بداية من اليوم: النفاذ إلى فضاء الولي بموقع مدرستي باعتماد الهوية الرقمية    العمران الأعلى: القبض على شخص يعمد إلى نزع أدباشه والتجاهر بالفاحشة أمام مبيت جامعي    عاجل/ جمايكا تعترف بدولة فلسطين    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    منوبة: الاحتفاظ بأحد الأطراف الرئيسية الضالعة في أحداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    صعود ركاب المترو عبر باب مهشّم: شركة نقل تونس توضّح    انتخابات الجامعة: قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    اكتشاف آثار لأنفلونزا الطيور في حليب كامل الدسم بأمريكا    هذه الولاية الأمريكيّة تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة!    تسليم عقود تمويل المشاريع لفائدة 17 من الباعثين الشبان بالقيروان والمهدية    فاطمة المسدي: ''هناك مخطط ..وتجار يتمعشوا من الإتجار في أفارقة جنوب الصحراء''    رئيس الحكومة يدعو الى متابعة نتائج مشاركة تونس في اجتماعات الربيع لسنة 2024    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    الاغتصاب وتحويل وجهة فتاة من بين القضايا.. إيقاف شخص صادرة ضده أحكام بالسجن تفوق 21 سنة    21 قتيلا في حوادث مختلفة خلال ال24 ساعة الاخيرة!!    مركز النهوض بالصادرات ينظم بعثة أعمال إلى روسيا يومي 13 و14 جوان 2024    تراوحت بين 31 و26 ميلمتر : كميات هامة من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    عاجل/ تعطل الدروس بالمدرسة الإعدادية ابن شرف حامة الجريد بعد وفاة تلميذ..    سيدي حسين: الاطاحة بمنحرف افتك دراجة نارية تحت التهديد    جنوب إفريقيا تدعو لتحقيق عاجل بالمقابر الجماعية في غزة    التمديد في مدة ايقاف وديع الجريء    توقيع اتفاقية تعاون بين وزارة التشغيل وبرامج ابتكار الأعمال النرويجي    تحول جذري في حياة أثقل رجل في العالم    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    بنزرت : تفكيك شبكة مختصة في تنظيم عمليات الإبحار خلسة    باجة: وفاة كهل في حادث مرور    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    البطولة الإفريقية للأندية البطلة للكرة الطائرة: ثنائي مولودية بوسالم يتوج بجائزة الأفضل    الاتحاد الأوروبي يمنح هؤلاء ''فيزا شنغن'' عند أول طلب    لطفي الرياحي: "الحل الغاء شراء أضاحي العيد.."    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    بطولة كرة السلة: برنامج مواجهات اليوم من الجولة الأخيرة لمرحلة البلاي أوف    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    الاتحاد الجزائري يصدر بيانا رسميا بشأن مباراة نهضة بركان    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    الألعاب الأولمبية في باريس: برنامج ترويجي للسياحة بمناسبة المشاركة التونسية    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    توزر.. يوم مفتوح احتفاء باليوم العالمي للكتاب    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس..    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التقاه خالد الحداد : الباحث نبيل خلدون قريسة في «منتدى الشروق» - الإسلام لائكي بطبيعته لأنه محايد سياسيّا
نشر في الشروق يوم 15 - 10 - 2012

المنتدى : «المنتدى» فضاء للتواصل مع قراء الشروق بصيغة جديدة ترتكز على معرفة وجهات نظر الجامعيين والأكادميين والمثقفين حيال مختلف القضايا والملفات ووفق معالجات نظريّة فكريّة وفلسفيّة وعلميّة تبتعد عن الالتصاق بجزئيات الحياة اليوميّة وتفاصيل الراهن كثيرة التبدّل والتغيّر ، تبتعد عن ذلك إلى ما هو أبعد وأعمق حيث التصورات والبدائل العميقة إثراء للمسار الجديد الّذي دخلته بلادنا منذ 14 جانفي 2011.

اليوم يستضيف «المنتدى» الباحث التونسي نبيل خلدون قريسة أستاذ التاريخ بكلية الآداب بمنوبة والّذي اشتغل على العديد من القضايا منها خاصة المتعلقة بالحضارة والتحولات الاجتماعيّة في المجتمع العربي الإسلامي.

