مما لا شك فيه ان القمة العربية المزمع عقدها خلال الساعات القليلة القادمة في دمشق سيخيم عليها العديد من الانقسامات والتباين في الآراء بين مختلف الدول العربية بسبب تداعي الأزمات بالمنطقة والتي استعصى حلها وساهم اختلاف الرأي في تباعد المواقف حولها واضحت بدورها قضايا جوهرية في تفاقم الخلافات العربية العربية وعلى رأسها الخلاف الفلسطيني والصراع العربي الاسرائيلي والأزمة اللبنانية. واصبحت هذه القضايا تحتاج الى تفاهمات عديدة ومتشعبة لكنها تختصر جميعها في التنافس على الدور القيادي والخيارات المتباعدة بين بعض الدول العربية. لقد تغير العالم ومعطياته دون شك لكن العرب لم يصيروا رقما مستقلا في التجاذبات الدولية ولم يخرجوا كما في الماضي عن الانقسام السياسي الذي يتغذّى من الاستقطاب الايديولوجي بين المعسكر الشرقي والعالم الحر كما كان يتم التصنيف مما ادى الى بروز تباين كبير حول قضايا عربية جوهرية اهمها الصراع العربي الاسرائيلي ليزداد هذا التباين ويأخد ابعادا طائفية ومذهبية بعد ان اسس الاحتلال الامريكي للعراق مسارا للنزاعات المذهبية داخل حركات ما يسمى ب«الاسلام السياسي» الذي بات يتصدر الحراك في المنطقة كلها حتى ان هذا التنازع لم يعد ممكنا ضبطه وفق القواعد الحالية التي يغيب عن ساحتها التضامن العربي، على الاقل في موضوع كان يعتبر نقطة الجذب الاساسية للاهتمامات وهو الموضوع الفلسطيني وفي خضم الصراع العربي الاسرائيلي، بعد أن استطاع الدور الايراني ان يلقي بثقله عبر اختراقه المحور اللبناني السوري وايضا الفلسطيني والعراقي واصبح مصدر حرج تتقاطع عنده السياسة الاقليمية والدولية في الشرق الاوسط اثر تراجع المشروع العربي وغياب مشروع امريكي حقيقي وجدي لتحريك ملفات السلام باتجاه التسوية السياسية. هكذا تبدو القمة العربية الآن قمة التناقضات.. بعد ان اصبح القرار العربي بين مطرقة المشروع الامريكي وسندان الشعوب العربية الطامحة الى الأفضل. ولكن مهما كانت الاختلافات والتحديات فقمة دمشق يجب ان لا تحجب «القواسم العربية المشتركة» رغم خطورة بعض الازمات العربية لا سيما الأوضاع في الاراضي المحتلة وخطر الانقسام الفلسطيني ازاء الممارسات اليومية الاسرائيلية وذلك بالعمل على تفعيل المبادرة اليمنية وتبنيها عربيا حتى تختزل التسوية الفلسطينية، وكذلك العمل على تجسيم المبادرة العربية فيما يخص الازمة اللبنانية حتى لا يتحول لبنان الى مسرح لحرب طائفية ومذهبية تهدف الى بناء سلطات تحت جناح قوى اقليمية كبرى تمهد الى تداعيات خطيرة في المنطقة. وما أمام قمة دمشق سوى العمل على مواجهة الازمات العربية بشكل جدي وليس الهروب منها بخلافات جانبية لن تقود الا لمزيد من التشرذم وتصدع الجسم العربي.