يا أيّها العرب لا تكونوا أغبياء لتنفّذوا لهم مخطّطاتهم بأيديكم وتحقّقوا لهم مصالحهم على حساب أمن ومصالح شعوبكم وأوطانكم فقد لعبوا بكم العديد من المرّات منذ قرون، فقد لعبوا بكم في الحرب العالمية الأولى وحاربوا بكم الإمبراطورية العثمانية ووعدوكم بالدولة العربيّة الكبرى، ولكن أخلفوا وعودهم وغدروا بكم واحتلّوا أوطانكم وتحوّلتم إلى عبيد عندهم يسومونكم سوء العذاب يقتّلون أبناءكم وينهبون خيراتكم وثرواتكم، ولعبوا بكم عندما مكّنوكم من الاستقلال ظاهريّا ولكنّهم نصّبوا عليكم عملاء لهم منكم ليحافظوا على مصالحهم ونفوذهم، وتواصلت السيطرة والتسلّط والاستبداد ولكن بمن نصّبوهم عليكم من بني جلدتكم وضيّعوا عليكم عقودا من التقدّم والتطوّر من أجل اللّحاق بقطار التحضّر والازدهار، فقد أبرموا شروطا مع من نصّبوهم عليكم حفاظا على نفوذهم ومصالحهم وكان استقلالا منقوصا، وتمكّنوا من تمديد استغلالهم وسيطرتهم عبر عملائهم لأكثر من نصف قرن، وتبيّن لاحقا أنّه استقلالا مشوّها ومسخا، ولعبوا بكم بإدخالكم في حرب مع الشّعب الإيراني لمّا ثار وأطاح بشرطيّهم في الخليج فكانت حربا أكلت الشعبين المسلمين على جميع الأصعدة، الأرواح الموارد والطاقات، ولعبوا بكم في حرب الخليج الأولى بعد استدراج صدّام للفخ الكويتي، والحرب الثانية بتخويفكم بالبعبع الصدّامي وذريعة أسلحة الدمار الشامل المزعومة، وهم اليوم يواصلون اللعب بدول الخليج بالبعبع الإيراني بعد فشلهم من تحقيق مخططاتهم بفزّاعة الإرهاب والتطرف. يا أيها العرب بالله عليكم إلى متى تبقون ملعوب بكم ومفعول بكم؟ ألا تستيقظون من غفوتكم وتمتلكون مصائركم وتصنعون مستقبلكم بأيديكم وتمنعون وتتصدون لكلّ من يحاول استغلالكم والتّلاعب بكم من أجل السيطرة على أوطانكم ونهب ثرواتكم وسحق شعوبكم، لماذا أنتم دائما تختارون الطّريق الخطأ وتذهبون للخيارات المهلكة والمدمّرة؟ وهذا كلّه بسبب تعطّشكم للتّسلّط والسلطة وتحقيق شهوات الحكم والتحّكم التي أعمت بصائركم وضيّعتكم وبالتّالي ضيّعت أوطانكم وشعوبكم، مالكم لا تعبؤون بتدمير أوطانكم وتقتيل شعوبكم من أجل المناصب واعتلائكم الكراسي والفوز بالسلطة والحكم؟ وإن كانت الأثمان تدميرا وزهقا للأنفس الزكية وسحقا للشّعوب وحرقا وتدميرا للمنشآت والإنجازات والمكتسبات التي أنفقت فيها الثروات والجهود، أيها العرب لماذا تدمّرون بيوتكم بأيديكم؟. أمّا الآن لننطلق في قراءة التّسونامي العربي المخلّص في بعض الحالات والمدمّر في حالات أخرى. بعد حدث هروب بن علي الذّي فاجأ الشّعب التّونسي وأذهل السّاسة الغربيون، حيث أنّ النّظام الدّولي الغربي وعلى رأسه الولايات المتّحدة الأمريكية كانوا يتصوّرون أنّ الشّعب التّونسي شعب مدجّن ولا يمكنه بأيّة حال من الأحوال أن ينتفض على جلاّديه، وأنّ عميلهم بن على ماسكا البلاد بالحديد والنار، وبالتالي لن يتمكّن التّونسيون مهما حاولوا من الإفلات من قبضته بسبب الدّعم الأمني الذي قدّموه لنظامه من بداياته وإلى آخر يوم، كما أنّ تونس تعتبر مخبرا غربيا وعربيا في قمع الشعوب، وهل من الصدفة أنّ يكون المقر الدائم لمجلس وزراء الدّاخلية العرب بتونس العاصمة، وقد كانت كلّ الدّول العربية تتلقّى النصائح والتوصيات في التعاون الأمني بكلّ أشكاله من طرف الأجهزة الأمنيّة التّونسيّة لما لها من خبرة طويلة في قمع وسحق الشّعب التونسي منذ خمسينات القرن