في الوقت الذي لم تهتم فيه الحكومة جديا بالاحتفال بالذكرى 57 لعيد الاستقلال واكتفت باحتفال رسمي بروتوكولي مما جعل يوم 20 مارس الماضي يمر عاديا..رغم أهميته ودلالاته الرمزية في ذاكرة المواطن التونسي.. تجندت منذ ايام كافة القوى السياسية في البلاد معارضة وحكومة لإحياء ذكرى شهداء 9 أفريل، وانضمت اليها قوى المجتمع المدني وعلى راسها الاتحاد العام التونسي للشغل وعدد من الجمعيات والمنظمات الوطنية الأخرى التي أعلنت عزمها التظاهر اليوم في كافة المدن لسائل أن يسأل: لماذا هذا التناقض في الاحتفال بالأعياد الوطنية..عبر تهميش ذكرى معينة مقابل المبالغة في الاحتفال بأخرى. لعل الاستعدادات المكثفة للاحتفال بعيد الشهداء هذه السنة تحمل في طياتها دلالات كثيرة، قد تكون سياسية دعائية من قبل الأحزاب التي قررت التظاهر اليوم، وقد تكون بهدف لفت نظر السلطة الحاكمة وتذكير الراي العام الوطني بقضايا أساسية معينة تم تهميشها ولم تنل حظها من الاهتمام اولا تزال قيد البحث والتدقيق لعل اهمها قضية شهداء وجرحى ثورة 17 ديسمبر 14 جانفي التي ما تزال مفتوحة الى اليوم ولم يتم الحسم في جزء كبير منها..فضلا عن اغتنام المعطلين عن العمل لهذه المناسبة لتجديد مطالبهم وحقهم في التشغيل وتوفير المزيد من فرص العمل.. قد يؤشر الاهتمام بهذه الذكرى إلى مصالحة الحكومة مع الأعياد الرسمية كما قد يكون مجرد خطوة هدفها ذر الرماد على الأحداث التي جدت السنة الفارطة في نفس الذكرى حين تم قمع مسيرة دعت اليها المعارضة تعرض فيها مواطنون وشخصيات سياسية وحقوقية الى العنف الشديد..تشكّلت على اثرها اللجنة الشهيرة داخل المجلس التأسيسي وعرفت بلجنة التحقيق في أحداث 9 أفريل والتي فشلت في التوصل الى نتيجة واضحة وحاسمة والكشف عن المتسببن في احداث العنف..رغم أن عدة تقارير اعلامية وحقوقية كشفت تورط ما يسمى برابطات حماية الثورة في أعمال العنف تلك. ومع ذلك تصر مختلف مؤسسات وهياكل الدولة كما مختلف الأطياف السياسية، "ترويكا" ومعارضة ومجتمع مدني على احياء ذكرى الشهداء رغم مرور سنة كاملة والهيئات واللجان تتشكل للكشف عن ملابسات الأحداث التي جدت السنة الماضية دون جدوى. كما تنفذ اليوم عائلات شهداء وجرحى الثورة وقفة احتجاجية لرفع مطالب عدة على غرار إحالة ملفهم على القضاء المتخصص فضلا عن إصدار قائمة رسمية لشهداء الثورة. فبعد اكثر من سنتين على قيام الثورة ما يزال اهالي الشهداء يحتجون ويطالبون ... فبماذا إذن نحتفل في عيد الشهداء وما هو الدافع الحقيقي للاحتفال؟ لاحظ الباحث والمؤرخ مصطفي التليلي في تصريح ل"الصباح" انه لا يحق الحديث عن 9 افريل 2013 دون الرجوع إلى الإحداث التي جدت السنة الفارطة بالنظر إلى أن التونسيين عندما هبّوا للاحتفال بهذه الذكرى قوبلوا بسياسة لي الذراع من طرف وزارة الداخلية التي منعت أولا الاحتفال ثم أطلقت ايادي أطراف لا علاقة لها بالأمن وسمحت لها بممارسة العنف ضد المواطنين. وقال:"للأسف فإلى حد اليوم مازال التونسيون ينتظرون الحقيقة حول هذه الأحداث والأطراف التي تسببت فيها". اين الحقائق؟ وفي ما يتعلق بمظاهر الاحتفال بهذه الذكرى رغم عدم الكشف عن حقيقة ما جد السنة الفارطة ذكر التليلي أن استباق الحكومة للاحتفال بهذه الذكرى قد يندرج ضمن عودة الوعي للاهتمام بالمناسبات الوطنية. لكن موقفها يبقى من وجهة نظر التليلي "منقوصا وغامضا إذا لم تسلط الحكومة الضوء على أحداث 9 افريل "2012 . وعن اهتمام الحكومة بذكرى الشهداء هذه السنة رغم منعها ذلك السنة الفارطة ورغم تهميشها لذكرى الاستقلال، أوضح التليلي انه "على الحكومة أن توضح أن مظاهر الاحتفال تعني التراجع في سياسة التهميش التي سلكتها تجاه المناسبات الوطنية، وأن تنخرط ضمن توجه التونسيين للاحتفال بالمناسبات الوطنية وان تسجل موقفا لا سيما بعد الاستياء