها تحدث فيه بالخصوص عن اصلاحات أحمد باشا باي واصلاحات خير الدين التونسي وحرية الصحافة. تعرض كذلك إلى ظروف انتصاب الحماية الفرنسية بالبلاد والمقاومة الوطنية وتأسيس حركة الشباب التونسي والحزب الحر الدستوري والحزب الحر الدستوري الجديد كما عاد بنا إلى ثورة علي بن غذاهم وتداعيات أزمة الثقة في السلطة المركزية إلخ... مما يجعل القارئ وهو مدعو للاطلاع على شهادات القاضي الشيخ يوسف بن يوسف يطلع على تاريخ تونس الحديث بالكامل ولو كان ذلك بشكل مقتضب ولعله تجدر الإشارة إلى أن الكاتب نبه إلى أنه لا يدعي الاضطلاع بدور رجل التاريخ وإنما كل همه وهو يقوم بتجميع المعطيات الصحفية والتارخية حول مظاهر حركة الإصلاح الفكري بوضعها في إطارها التاريخي تقديم المعلومة التارخية وتبسيطها للقارئ في شكل مقال أو تحليل صحفي. وتجدر الإشارة كذلك إلى أن الأستاذ الشاذلي القليبي تولى تقديم الكتاب وقد زكى فيه ما ورد من معلومات ودوّن من أجله بعض ما طفا على السطح من ذكرياته التي عاشها بالخصوص في مدينة سوسة في بداية الخمسينات من القرن الماضي صحبة جمع من أصدقائه وخصّ بالذكر الشيخ سالم بن حميدة وروى الاستاذ الشاذلي القليبي تفاصيل تاريخية، حيث كان بدوره شاهدا على العصر وفاعلا فيه ونترك للقارئ متعة اكتشافها بنفسه...