لا شك أن قيام الدول العربية بمنح مقعد سوريا أمس خلال قمة الدوحة إلى ائتلاف المعارضة السورية يشكل خطوة على درجة كبيرة من الأهمية في سياق نصرة الشعب السوري وانتفاضته على نظام حزب البعث الممسك - والمتمسك - منذ عقود بزمام السلطة في سوريا بيد من حديد والذي لم يتورع إلى غاية اليوم عن استخدام كل ما بحوزته من إمكانيات قمعية ومن آلة حربية كان من المفروض أن يتم توجيهها لتحرير الجولان المحتل من العدو الصهيوني، ضد مواطنيه العزل وصدورهم العارية في مجازر سوف يذكرها التاريخ لفظاعتها وبشاعتها. خطوة على درجة كبيرة من الأهمية لأنها تكرس ولأول مرة منذ اندلاع الأزمة الداخلية في سوريا قبل عامين قطيعة عربية رسمية ونزعا للشرعية عن هذا النظام الذي صم آذانه عن صوت العقل والحكمة وتعمّد إفشال كل المحاولات التي جرى بذلها سواء عربيا أو دوليا لإقناعه بضرورة انتهاج أسلوب معالجة سلمي للأزمة التي يواجهها بما يستجيبب لمتطلبات المرحلة ومقتضيات تغليب مصلحة البلاد العليا، وليس مصلحة الحكام، والتي تفرض عليه احترام شعبه وتوقه إلى حياة أفضل في كنف أكثر حرية وديموقراطية، وأن يولي اهتماما حقيقيا وفعليا لحقوق الانسان والكرامة الوطنية. من المؤكد أن اتخاذ هذا القرار غير المسبوق في تاريخ جامعة الدول العربية من قبل الزعماء العرب في الدوحة لم يكن سهلا بل اضطروا اضطرارا إلى إقراره أمام استمرار نزيف الدماء وسقوط الضحايا الأبرياء دون تمييز بين امرأة أو طفل أو شيخ أو مقاتل بمعدل يومي مثير للرعب، في وقت بدأت تتواتر مؤشرات قوية عن بداية خروج الأزمة في سوريا عن دائرة كل تحكم وعن تصاعد احتمالات أن يصبح هذا البلد دولة مفككة إلى ما يشبه كانتونات ترتع فيها التنظيمات المسلحة الأكثر تطرفا على غرار "القاعدة". إذن هي خطوة محسوبة جيدا ومن شأنها أن تكرس ائتلاف المعارضة السورية وتفرضه ممثلا شرعيا للشعب السوري ومخاطبا وحيدا عنه في المحافل الدولية، وهو ما من شأنه أن يشكل ضمانا لوحدة سوريا ولمستقبل الانتقال الديموقراطي فيها في حال انهيار نظام بشار الأسد، ولهذا يتوجب دعمها وتوفير كل أنواع المساندة لها، إن عربيا أو دوليا. لكن لا بد أن يكون أمر تقرير مستقبل هذا البلد وطبيعة النظام الذي سيحكمهم موكولا للسوريين وحدهم، بلا ضغوطات من أية جهة أجنبية، بمعنى الامتناع عن محاولة فرض أجندات خارجية عليهم، وهو الأمر الذي يبدو للأسف أن هناك جهات تعمل باتجاهه.