جمع الاتحاد العام التونسي للشغل في مؤتمره الوطني الأخير كافة الحساسيات الوطنية من أحزاب ومنظمات وجمعيات للاتفاق بخصوص استحقاقات المرحلة القادمة التي ستقود البلاد ما بعد مرحلة المؤقت، وتدخل بها في مرحلة استقرار سياسي واجتماعي طبقا لما يتطلبه واقع البلاد بعد الثورة. والمتمعن في الأرضية العامة التي جمعت كل الفرقاء في البلاد يدرك أنها كانت شاملة سياسيا لكل القضايا التي كانت حولها خلافات وتعطل من أجلها الحوار داخل المجلس الوطني التأسيسي أو ضمن توجهات الحكومة أو ما بين أحزاب المعارضة، وهو مجهود لا يمكن إلا التفاؤل بشأن ما وقع التوصل إليه وما تم حوله من إجماع وطني يمكن القول أنه يحصل وبهذا المستوى لأول مرة، رغم بقاء خلافات بخصوص بعض المسائل ودعوة بعض الأحزاب السياسية إلى إدراجها ضمن أرضية العمل المشتركة. لكن هذا الإجماع الوطني حول مجمل قضايا البلاد السياسية بقي أعرجا على حد آراء وتعبير بعض الحساسيات السياسية التي تشبثت بضرورة إدراج مسألة التنمية وتحريك مجالات الاقتصاد ضمن أرضية العمل المشتركة التي طرحها الاتحاد العام التونسي للشغل. وعلق بعض من حضروا مؤتمر الاتحاد على أن الحلول السياسية لحلحلة الواقع الذي تمر به البلاد والعمل على تجاوزه لا تكفي خاصة في ظل الصعوبات الاقتصادية الحالية التي ما انفكت تتفاقم، وعلى ضوء انفلات الأسعار وتدهور المقدرة الشرائية لكافة المواطنين وتعطل مجالات الاستثمار في الجهات وتكبيل أيادي رجال الأعمال والمستثمرين الوطنيين والأجانب. فهذه الحلول التي ارتآها الطيف السياسي في البلاد تبدو وكأنها تقف عند عتبة مقرات أحزابهم ولا تعكس رؤية شاملة لكل استحقاقات البلاد وخاصة منها الجهات الداخلية التي لم تشهد نموا يذكر، بل ازدادت أوضاعها تدهورا خاصة بعدما عجزت حكومتي الجبالي ثم العريض على عدم تجسيد أي مشروع تنموي واحتفظت بالملف الاقتصادي في أدراج المكاتب وتعطلت اهتماماتها في هذا الجانب حتى حول بعض الاستحقاقات الأساسية لسكان الجهات الداخلية مثل حاجتها إلى الماء الصالح للشراب والإنارة والطرقات وتهيئة بعض المسالك الفلاحية وغيرها من الأمور التي تتوقف عليها حياة سكان تلك الجهات. ولعل الغريب في الأمر أن منظمتي الشغيلة والأعراف الحاضرتين في المؤتمر من موقع متقدم أهملتا ملف التنمية ولم تنزلاه ضمن متطلبات المرحلة، وأرضية العمل المشترك وهو أمر قد يعطل مسار البلاد باتجاه الخروج من الوضع الحالي الذي تردت فيه.