دول خليجية تخوض صراع نفوذ في تونس كمال الساكري (أستاذ الحضارة بالجامعة التونسية): «نعم.. هذه الدول تمول «صراع» المذاهب على أرضنا» حقيقة «الإسلام الأمريكاني» والمشروع الفارسي في كل تصريحاته يحذر أستاذ الحضارة الإسلامية في الجامعة التونسية كمال الساكري من بداية فتنة حقيقية تعيشها تونس نتيجة تنامي الحضور الوهابي بفضل البيترودولار والأيمة الذين يرسلونهم من دول الخليج. وطالما شدّد على أن ثمة أطرافا خليجية مثل السعودية وقطر تمول عملية فتنة طائفية في تونس قصد الرمي بالبلاد في أتون معركة بين المذاهب "مشدّدا على أن المذهب الحنبلي على الطريقة السعودية.." .. ويؤكّد الساكري أيضا أن المشروع الفارسي مسكون بهاجس العودة الى مياه البحر المتوسّط الدافئة! مشاريع "دينية" تكتسح الساحة التونسية وهذا الصراع المذهبي الذي باتت تشهده تونس ما بعد الثورة يفسّره كمال الساكري بأن البلاد، بعد الثورة أصبحت مفتوحة على كل التيارات والمنظّمات السياسية وخاصّة المشبوهة منها بحيث أن هناك أيادي ظاهرة وأخرى خفية تعمل على تحريك "المياه الراكدة" لإثارة الفوضى والبلبلة.. وحتى الأيادي الصهيونية أصبحت نشيطة في الكواليس، فالبلدان العربية وخاصّة تلك التي شهدت ثورات الربيع العربي باتت مفتوحة على تيارات مختلفة تتجاذب وتتصارع وتتطاحن.. وفي تونس نجد التيار العثماني الجديد والذي يحتضن جماعات الإخوان المسلمين وتمثله وترعاه قطر ويسوّق نفسه بالإسلام السياسي السنّي.. هو (الإسلام "الأمريكاني") المموّل من تركيا وقطر والولايات المتحدةالأمريكية التي تحتاج الى خلق تيار إسلامي في المنطقة ينسجم مع الأهداف والمصالح الأمريكية، ويقدّم فتاوى متخلفة ولا ترتقي الى مستوى النهضة الحقيقية التي يطمح إليها المسلمون وتنطوي عليها شريعتهم.. ونجد كذلك المشروع القومي الإيرانيالفارسي، ومحاولة نشر عقيدتهم الاثني عشرية في تونس.. وهو العمل الذي انتشر منذ القرن الرابع للهجرة، بولادة الدولة الفاطمية، فتاريخهم في هذه الربوع يدفعهم للحنين إليها والرغبة في العودة إلى مياه البحر الأبيض المتوسّط الدافئة، واسترجاع سيادتهم عليه، ويقوم هذا المشروع الإيراني أيضا على أجندة صراع مع السنة والذي يرمز إليه اليوم ما يسمّى بالإسلام السياسي-الإخواني والإسلام الوهابي الذي تمثله المملكة العربية السعودية. وهذا التيار الوهابي يبحث بدوره عن موطئ قدم في بلاد المغرب الإسلامي من خلال التمويل والدعم اللوجستي.. تمويلات خليجية للصراع على أرضنا! ويضيف محدّثنا "أنا لا أشكّ لحظة في أن المملكة السعودية تضخّ أموالا في المغرب العربي من خلال تمويل زيارات الشيوخ والدعاة لتقديم دروس في المساجد وعلى كامل تراب الجمهورية.. بالإضافة إلى تمويل جمعيات ثقافية ودعوية وخيرية..". وسألت محدّثي حول فتور العلاقة بين قيادة حركة النهضة الحاكمة والمملكة السعودية التي تعتبر نفسها مركز الإسلام في العالم العربي والإسلامي، ناهيك وأن راشد الغنوشي لم يزر ولو مرة المملكة وحتى زيارة الجبالي اتسمت بالبرود السياسي.. يقول الساكري "هذا الفتور خاصّة من الجانب السعودي مردّه توجّه عقدي وإيديولوجي يرفض الفكر الإخواني وتوجهاته.. واليوم هناك صراع نفوذ بين قطر التي تمثل نقطة التقاء بين الفكر الإخواني والوهابي والسعودية التي لا تطرح إلاّ الفكر الوهابي، وهناك مكمن الاختلاف فالإخوان المسلمون يقبلون بتجربة الحكم وبالتعددية وبالديمقراطية في حين يكتفي الفكر السلفي العلمي بمناصحة السلطة ويرفض الدخول في العملية السياسية، فالألباني الذي هو أحد شيوخ هذا التيار يقول: 'إنه من السياسية ترك السياسية'".. وبالنسبة للتمويلات وضخّ الأموال فإن الباحث كمال الساكري يقول إنه لا شكّ وأن إيران بدورها تقوم بضخ الأموال في المغرب العربي، فهي كدولة دينية (رغم الإيحاء بأنها دولة مدنية) فإن حلمها للانتشار على كامل الوطن العربي تستمدّه من نظرية الإمامة الخمينية وولاية الفقيه، وتبقى تونس بالنسبة لهذه الدولة لها أهمية تاريخية باعتبارها مهد الدولة الشيعية، كما أن لها أهدافا عسكرية وإستراتيجية فاذا كانت تعتبر سوريا ولبنان مخالب أمامية فان المغرب العربي هو الحصون الخلفية.