وقد سبق للمنتدى أن استضاف كلا من السادة حمادي بن جاب الله وحمادي صمّود والمنصف بن عبد الجليل ورضوان المصمودي والعجمي الوريمي ولطفي بن عيسى ومحمّد العزيز ابن عاشور ومحمد صالح بن عيسى وتوفيق المديني وعبد الجليل سالم ومحسن التليلي ومحمود الذوادي الّذين قدموا قراءات فكريّة وفلسفيّة وسياسيّة معمّقة للأوضاع في بلادنا والمنطقة وما شهدته العلاقات الدولية والمجتمعات من تغيّرات وتحوّلات.

وبإمكان السادة القراء العودة إلى هذه الحوارات عبر الموقع الإلكتروني لصحيفتنا www.alchourouk.com والتفاعل مع مختلف المضامين والأفكار الواردة بها.
إنّ «المنتدى» هو فضاء للجدل وطرح القضايا والأفكار في شموليتها واستنادا إلى رؤى متطوّرة وأكثر عمقا ممّا دأبت على تقديمه مختلف الوسائط الإعلاميّة اليوم، إنّها «مبادرة» تستهدف الاستفادة من «تدافع الأفكار» و»صراع النخب» و«جدل المفكرين» و«تباين قراءات الجامعيين والأكاديميين من مختلف الاختصاصات ومقارباتهم للتحوّلات والمستجدّات التي تعيشها تونس وشعبها والإنسانيّة عموما اليوم واستشرافهم لآفاق المستقبل.

وسيتداول على هذا الفضاء عدد من كبار المثقفين والجامعيين من تونس وخارجها ، كما أنّ المجال سيكون مفتوحا أيضا لتفاعلات القراء حول ما سيتمّ طرحه من مسائل فكريّة في مختلف الأحاديث (على أن تكون المساهمات دقيقة وموجزة – في حدود 400 كلمة) وبإمكان السادة القراء موافاتنا بنصوصهم التفاعليّة مع ما يُنشر في المنتدى من حوارات على البريد الالكتروني التالي:
[email protected].

في تقديركم كيف تقرؤون ما جرى في تونس يوم 14 جانفي 2011 ؟

ليست الثورة حركة انقلاب أو هزة عنيفة محدودة التأثير بل هي حركة تغيير جذري في الواقع القائم وخاصة في شروط قيامه، بما يعني أنها حركة متوسطة المدى في معظم أهدافها وطويلة المدى في هدفها الأعمق ألا وهو تغيير العقليّات والبنى السوسيو ثقافية للمواطنة. حينما يكتمل تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي الجوهري نتحدث عن اكتمال الثورة وإلا تبقى مذكورة في التاريخ على أنها مجرد انتفاضة أو ثورة مجهضة.

يرى البعض للأسف في ما حدث بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011 مجرد انقلاب على السلطة الحاكمة وتغييرا للرئيس وللحزب الحاكم في حين لا يرى مانعا من بقاء المنظومة نفسها التي استشرى فسادها ونخر كل مفاصل الدولة والحياة العامة وحتى الخاصة. ويعتبر البعض الآخر أن اسقاط النظام يعني سقوط الدولة بجميع مؤسساتها وتهيّء الفرصة لإعادة البناء من الصفر، وهذا وهم ينبني على جهل كبير بحركة التاريخ بل بمعنى التاريخ.

الواقع أنّ هناك فرقا بين النظام الذي هو النظام الجمهوري المدني والذي لا نرجو تغييره وبين منظومة الحكم التي تمثلت في فئة سياسية تولت زمام الأمور في فترة تاريخية معينة وأشاعت الفساد في دواليب الإدارة إلى درجة غير مسبوقة. هذه المنظومة هي التي استهدفتها الثورة ولا يمكن تغييرها جذريا في وقت قصير وإن لزم أن تكون هناك قرارات جريئة.

