آلت جائزة "ابن خلدون - سنغور" في دورتها الأولى إلى مركز البحوث والدراسات لمدينة تطوان المغربية بإشراف الأستاذ أحمد محفوظ عن نقله إلى الفرنسية لكتاب " الفكر السياسي في الإسلام " للمفكر المغربي المعروف محمد عابد الجابري. وكانت دار النشر الفرنسية "لا ديكوفارت" قد تولت إصدار الكتاب باللسان الفرنسي سنة 2006. وقد اختارت لجنة التحكيم التي تكونت من السيدات والسادة: عبد الوهاب بوحديبة رئيس مجمع بيت الحكمة والكاتب والمثقف محمد رجاء فرحات (تونس) والأكاديمي مصطفى القباج (المغرب) والجامعية توحيدة درويش (طرابلس لبنان) والجامعية تهاني عمر( القاهرة) وشحاذة الخوري عميد المترجمين العرب (سوريا)، اختارت هذا العمل من بين 40 مؤلفا تقدموا للجائزة منذ الإعلان الدولي عن احداثها في خريف العام الماضي (2007). وتم تسليم الجائزة يوم السبت 16 مارس الجاري في حفل أقيم للغرض بالإمارات العربية المتحدة بأبو ظبي تحديدا. وقد أشرف على الحفل نائب رئيس الوزراء بدولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ حمدان زايد آل نهيان وبحضور كل من رئيس المنظمة العربية للتربية وللثقافة والعلوم السيد المنجي بوسنينة ورئيس المنظمة الدولية للفرنكفونية السيد عبدو ضيوف الرئيس السابق لدولة السينيغال التي أنجبت كما هو معروف الشاعر والمفكر وعضو الأكاديمية الفرنسية ورئيس السينيغال الراحل ليوبولد سيدار سنغور. كتاب الجابري : مرجع جوهري لفهم بدايات الدولة الإسلامية حسب لجنة التحكيم ويبدو أن قيمة كتاب "الفكر السياسي في الإسلام" العلمية رجحت كفته في نهاية الأمر حتى لو كان تاريخ تأليف هذا الكتاب يعود إلى التسعينات من القرن الماضي مع العلم أن صاحبه محمد عابد الجابري أعاد نشره سنة 2006 بعد أن تولى بنفسه تنقيح الكتاب. وقد ارتكزت لجنة التحكيم في اختيارها على تقديرها للكتاب كمرجع جوهري لتحليل الفترة الأولى من الدولة الإسلامية التي تأسست في المدينةالمنورة وما صاحبها من تطورات بلورت الفكر السياسي الإسلامي عبر الإجتهاد والتأويل وعلى ضوء التركيبة السوسيولوجية للدولة الناشئة. وقد أعلنت لجنة التحكيم بعد عن موضوع الدورة القادمة من الجائزة التي تنظم سنة2009 مما يعد بأنها ستكون موعدا دوريا قارا. وستكون الدورة القادمة خاصة بكتاب يترجم من الفرنسية إلى العربية وذلك إعتبارا إلى أن اثراء المكتبة العربية بأمهات الكتب المترجمة من بين محاور خطة العمل الإستراتيجية الخاصة بمنظمة الألكسو. وتتجاوز الجائزة في قيمتها مبلغ ال10 آلاف دولار التي تمنح للفائز إلى ما تحمله من رموز تتمثل بالخصوص في الإسهام في الحوار بين الحضارات. فإن كانت الجائزة في ظاهرها تجعل المناظرة "جنوب -جنوب" من خلال رمزين في الفكر ينتميان إلى منطقة الجنوب وفق التقسيم السياسي للعالم اليوم بين شمال متقدم وجنوب متخلف فإن كل من ابن خلدون وسنغور ولو كانت بضعة قرون تفصل بين عصر هذا وذاك فإنهما كل من جهته لا يمكن لأحد أن ينكر اسهامهما في بناء الإنسانية من خلال فكر يدعو إلى الإنفتاح على الآخر دون أن يفقد الواحد منهما في معركة التعامل مع الآخر اعتزازه بالذات. ابن خلدون وسنغور معا رغم قرون من الزمن تفصل بينهما وقد وجدت كل من المنظمة العربية الألكسو والمنظمة الدولية للفرنكفونية في هذين المفكرين الراحلين الممثلين الشرعيين لما تسعى المؤسستان لنشره في العالم أي الدعوة إلى التواصل والتحاور من خلال التبادل الثقافي في ندية كاملة ودون افتراض تفوق ثقافة عن الأخرى. بالنسبة للمنظمة العربية فإن ابن خلدون وبالإضافة إلى قيمته العلمية والفكرية التي يعترف له بها العالم إذ أن نظرياته حول تعاقب الحضارات بالخصوص هي تشغل اليوم الغرب أكثر منه ربما الشرق فإن رائد علم الإجتماع الحديث يمثل بامتياز المفكر المحدث الذي لا يعادل عنده اعتزازه بذاته سوى استعداده لنقدها إن لزم الأمر ممّا يعني أنه بعيد عن الصورة المنغلقة التي يسعى اليوم بعض المفكرين من الغرب وغيرهم إلى إلصاقها بالعرب والمسلمين إعتمادا فقط على بعض النماذج الشاذة التي لا يكاد يخلو منها مجتمع أو تنجو من شرها حضارة مهما تحصنت بالعلم وبالقلانية... أما الشاعر والكاتب ليوبولد سيدار سنغور وعضو الأكاديمية الفرنسية الراحل وصاحب السبق في بعث ما يعرف بأدب الزنوج يعتبر من الأوائل الذين ساهموا في بناء المصالحة بين الزنوج وذواتهم. فقد كان فكر سنغور مبنيا على جعل الإنسان يتعامل بإيجابية مع مختلف العناصر التي تكون شخصيته سواء منها الموروثة أو المكتسبة. سنغور الذي جعل من نفسه سيدا بفضل اللغة (الفرنسية وتحديدا النحو الفرنسي) التي كان لا يخفى عنه سرا من أسرارها والشعر والأدب الذي لا تضاهيه في قيمته وأرستقراطيته سوى قيم التسامح والدعوة إلى التآخي التي تنبع منه لا يمكن إلا أن يكون صورة ناصعة تستفيد منها الفرنكفونية التي كان سنغور من أول المدافعين عنها. ليس غريبا أن يقع الجمع بين هذين الإسمين في جائزة واحدة حتى ولو أن بضعة قرون كما سبق وذكرنا تفصل بين عصر هذا وذاك خاصة وأن بضعة أعوام فقط مضت على مغادرة سنغور عالمنا. جائزة لا يمكن أن نصفها إلا بالمبادرة الهامة التي ننتظر أن تتحول إلى تقليد لدى المشتغلين بالبحث والترجمة لأنها تستمد قيمتها من حيث الرمز ومن حيث الفائدة الحاصلة كذلك.