الزحف وهابي.. والمد شيعي أي دور للإسلام السياسي في احتواء الصراع المذهبي؟ باتت تونس منذ ما بعد الثورة وجهة وقبلة للوهابيين والدعاة المتشددين الذين استمالوا قلوب شبابنا من خلال الشاشات الفضية أيام بن علي الذي اعتمد سياسية التصحّر الديني واجتثاث الفكر الإسلامي المعتدل معتمدا في ذلك سياسة تجفيف المنابع التي طالت الحركة الإخوانية في تونس وحتى النشاط المفترض لجامع الزيتونة الذي هو منارة للإسلام المالكي-الأشعري المعتدل.. وبعد الثورة بات المجال مفتوحا للتيار السلفي الوهابي ليتغلغل أكثر في بلادنا.. برعاية دول خليجية تشكل فيها السلفية أساسا للشرعية السياسية والدينية.. خاصّة وأن نجاح بعض الثورات العربية شكّلت تحديات لهذه البلدان. كما تواجه البلدان الراعية للفكر الوهابي تحديات المدّ الشيعي الذي ولّد نزاعا حول الشرعية الدينية في المنطقة والعالم الإسلامي، خصوصا أمام قوّة إيران وحضور الأقليات الشيعية في دول المنطقة ومحاولتها اختراق بلدان الربيع العربي بالتمويلات والنشاطات المكثفة.. تنامي المدّ الشيعي وانتشار الأفكار الوهابية في صفوف الشباب خاصّة، يمثل تحدّيا كبيرا للحركات الإخوانية الحاكمة التي رغم كل زلات الحكم فان خطابها يتسم بالاعتدال ورفض الغلو.. ففي تونس الى اليوم تحاول حركة النهضة المحافظة على توازنها دون أن تسقط لا في المهادنة السافرة ولا في الصدام المحتدّ، رغم أن بعض قياداتها يعترفون أن هناك بلدانا تقوم بدعم هذه المذاهب من خلف الستار..
عبد المجيد النجّار هناك صراع انتشار بين مذاهب.. والتشيع لم يصبح ظاهرة يقول د. عبد المجيد النجّار "أن تفشّي ظاهرة التيارات التي تتسم بالغلو والتطرّف في المواقف يعود سببه أساسا إلى القمع الشديد الذي تعرّض له التيار الإسلامي المعتدل والعقلاني وإلى إقصائه لمدة ربع قرن بالإضافة إلى حملة الاجتثاث والاستئصال التي عانى منها التيار.. وهو ما استغلته تيارات اخرى للتسلّل إلينا وهو طبيعي لأن الطبيعة تأبى الفراغ..". وإذا كان الغلو الديني ظاهرة متفشية الآن فهذا سببه الأصلي ولا ننكر أن هناك تشجيعات على ذلك، لا أقول لغايات سياسية لكنها تدخل ضمن نطاق "صراع" المذهبية وسعي كل طرف لنشر مذهبه وإيجاد السبل والأسباب لذلك.. البيئة المالكية لا تقبل هذه الأفكار سألت د. النجّار، إن مصر وتونس تشهدان نفس عمليات الاختراق الممنهج من قبل التيارات المتشددة مع تنامي المدّ الشيعي في المنطقة ومع ذلك لا يبدو موقف الحركات الإخوانية الحاكمة في البلدين واضحا من هذه المذاهب، وما اذا كانت تنتهجان معها المهادنة أو الصدام؟ فأفادنا في تونس ظاهرة التيارات المتشددة ما تزال جديدة ولم تقم بعد بمراجعات حسب خصوصية المجتمع والمرحلة، ولذلك يقتضي التعامل معها حسب مسلكين، مسلك قانوني ونحبّذ ان يكون آخر الحلول، فمن يخالف القانون ويخلّ بالنظام العام يحاسب قانونا.. ولكن أوّل الحلول يجب أن يكون إحداث حركة حوارية واسعة للمحاججة والإقناع ، ورغم أن محاولة الحوار مع هؤلاء تبدو صعبة إلاّ أن ذلك لا يجب أن يثنينا عن المحاولات المتكرّرة، وهذا ما وقع في ليبيا إذ وجد الحوار والحجة وهو ما دفع بهذه التيارات الى القيام بمراجعات..". وسألت د. النجّار عن تحدّث البعض عن مخاطر المدّ الشيعي حتى أن هناك جمعيات تعمل على مقاومة ومناهضة هذا المدّ، فأكّد "انه يبدو فعلا أن هناك حركات تشيّع ولكن الأمر لم يبلغ بعد درجة الظاهرة المتفشية، ونحن لا بدّ من معالجة مثل هذه المسائل بالحوار.. وعموما فإن تونس شهدت عصرا وحكما شيعيا دام لعشرات السنوات ثمّ اندثر، فالبيئة المالكية تلفظ هذه الظاهرة ووجودها يؤذن بزوالها".