الماضي. وبعد ذلك انتقلت العدوى للشّعب المصري، فالشّعوب العربيّة تعيش نفس الظّروف وترزح تحت أنظمة متشابهة في الطرق والوسائل المعتمدة في التّسلّط والظّلم والقهر والقمع والسّيطرة، وقد اشتدّ الضّغط على عميلهم الثّاني مبارك، والكلّ يعرف أنّ الحالة المصريّة والموقع المصري مختلف عن الوضع التّونسي لما لمصر من موقع استراتيجي وحسّاس من ناحية العبور عبر قناة السّويس والجوار الإسرائيلي، فناوروا وفي النهاية بعد ما يئسوا ضحّوا بعميلهم مبارك كما تعوّدوا التّضحية بكلّ نذل عميل مهما كان شأنه وولاؤه إذا ما انتهت مبرّرات وجوده أو عندما يعجز عن القيام بدوره في خدمت مصالحهم الأمنيّة والاقتصادية والعسكرية وأمور أخرى خفية لا يعلمها إلا الله وعملائهم الهالكين، ولذلك تجدهم في كلّ مرة يعجّلون بقتلهم لتدفن الأسرار معهم والأمثلة عديدة من صدّام للقدّافي، وقد صرحوا بل أدخلوا مبارك في موت سريري يوم التّصريح بنتائج الانتخابات وذالك لم يكن أبدا من محض الصدف بل هو مراد ومدبّر، ويمكن أن نقول أنّ قتل أسامة بن لادن داخل في هذا الإطار فقد تخلّصوا منه مباشرة بعد اتخاذهم قرار الخروج من العراق وبرمجة مراحل الخروج من أفغانستان، فلم يعد هناك مبرّر لإبقاء البعبع الذي صنعوه لتبرير حربهم على الإرهاب كما يجب أن لا ننسى أنّ بن لادن تعاون معهم في حربهم على روسيا وقد كان دائم النّزول ضيفا على التراب الأمريكي ولا شك أن له معلومات عن طرق عمل وجرائم وفضائح جهاز استخباراتهم الإجرامي CIA ولذالك تم إعدامه وتصفيته لتدفن كلّ الأسرار معه فبالنسبة لهم بن لادن يعتبر عنصرا متمردا يجب تصفيته وقد فعلوا لتدفن الأسرار معه في قبره. ولا شكّ أنّهم قد عوّلوا على المجلس العسكري في مصر ليمسك بزمام الأمور بعد إزاحة عميلهم مبارك، ولكنّ الضّغط الشّعبي المتواصل وخروج المصريين خرجة على قلب رجل واحد لم تمكنّ عملائهم من السيطرة على الأوضاع رغم المحاولات والمناورات المتعدّدة ولكنّهم حاولوا الخروج بأخف الأضرار بالانتخابات وقد راهنوا على فوز أحمد شفيق ولكن للمرّة الثّانية خيّب الله آمالهم وأجهض مخطّطاتهم وأفشل رهاناتهم بفوز محمد مرسي ورغم كلّ هذا تمادى المجلس العسكري في المناورة وعندما أيقن أن الفوز لن يكون من نصيب رجلهم الذي دعموه، اجتمعوا ليلا وأخرجوا وثيقة استعجاليه من أجل الحدّ من صلاحيات أوّل رئيس منتخب استمدّ شرعيّته من الشّعب المصري وليس من الدوائر الغربية كما جرت العادة لعقود خلت والتصدي للحكم الشرعي المنتخب في مصر متواصل إلى اليوم وعمليات التحريض والتأجيج والأحداث التي تعيشها مصر هاته الأيام أكبر دليل على تآمرهم الإجرامي من أجل إعادة مصر وشعبها للزريبة والقبضة الصهيو-غربية. وقد انتفض الشّعب اللّيبي ولكن هذه المرّة المعادلة والحسابات مختلفة فقد كان سركوزي متحمّس أكثر من غيره في التخلّص من القدّافي فقد كان مقبلا على انتخابات، وقد لوّح النظام اللّيبي بإخراج ورقة تمويل حملته السابقة، كما أنّ الأزمة الاقتصادية التّي لم تسلم منها أي دولة غربيّة تقتضي تدمير القطر اللّيبي لخلق فرص استثمار للشّركات والبنوك المهدّدة بالإفلاس فالقطر اللّيبي يعجّ بالثّروات ولذلك حرصوا على التّخلّص من القدّافي الذي كان دائما متمرّدا وغير مأمون الجانب وخاصّة أنّ نفوذه أصبح يتعاظم في إفريقيا السوداء تلك البقرة الحلوب والحديقة الخلفيّة التّي لا يمكن للأنظمة