في كل الأحوال، ما حصل في تونس هو نتيجة طبيعية لتراكم احتقان اجتماعي وسياسي دام أكثر من اللازم ولم تتعاط معه الطبقة السياسية بمختلف مكوناتها وخاصة منها التي كانت حاكمة بالجدية المطلوبة، مما أفرز تراكم مشاكل وتعقيدات هيكلية يصعب اليوم حلها من قبل أي إدارة حاكمة جديدة. وقد اكتشفت الحكومات المتعاقبة بعد الثورة هذه الصعوبات وحاولت التعاطي معها بصورة برغماتية ومستعجلة إلا أنّ المشهد العام ينبئ اليوم بتفاقم الأوضاع نتيجة سوء التفاهم بل انعدام الثقة بين الفرقاء السياسيين.
هنا علينا أن نذكر ببعض الأمور التي نراها بديهية:

أوّلا، لقد قامت الثورة في مناطق محرومة ومهمشة بالنسبة إلى الخطط التنموية منذ عقود من الزمن مثل سيدي بوزيد والقصرين وقفصة وسليانة قبل غيرها من المناطق التي كانت تعرف نفس الاختلالات لكن بصورة أقل حدة. لذا لا معنى لأي قرار يتخذ اليوم باسم هذه الثورة إن لم ينطلق من الحرص على إعادة التوازن لهذه المناطق المحرومة داخل المنظومة التنموية العامة.

ثانيا، تتطلب هذه المنظومة التنموية إعادة نظر جذرية بحكم أنها ناجمة عن منظومة الفساد التي قامت الثورة أصلا لإنهائها. فالمنطق يقتضي أن يقوم منذ الأيام الأولى للثورة مؤتمر وطني للحوار المفتوح بين جميع مكونات المجتمع وفي جميع وسائل الإعلام قصد إعادة بناء تصور متكامل للمنظومة التنموية في البلاد تأخذ بعين الاعتبار أولوية المناطق المحرومة. هذا لم يحصل رغم مطالبتنا به منذ الأشهر الأولى وكتابتنا عن ضرورة الحوار الوطني الشامل حول أمهات القضايا قبل سن الدستور، لكن لا حياة لمن تنادي. ولعل المبادرة التي أطلقها الاتحاد العام التونسي للشغل سوف تحاول إصلاح هذا الخطأ الاستراتيجي لكن يبدو أنها للأسف بدأت تعطي إشارات بعدم وجود فهم لجوهر المشكل ولطبيعة المرحلة.

ثالثا، عندما أُعلن عن التمشي الحالي في انتخاب مجلس تأسيسي كنتُ من أول المتخوّفين، ليس لكوني رفضت الفكرة أو خيّرت انتخابات رئاسية وتشريعية مثلما اقترح البعض آنذاك، ولكن لكوني أعلم مثلما يعلم خاصة فقهاء الدستور مدى خطورة هذا التمشي إن لم يسانده وعي مسؤول بالمصلحة الوطنية. فخيار المجلس التأسيسي يعني إلغاء آليّا لكل النظام على المستوى النظري، أي تصبح الدولة من الناحية النظرية في بيت مظلم تنتظر الإفراج عنها بعد إعادة تأسيسها بالكامل من خلال صياغة دستور جديد، وفي الأثناء تبقى كل الاحتمالات واردة، فالقانون بين قوسين والمصالح العامة والخاصة في حالة تهديد قصوى. لذا لا بد من الإسراع بكتابة هذا الدستور وفق التصور الجديد للمجتمع وللمؤسسات الذي يريده نواب الشعب والذي من المفترض أن يكون عاكسا لإرادة الشعب ورغبته في التغيير في اتجاه دون آخر. هنا أيضا يجب أن يكون الحوار الوطني سيد المرحلة. لكن عن أيّ حوار نتحدث؟ هل هو ذلك الذي يجري بين أعضاء المجلس التأسيسي وحدهم؟ هل هو حوار يشمل معهم بقية مكونات المجتمع التي لم تشارك في الانتخابات أو لم تحض بشرف تمثيلها للشعب؟