العام الذي ساد لدى التونسيين حول هذا الحرمان المتعمد للاحتفاء بمثل هذه المناسبات. ولأنه عادة ما توجه أصابع الاتهام إلى حركة النهضة باعتبارها -وفقا للبعض- الداعم الرئيسي لعدم الاحتفال بالأعياد الرسمية لا سيما ذكرى عيد الاستقلال الماضي والذي غابت عنه مظاهر الاحتفال بالرغم من اهمية هذا التاريخ 20 مارس، أوضح القيادي بالحركة عبد الحميد الجلاصي في تصريح ل"الصباح" أن "الثورة قامت من اجل أن تتصالح الأجيال الجديدة مع الأجيال القديمة. كما أنها أتت لتعيد قراءة التاريخ وتكشف عن مساهمة المنفيّين لاسيما أن السلطة المستبدة في السابق تحاول أن تكيف التاريخ وفقا لمزاجها ورؤيتها الخاصة." ونفى الجلاصي في نفس السياق أن تكون الحكومة قد تعمّدت تجاهل ذكرى عيد الاستقلال على اعتبار أنها "احتفلت بالحدث في قصر قرطاج خاصة أن هذه الذكرى تحمل الاعتراف بدين المناضلين ورجال الحرية الوطنية." ذرّ الرماد على العيون؟ في المقابل لا يتوقع أيمن الزواغي عضو المجلس الوطني التأسيسي عن العريضة الشعبية وأحد الأعضاء المستقلين من لجنة التحقيق في أحداث 9 افريل بالمجلس التأسيسي أن تكون الحكومة -رغم تبنيها لمظاهر الاحتفال بذكرى عيد الشهداء- طرفا رئيسيا في الاحتفال. وذكر أن مشاركة الحكومة في هذه الذكرى لا تعدو أن تكون "خطوة هدفها ذر الرماد على العيون على أحداث العنف التي شوهت مظاهر الاحتفال السنة الفارطة ومحاولة لتجاهل ما تعرض له الشعب التونسي في 9 افريل 2012 من ضرب وعنف.." على حد قوله. وردا عن سؤال يتعلق بسبب استقالته من لجنة التحقيق في أحداث 9 افريل ب"التأسيسي" في هذا التوقيت بالذات أي قبل ثلاثة أيام من هذه الذكرى، أوضح الزواغي أن المراد هو "ان تكون هذه الاستقالة بمثابة الصدى وان تكتسي دلالة رمزية وحتى يدرك الشعب من جهة اخرى أن الحكومة لا تريد الكشف عن الحقيقة"، على حد تعبيره. أما أسباب الاستقالة فتتمثل في "عدم منح اللجنة صلاحيلات كافية لا سيما أن وزير الداخلية السابق صرح انذاك لدى استدعائه من قبل اللجنة انه لا وجود لقانون يحميه ويحمي اعضاء اللجنة". وأضاف أن المجلس الوطني التأسيسي بدأ في التجاوب قصد منح صلاحيات لهذه اللجنة غير انه لا يكفي أن تمنح لهذه اللجنة صلاحيات دون أن تكون للنظام الداخلي رتبة القانون. شهداء الثورة وشهداء الكلمة احياء ذكرى عيد الشهداء لن يكون حكرا على شهداء الاستقلال فقط وإنما يتجاوزهم إلى التذكير بشهداء ثورة 17 ديسمبر 14جانفي عبر وقفة احتجاجية لعائلاتهم تطالب فيها الحكومة بمطالب "جديدة قديمة " على غرار ضبط القائمة النهائية لشهداء الثورة..دون أن ننسى آخر شهيد للكلمة الحرة شكري بلعيد حيث ستكون ذكراه حاضرة من خلال حضور الجبهة الشعبية وانصار حزب "الوطد" والتي سترفع مجددا شعار :"من قتل شكري بلعيد". مشاركة جميع الأطياف السياسية في الاحتفال بعيد الشهداء يعتبره شرف الدين القليل محامي عائلات وشهداء الثورة إقليمتونس الكبرى في تصريح ل"الصباح"، "مجرد مزايدة سياسية لا غير." كفى مزايدة وقال في هذا الإطار :"هذا نداء اوجهه للحكومة ولجهابذة السياسة : كفوا عن المزايدة بدماء الشهداء قبل إنصاف ذويهم ". وأشار القلّيل إلى أن شهداء الثورة إلى اليوم" لم تخلّد ذكراهم كما لم يتم إحداث مؤسسة الشهيد والتي من شأنها أن تعنى بهذا الجانب وتحفظ الذاكرة الوطنية." واتهم القلّيل الحكومة بتنكّرها لوعودها الانتخابية السابقة مشيرا إلى أن ما يشفع للحكومة السابقة أنها لم تقم بحملة انتخابية على حساب شهداء وجرحى الثورة، موضحا أن الحكومة الحالية تنكرت لشهداء الثورة اجتماعيا استنادا إلى أنها لم تقم بما يلزم لتأهيل جرحى الثورة. أما على المستوى القضائي فإنها لم تف بوعودها في ما يتعلق بمحاسبة المتورطين فضلا عن انها لم تطهر كما وعدت وزارة الداخلية من رموز الاستبداد ..حسب قوله.