الغربيّة أن تتركها للقدّافي ليتّخذ منها ورقة يمكن استغلالها كلّما اقتضت الحاجة، كما أنّ تدمير الإنجازات والمنشآت وتدمير ليبيا عموما سيسمح لهم بإبرام عقود خياليّة لإعادة الإعمار وكذا يخفّفون على أنفسهم وطأة الأزمة الاقتصادية بنهبهم للثّروات والأموال اللّيبية ونحن العرب دائما نقع في فخاخهم ومكائدهم كالضباع بل ربّما الضباع أكثر ذكاء من بعض النّخب والسياسيين الماسكين بمقاليد السلطة في أغلب الدول العربية. أمّا في ما يخص التحرّكات في القطر اليمني فقد لملموا الأمور واجتهدوا مع عملائهم من أمراء الخليج على تهدئة الأوضاع والخروج بلطف لما لليمن من موقع خطير واستراتيجي في خطّ الملاحة الدوليّة والجوار مع حلفائهم في الجزيرة العربيّة وقد تمكّنوا من إقناع النّخب والزّعماء ومن خلالهم الشّعب اليمني على اختيار الحل السّلمي والمرحلي في الإطار الدستوري ونصّبوا نائب الرّئيس على أن تتمّ الانتخابات في المستقبل القريب، عكس ما فعلوه مع سوريا من تحريض وتأجيج إعلامي ودعم للثّوار بالمال والسلاح. أمّا عن الأحداث في حدائقهم الخلفية من دول خليجيّة فالتّعتيم الإعلامي في البداية كان كلّيا وقد وصل التّعاون الأمني إلى أشدّه من أجل محاصرة التّحرّكات الشّعبية وفرض الاستقرار ولو بالحديد والنار لتأمين مصادر الطّاقة لأسيادهم، فلا حديث عن الحرّية والديمقراطية وحقوق الإنسان ما دامت الأنظمة متعاونة تمكّنهم من الوصول للنّفط دون عناء أو خسائر كبيرة في الإنفاق الحربي والعسكري. أمّا عن الأوضاع في سوريا فالحكاية مختلفة تماما، فبعد محاولاتهم المتكرّرة لتدجين النّظام السّوري ووضعه تحت السيطرة رغم أنّنا لا نختلف في أنّه نظام تسلّطي، فقد أرادوا أن يخرجوا بشيء من هذه الأحداث في عالمنا العربي وقد وجدوا في ما سمّوه «الربيع العربي» الفرصة السّانحة للفوز بالجائزة الكبرى والوحيدة سوريا ولينفّذوا ما فشلوا في تحقيقه منذ عقود، فجنّدوا جنودهم وجيّشوا عملاءهم وعوّلوا على عميلهم العلماني والمتغرّب برهان غليون ضنّا منهم أنّه سيتمكّن من الوصول للسلطة لتركيز نظامه العلماني العميل تنفيذا للمخطّطات والبرامج الصهيو -أمريكية، ولكنّهم تسبّبوا في دمار منقطع النّظير وتقتيل رهيب للأبرياء لا يعلم حجمه إلا الله، ولم يتمكّن عميلهم من المحافظة على موقع الزّعامة وخرج عليهم الإسلاميون بمختلف مشاربهم وافتكّوا زمام المبادرة على الأرض وتركوا العملاء على التّماس ولا ندري ما الذي ستؤول إليه الأمور في سوريا، وكما يقال يمكن بدء الحروب ولكن لا يمكن التكهّن بنتائجها وبما ستؤول إليه الأوضاع، وعلى كلّ حال لن يكون لعملائهم النّصيب الأكبر من الحظوة والنّفوذ في سوريا المستقبل إن تمكنوا من إسقاط النظام الحالي. وبعد كل هذا الدمار والتقتيل أقول للعقلاء من الشّعب السوري لا فائدة في حرّية وديمقراطية تأتي بها أفواه البنادق وتلحق الدّمار والوبال بالشّعوب والأوطان فقد كان بالإمكان تحقيق الإصلاح والانتقال بأقل الخسائر والأضرار وآه وألف آه لو تداركت الأنظمة العربيّة الأمور وفهمت منذ مدة أن التّغيير ضرورة ملحّة وحتميّة لما حصل ما حصل من الدّمار والتّقتيل ولتمكّنا من تفويت الفرصة على المتربّصين بنا وبأوطاننا، هذا لو كان عندنا من سياسيين عقلاء وشرفاء مخلصين لأوطانهم يعملون على الإصلاح ويترفّعون عن المطامع الأنانيّة والضيّقة في المناصب والكراسي. * كاتب وناشط سياسي