هنا، وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة، علينا التذكير أيضا بأنّه في كل المجتمعات الحديثة عندما يُنتخب مجلس تأسيسي، فهو لا يلغي الدولة فعليّا حتى وإن كان ذلك متضمَّنا من الناحية النظرية، فالمصلحة العامة للمجتمع تبقى فوق الدستور والقوانين المنبثقة منه، فقانون غير مرضي خير من انعدام القانون، و»الطبيعة» الاجتماعية لا تحب الفراغ، لذلك تبقى دواليب الدولة تعمل بشكل طبيعي والمؤسسات التابعة لها والقوانين سارية المفعول، ويمكن للمجلس التأسيسي عند الاقتضاء التعديل فيها كما يمكنه أن يفوض إدارة المرحلة إلى حكومة وظيفية تحت مراقبته المباشرة، ونراه هنا قد اختار انتخابها من داخله، وهو حر في ذلك، وإن خلق لنفسه مشاكل إضافية أقلها إنقاص عدد الكفاءات الفاعلة في المجلس وأشدها وضع مصداقيته -ولا أقول شرعيته- في الميزان إن فشلت هذه الحكومة في إدارة المرحلة.

إلا أنّ الأهم من كل ذلك أنّ هذا المجلس التأسيسي سيّد نفسه، له السيادة الشعبية كاملة إلى أن يأتي ما يخالف ذلك وهو سحب الشعب هذه السيادة أي الشرعية منه. وما دام المجلس منتخبا باقتراع عام مباشر من قبل الشعب، فلا يمكن لأحد أن يتدخل في أشغاله أو يملي عليه أيّ شرط أو تنظيم أو روزنامة... يمكنه أن يبقى في موضعه إن رضي الشعب عشر سنوات أو أكثر. عليه فقط واجب تشريعي لا بد من إنجازه وهو التأسيس، تأسيس المؤسسات الجديدة من خلال صياغة الدستور وتأسيس منظومة تشريعية متكاملة، وإن شاء أيضا أن يغير النظام (إلى ملكي مثلا) أو حتى العلم والنشيد الوطني فله ذلك بكامل الحرية والشرعية.

هذا ما لم ينتبه إليه أغلب من دفع إلى هذا التمشي وشارك بحماس في انتخابات 23 أكتوبر 2011، وقد يكون انخدع ببرامج أغلب المترشحين الذين كانوا يعدون مثل النواب العاديين بتغيير سريع لمستوى عيش المواطن البسيط في خلط غريب وتشويش على مهام المجلس التأسيسي الحقيقية ذات الطابع التأسيسي العام. وهو اليوم يريد إعادة حساباته لكن لا مشروعية لمطلب إنهاء عمل المجلس التأسيسي ولا حق لأحد في أن ينقلب على الشرعية الانتخابية، ولا معنى لأي شرعية أخرى إلا تلك التي يمكن أن تنبثق عن هذا المجلس وبأي شكل يرتضيه، اللهم إلا إذا أردنا تجاوز الشرعية الوحيدة القائمة فعليا وتغليب القوة على القانون. وهنا نفتح باب الفتنة والفتنة أشد من القتل.

لكن البعض يلوّح بالتظاهر والاحتجاج عن شرعية ما بعد 23 أكتوبر؟

قد يلوّح البعض بالتهديد بالتظاهر يوم 23 أكتوبر القادم، لكن لا بديل له عن الشرعية التأسيسية المنتخبة، ولا مناص له من أن ينتظر إنهاءها لمهامها في أفضل الظروف وأن يدعمها في ذلك بالمشاركة في حوارها عبر ندوات جانبية أو مباشرة مع أطراف منها. أما غير ذلك فهو انعدام تام للمسؤولية بل للروح الوطنية الصادقة. ولذلك أيضا، وحتى تكون الروح الوطنية متقاسمة بين الجميع، على أعضاء المجلس التأسيسي ألا ينفردوا بالحوار فيما بينهم فالكفاءات متنوعة في بلادنا ولا أحد يمكنه الادعاء أنه يستأثر بها أو بأفضلها في المطلق. ولكن هذا مجرد نصح، أليس الدين النصيحة؟

