- علاقتي بالدكتور المرزوقي تعود الى بداية الثمانينات من القرن الماضي... فلقد التقينا لاول مرة بدارالشعب بقبلي، بمناسبة القائه لمحاضرة تتمحور حول الطب عند العرب. وتواصلت هذه العلاقة في اطار الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان.. ففي الوقت الذي كان يشغل خطة عضو هيئة مديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان، قبل أن يصبح رئيسا لها في مؤتمر1989، كنت اشغل رئيس فرع قبلي التابع لنفس المنظمة، طوال الفترة الممتدة بين1984 و1996. وفي الإثناء وقع تجميد الرابطة سنة1992 نتيجة قانون الجمعيات الجائر الذي وضعه الجنرال زين العابدين، وزير الداخلية آنذاك، خصيصا لضرب الرابطة، التي لم تعد للنشاط من جديد إلا بعد أكثر من سنة، وذلك بفضل صمود ثلة من مناضليها وبدعم متواصل من المنظمات الحقوقية الدولية. وهكذا عقدت مؤتمرها الرابع في فيفري1994، لكن تدخل السلطة بكل ثقلها في سير المؤتمر أدى إلى إقصاء قائمة الدكتور المرزوقي التي كنت من ضمنها. وكرد فعل على ذلك، قام الدكتور المرزوقي بعملية رمزية مباغتة بان عبر عن نيته الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة التي ستجرى في مارس1994. فكان جزاء ذلك السجن الانفرادي الذي لم يغادره إلا بعد بضعة أشهر، وذلك بتدخل مباشر من الزعيم الجنوب إفريقي نلسن مانديلا...لكنه خرج من سجن صغير ليجد نفسه في سجن كبير استعملت فيه كل الوسائل الخسيسة والقمعية... فبتاريخ 12فيفري 1992 وصلتني منه رسالة، صادرة من سوسة، جاء فيها بالخصوص: ...قد تضافرت ضدي كل القوى:هجمات صحفية شرسة(ذكر ثلاث صحف) ثم الإيقاف والاستنطاق زد على هذا مرض خطير الم بأصغر بناتي أدي بها إلى وحدة الإنعاش بالمستشفى...الخ. وأذكر، بهذا الصدد أن صحيفة يومية كثيرة الانتشار روجت في ذلك الوقت خبرا سخيفا تتهم فيه الدكتور المرزوقي بحضوره لمؤتمر صهيوني وحرضت عبر مراسلها بدوز بعضا من أبناء مدينته، فنشروا عريضة تندد بتصرفه المزعوم مما اثْر فيه أيما تأثير ودفعني وثلة من أبناء الجهة إلى نشر عريضة مضادة وذلك استنكارا لصنيع الصحيفة المذكورة المرتبطة مباشرة بالجهاز الحاكم، وهي نفسها التي ركبت حرب الخليج الأولى لتشعل العواطف وتجني الملايين، مستغلة نبل عواطف الشعب التونسي مع شقيقه الشعب العراقي الذي لا زال ينزف دما وهما ليوم الناس هذا. وها هي نفس الصحف الصفراء والمستنسخة منها، تعود لعادتها القديمة بعد ان هدأت عاصفة الثورة لتملا الساحة ضجيجا ملوثا كلما نطق المنصف المرزوقي ببنت شفة، سوى أصاب في ذلك أم أخطا، وكأن التاريخ يعيد نفسه... وهذه عينات مما تروجه بعض وسائل الاعلام: - خبر إنهاء المنصف المرزوقي لكتابه الجديد وتقديمه في فرنسا قريبا: شهرت بذلك غالب وسائل الاعلام وكأن الرجل ارتكاب خيانة عظمى... فأين كان مثيري هذه الضجيج المفتعل عندما كان المرزوقي مطاردا في وطنه وكتبه مصادرة ووقع نزعها من رفوف المكتبات بما فيه كتبه المتعلقة بالصحة والطب؟ انهم لا يجرؤون في ذلك الوقت حتى على تحيته. الم تقل في شانه إذاعة فرنسا الدولية، في التسعينات، انه المربع الوحيد الذي بقي يقاوم؟ Marzouki est le seul carré qui résiste encore en Tunisie _خبر كاس الويسكي: ان سلسلة الأكاذيب تلاحق الرجل على مدار الساعة، كتسريب ذلك الخبر الزائف السخيف الذي تحدث عن إقالة مدير الخطوط الجوية التونسية السريعة بسبب كاس ويسكي، وهذا نص الخبر كما ورد في موقع بزنس نيوز : Un avion qui arrive devant le pavillon présidentiel avec 50 minutes de retard, un verre de whisky qui n'est pas servi, et voilà que Moncef Marzouki demande la tête du Directeur Général de Tunisair Express et sombre dans un accès de