لم يقم المجلس التأسيسي لمجرد كتابة دستور، بل هو مؤتمن على مستقبل البلاد من خلال اختيارات جوهرية. فالعمل التأسيسي عمل حضاري بامتياز، لذلك كنا ننتظر منه خلق حركية كبرى في البلاد قاطبة وفتح قنوات حوار متواصل مع جميع مكونات الشعب في داخل المناطق المحرومة بالخصوص وإقامة ندوات مفتوحة وأخرى وفق المضامين والإشكاليات لا تنقطع عبر جميع قنوات الاتصال والفضاءات المتوفرة في البلاد من أجل خلق ورشة عمل وطني على المستويين النظري والتطبيقي لبناء حضارة تونس الجديدة وإيجاد أسس للحلول الجذرية والمستقبلية للمشاكل البنيوية ولتغيير العقليات الفاسدة القائمة على الأنانية والمحسوبية والغش والرشوة وإقصاء الكفاءات وإهدار الوقت والمال والطاقة التي ابتلعت الإدارة والمؤسسات والمواطنين. كنا ننتظر أن يدعو أعضاء المجلس التأسيسي -وأن يبينوا ذلك من خلال المثال والقدوة- إلى إخضاع العمل السياسي للقيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية السامية. ألم يكن عكس هذا هو العامل الأساسي في ما آلت إليه الأمور في نهاية العهد السابق رغم جميع الشعارات البرّاقة التي كان يتبجّح بها ويغوي المواطنين والمثقفين؟ هنا يكمن المشكل بل المأزق الكبير الذي وقع فيه المجلس التأسيسي: أن يكون قولا وفعلا في مستوى الشعار. ولعل كثير من أعضائه ليسوا على وعي باللحظة التاريخية الفارقة التي نعيشها: الصورة المباشرة، الصورة المعولمة تترصدهم وتكشفهم. وهم على المباشر ليسوا هم، بل تونس.

بحسب مقارباتكم حول التاريخ الحضاري العربي الاسلامي ، هل ما يجري حاليا من تطورات في المنطقة حدث تاريخي بارز أم هو مجرد حدث عابر ؟

في تصوري إنّ ما يحدث اليوم في العالم العربي يمثّل بداية تغير جذري في علاقة الإنسان العربي بهويته الثقافية من خلال إعادة صياغة مفهوم المواطنة وبالتالي المساهمة في البناء الحداثي الكوني من منطلق التجربة الخاصة والمعاناة الفعلية بدل ما كان يجتره من تصورات وهياكل عفا عنها الزمن أو استهلاك ثمرات الحداثة عند الآخرين وتكبيل نفسه بحبال التبعية بل العبودية.

لذلك، أعتقد أنّ حركة التاريخ الجارية اليوم في العالم العربي والإسلامي هامة وغير قابلة للارتداد إلى الوراء رغم مخاضاتها العسيرة وتضحياتها الجسام ومخاطرها الجمة، وإنما هي حركة إيجابية ستدفع جميع هذه المجتمعات إلى تطوير بناها وتحديث عقلياتها وتشكيل مؤسساتها وفق المصلحة الحقيقية لمواطنيها، بدل خدمة مصالح مضادة خاصة منها الخارجية، وهو ما قد يغيض بعض الأطراف الأجنبية وحتى الداخلية ولكن لا مفر من التضحية ومن الاستمرار في السير على طريق الحرية والكرامة بلا خوف أو التفات إلى الوراء. فالنجاح ضروري لأجل الأجيال القادمة.

مسار الثورات ماذا يقتضي من تغيرات ثقافية وحضارية؟

لا يمكننا أن نتحدث عن ثورة مكتملة كما قلنا إلا ببلوغ غايتها الأسمى ألا وهي تغيير العقليات، وهذا ما يتطلب بناء حضاريا شاملا لا زلنا ننتظر إطلاقه في بلادنا من خلال مشروع ثقافي مستقبلي جريء وكوني الأبعاد يضع تونس في مصاف الدول المتقدمة.

إن المشاكل المطروحة أمامنا والتي تتحدى ذكاءنا وخبراتنا المكتسبة بما فيها وما عليها لم تعد مشاكل تقليدية أو معروفة بل منها ما هو أكثر خطورة وجذرية من المشاكل السياسية التي غرقنا فيها في فترة ما بعد الثورة، منها مثلا مشكل موقع الاقتصاد الوطني في سياق العولمة الاقتصادية-الاتصالية الضاغطة أكثر فأكثر خاصة مع اهتزازات التوازنات التقليدية وأزمات المنظومة العولمية نفسها بفعل مخاضها العسير وتغيرات أسسها التكنولوجية المتسارعة جدا وبروز قوى جديدة داخلها، وكذلك مشكل العلاقة المقبلة بين الجنسين في ضوء تقنيات الاستنساخ في الإنجاب وتبدل حقوق الوالدين وطبيعة العلاقات الأسرية من جراء هذا التغير الجذري، ومشكل تغيرات المناخ الخطيرة وتهديدات البيئة المترتبة عنها وبالتالي تهديداتها للتوازنات الغذائية على مستوى العالم، وغيرها من المشاكل المستحدثة التي تتطلب مشاركتنا في إيجاد الحلول من خلال البحث العلمي والإبداع الفكري والثقافي، لذا لا بد لنا من حضور أقوى في هذه المستوايات من خلال مشروع ثقافي وطني طموح.

هل لما جرى تأثير على نسق ومسار العلاقات الثقافية العربية الإسلامية والأوروبية؟

من المفترض أن تتوثق علاقتنا الثقافية مع أوروبا والمجال المتوسطي بمناسبة قيام ثورة ترمي إلى تحقيق قيم الحرية والعدالة التي يؤمن بها الأوروبيون مبدئيا. إلاّ أنّ النظرة الانتقائية لا تزال تعيق مد مثل هذه الجسور فالجانب الأوروبي بفعل ما يعيشه اليوم من أزمة اقتصادية خطيرة أصبح أكثر نفورا في التعامل مع ظاهرة الهجرة ويعتقد أن الحل يكمن في التقوقع، وهذا أراه خطأ استراتيجيا عليه ألا يقع فيه مثلما عليه ألا يتردد في مد جسور التعاون والحوار في المجالين الاقتصادي والثقافي مع العالم العربي الجديد.

ذلك أنّ الأزمة الاقتصادية مهما بلغت من الحدة سوف تأخذ طريقها إلى الحل وسوف يتعافى الاقتصاد الأوروبي. لكن الفضاء الأوروبي ربما يعيش أزمة هوية من نوع آخر تتمثل في علاقته مع ذاته خاصة بما بدأ يعرفه من التغير الديمغرافي النوعي لصالح الفئات ذات الأصول الأجنبية في مقابل ضمور الفئات الأوروبية الأصلية التي طغت عليها الشيخوخة وضعف الخصوبة وتفكك البنية الأسرية، هذا ما أصبح في نظر البعض يمثل تهديدا للهوية الثقافية الأوروبية. غير أنّ التحليل التاريخي على المدى الطويل يكشف لنا أنّ احتمال الخطر غير موجود بحكم عراقة التراث الحضاري في أوروبا وتماسك مؤسساتها السياسية والاجتماعية والثقافية، حتى وإن كان دور الكنيسة في تراجع والاعتقاد الديني في ضمور فإنّ ذلك لا يمثل تهديدا لهوية ثقافية مبنية أساسا على حداثة تنويرية مستقلة تماما عن التفكير الكنسي وإن هي تستفيد منه أو تبني بعض أسسها النظرية عليه.

لذلك كله، فإنّ الحوار الحضاري بل الثقافي العميق والمنفتح بدون عُقد أو شروط مع الجانب العربي الإسلامي سوف يمثل دعامة للهوية الثقافية الأوروبية في مواجهة تحديات العولمة، والأمر كذلك بالنسبة إلى العالم العربي الإسلامي المتحول نحو الديمقراطية وحقوق المواطنة والإنسان، فمثل هذا الحوار البناء يزيد الهوية الثقافية عندنا متانة ووضوحا في السياق العولمي المفتوح. والمبدأ في هذا يبقى دوما هو نفسه: الثقة التامة في النفس وقبول الآخر المشترك معنا في الإنسانية.
في نظركم كيف ينظر الآخر لما جرى في بلدان الربيع العربي؟