paranoïa. إن أي عاقل لا يمكن ان يصدق مثل هذه الترهات وخاصة كل الذين يعرفون المرزوقي عن قرب وعاشروه. - خبر التهديد بالمشانق: قامت عليه الدنيا ولم تقعد، أرى شخصيا أن كلمة مشانق ما كان لها أن تصدر على لسان رجل حقوقي، لكن اعتقد جازما أن رئيس الجمهورية الحالي لو خير بين الاستقالة او الإمضاء على تنفيذ حكم بالإعدام في حق أحد السجناء المحكوم عليهم لفضل الاستقالة. مع العلم أن الدكتور المرزوقي طالما ردد نفس الفكرة لكن بطريقة اقل حدة، فلقد قال اكثر من مرة:"إمّا تشكيل أغلبية من العقلاء من الإسلاميين المعتدلين والعلمانيين المعتدلين أو المواجهة". _ تهمة نشر غسيل تونس بالخارج: فالدكتور المرزوقي كان يتحدث في إطار ندوة فكرية لا في اطار رسمي، ثم هل تعرفون سياسيا تونسيا واحدا لم يتناول قضايا تونس الداخلية بالصحافة الخليجية او الدولية؟ فرئيس المجلس التاسيسي لا يتحدث في المنابر الدولية الا عن الشان الداخلي، والسيد حمادي الجبالي صرح للصحافة الخليجية ان نكبتنا في نخبتنا.. الخ. ان التركيز على الدكتور المرزوقي امر مفهوم نظرا للرهانات المتعلقة بالانتخابات القادمة، كما ان الذين كانوا ينهشون لحمه زمن الدكتاتورية يواصلون مهمتهم لان الراعي لم يتغير، كما انه ليست لهؤلاء الشجاعة الكافية للتعبير عن الندم كما فعل ذلك السيد عبد العزيز ألجريدي. _في هيبة الدولة:اما الذين يتحدثون عن هيبة الدولة وهيبة رئيسها، فعليهم ان يتوجهوا بالسؤال لبعض وسائل الاعلام التي لا يهدا لها بال ولا تنام إلا إذا شنعت برئيس الجمهورية وحملته كل مشاكل البلاد، متناسية انها تسبح صباحا مساء مرددة: انه رئيس مؤقت، انه رئيس بلا صلاحيات.. فكيف نطلب من رئيس محدود الصلاحيات ان يتحمل كل ما يحدث في البلد؟ لست هنا في موقف الدفاع عن صديقي ورفيق دربي المنصف المرزوقي، فالتاريخ وحده هو القادر على تقييم مسيرته يغثها وسمينها، لكن الذي المني وحز في نفسي هو هذه الهجمة الشرسة التي تحركها عديد الاطراف والتي تسعى بكل الطرق المس برمز من رموز الدولة وإرباكه، وكأنهم يوجهون رسالة مفادها: انظروا الى زين العابدين بنعلي كيف كان أنيقا ومخيفا.. اما الرئيس الحالي فهو مسكين تحكم فيه النهضة وتنقصه (الوهرة(. كما أصبح الزعيم بورقيبة كالدم على قميص عثمان يلوح به أبو سفيان في كل خطبة ليثير عواطف العامة. ولعل افضل تقييم لبورقيبة هو الذي جاء على لسان المناضلة راضية الحداد حينما صرحت:ان بورقيبة رجل عظيم لكن فشل في تحقيق الديمقراطية". فتأليه بورقيبة من طرف البعض هو توظيف ركيك.. والذين خانتهم الذاكرة فان بورقيبة طمس وشوه العديد من رفاق دربه في النضال. والواقع ان اللذين أساءوا للدكتور المرزوقي بالقصبة هم انفسهم الذين أساءوا اليه زمن الدكتاتورية وهم انفسهم الذين يعدون عليه انفاسه اليوم. وهذا لايعني بالمرة انه ليس لي مؤاخذات على اداء الفريق الرئاسي، لكن لا من احد قام بتقييم موضوعي علمي لذلك الاداء، والا ما معنى ان يقف البرلمان الفرنسي لرئيس تونس وتسند له جائزة المعهد الملكي الدولية(شاتام هاوس)، في الوقت الذي تسعى بعض الاطراف التونسية التقليل من شأنه وتشويهه واتهامه بالجنون. ان القصد من ذلك هو ترهيب كل من تحدثه نفسه ان يخرج من هذا الحصار الاعلامي... تصوروا ان عديد الاعلاميين المعروفين والسياسيين المشهورين يرددون ان المنصف المرزوقي اصبح رئيس ب7000 صوتا بدائرة نابل2، بينما عدد الاصوات التي تحصل عليها فعلا هي أضعاف هذا العدد وانه اصبح رئيسا في حقيقة الامر برصيد 29 نائبا، له اليد الطولى في وصولهم وفي اطار تحالف سياسي كان ابرز مهندسيه قبل وبعد الانتخابات. هذا بعض ما يدور من خور داخل الحياة السياسية التونسية. فهل هذا مؤشر لبناء مجال سياسي يفتح لتونس باب المستقبل؟