لقد كان التفاعل الإيجابي في البداية من جانب الشعوب أكثر منه من جانب القيادات الأوروبية، وهذا مفهوم خاصة في ظل تشابك المصالح التي كانت المنظومة القائمة في تونس تستفيد منها لدعم استبدادها وفسادها. لكن في الوقت الذي كنا نتصور أن يقع التدارك سريعا، بدأت تظهر في وسائل الإعلام الأوروبية وخطابات السياسيين هناك توجسات ومخاوف غير مبررة تعتمد تهويل وتضخيم وتأويل بعض الأحداث المؤسفة التي وقعت على امتداد السنتين المنقضيتين وهي أحداث منتظرة في كل ثورة بل يمكن أن نتوقع أكثر منها بكثير والحمد لله لم يحصل ذلك ونتمنى عدم حصوله.

لكن الأهم هو أنّ ثورات الربيع العربي، أو الكرامة والحرية كما أفضّل تسميتها، أعادت الإنسان العربي إلى موقعه الطبيعي بين الشعوب من خلال اكتسابه لقيم المواطنة الحقة وتخليه عن دور الرعيّة الخادمة لسيّدها القائد الملهم والاستثنائي، فقد كان ذلك هو المبدأ المقبول حتى قيام الثورة التونسية، فانكشف فجأة حجم المغالطة وخاصة مدى ما كان يختزنه الإنسان العربي من التوق إلى الحرية والكرامة رغم حجم الاستبداد والقهر والإذلال والعبودية، وأثبت أنه في صورته المتواضعة العادية أكبر من الأصنام التي كان يعبدها، وبعد اليوم لن يقف شخص أمام الناس ليزعم أنه الزعيم الاستثنائي أو يدّعي أنه الداعية أو الإمام الملهم إلا ويجد طوفانا من الناس العاديين جدّا يلقون به إلى مزبلة التاريخ.

تغير كل شيء في عالمنا العربي بعد سيدي بوزيد، وهذا التغير الذي سيأخذ مداه في الزمان والمكان مدّا وجزرا أطلق موجات وتردادات زلزالية عمّت شعوب العالم بأسره المستعبدة بدورها، من قبل القوى النافذة في المنظومة المعولمة من خلال الدول والمنظمات الدولية، فإذا بها تنتفض في وجهها وتطلب إعادة بناء التوازنات لصالح المواطن الحر والكريم بدل خدمتها بعماء لتلك القوى الأنانية، فقامت المظاهرات من أثينا إلى وول ستريت. ولسنا ندري حدود امتدادها الجغرافي ولا مدى تأثيرها في العالم.
ليست ثورة الكرامة التونسية العربية الإسلامية العالمية مضادة للقوى الرأسمالية في حد ذاتها بل هي مضادة لما أنتجته بأنانياتها المتوحشة من الاستبداد والفساد المكبّليْن لمنظومة العولمة-الفرصة التاريخية والمُخضعيْن للشعوب والمهدّديْن لسياداتها على أوطانها.

لذا، فإنّ إعادة بناء المنظومة التنموية في تونس على أسس علمية وبقراءة وطنية خالصة، يمكنه أن يسمح، إن صدقت العزائم، بجمع كافة القوى والموارد الطبيعية والبشرية الوطنية المتوفرة حاليا، من خلال مشاريع طموحة للتشغيل والتعمير في مختلف القطاعات وخاصة منها الفلاحة، لتحقيق أهداف الثورة وإعادة الكرامة للمواطنين المهمشين بصورة ذاتية مستقلة حتى قبل أن يشارك رأس المال المعولم في تلك المشاريع. وهذا رهان قد يحفز السياسيين على تحقيقه بذكاء ووعي استراتيجي، وهو ما سيعيد في الحقيقة لبلادنا مصداقيتها في العالم سياسيا واقتصاديا.

ما هي مخاوف هذا الآخر الغربي على وجه الخصوص من مثل هذه التغيرات ؟

نحن نعيش في عالم مترابط المصائر وما يحصل في بلادنا كما قلنا حدث عالمي بكل المقاييس، فتونس أصبحت أهم ورشة تحديث سياسي في العالم العربي بعد أن كانت محتشمة على هذا المسار بالذات مكتفية بالتحديث الاجتماعي وفي مستويات دون أخرى. لذلك فعودة الروح إلى المقاربة الشاملة التي تعطلت أمر يثير الإعجاب في كل مكان ويثير أيضا الاهتمام الفاحص على المستويين السياسي والأكاديمي، لكنه أيضا قد يثير مخاوف الانتكاس وضياع الفرصة. وهنا تكمن مسؤوليتنا جميعا نحن التونسيين، فلا مفر من أن نؤدي هذه الرسالة وننجح في هذا الدور التأسيسي الخطير لصالح أمتنا وللعالم المتطلع إلى الإجابة الشافية والنهائية عن السؤال الذي طالما أرّقه: هل هناك أدنى توافق بين الإسلام والعرب من ناحية وبين الديمقراطية ومبادئ المواطنة وحقوق الإنسان من ناحية ثانية؟

لقد ادّعى الكثير حتى من أبنائنا أن لا علاقة بين الإثنين، وأنّ الإسلام يمثل الاستثناء بالمفهوم السلبي وأنّ هذا الدين لا حلّ معه غير الإلقاء به إلى مزبلة التاريخ وعزل أهله كما لو كانوا مصابين بمرض مُعد خطير. هنا في تونس يُبنى الجواب ويتم الرد المقنع والملموس بالنفي لهذه الادعاءات والتأكيد لحقيقة أولية أنّ العرب أمة حضارة وأنّ الإسلام أولى بأن يرتقي بأهله إلى أعلى المراتب الحضارية وبالتالي فالديمقراطية مبادئ تتفق مع مبادئه وقيم يشترك في الإيمان بها والتأسيس لإقامتها من خلال نصّه المؤسس، القرآن الكريم، وسنة نبيّه العظيم الداعي إلى مكارم الأخلاق.


لكن هذه الثورات أو التغيرات تميزت بصعود تيارات الإسلام السياسي لأول مرة للسلطة والحكم ، ألا يزعج ذلك هذا الآخر الغربي ؟


لا يهمنا ما يراه الغرب أو لا يراه إذا ما هو رفض قبول الاختلاف. لكنه قد يبدي رأيه إن كان هناك أدنى تهديد لمصالحه، وهذا أمر طبيعي، غير أنّ الصورة المسوّقة رغم حساسيتها تبقى مجرد صورة قد تشوّه أو يقع تأويلها. هناك بالفعل تجاوزات في هذا المستوى خاصة بعد ما حصل في ليبيا وتونس مع قصة الشريط المسيء للرسول وردود الفعل العنيفة غير المقبولة، فالشريط ضحل ووقح وخطابه لا يمثل شيئا جديدا مقارنة بما نقرأه من الكتابات المشوهة للسيرة النبوية. لكن الرد لا يكون بالعنف بل علينا أن نبني مشروعنا الحضاري الذي ينير سبيلنا ويفرض احترام الآخرين، وعلينا أن نؤسس لمقاربة ثقافية وعلمية راقية ومبدعة وحرة تماما للمسائل التي قد تحيّرنا أو تؤرق الآخرين عن جهل أو التباس، فلا شيء يعوّض البحث العلمي والإبداع الثقافي الحر والراقي. والصورة التي سيراها الآخر عندئذ ستكون طبعا إيجابية حتى وإن أراد البعض طمسها أو تحريفها. فالحرية هي الحل، الحرية الفكرية والإبداعية في جميع مجالات الإبداع والتعبير. لنترك الناس يكتبون ويرسمون ويمزقون صمتنا بقصائدهم وموسيقاهم ومسرحياتهم وأفلامهم فذلك هو جوابنا الحيّ على تشكيك الآخرين في كوننا أحياء حضاريا وثقافيا، بل ذلك هو الضامن الوحيد والحامي الحقيقي لهويتنا الثقافية بما تتأسس عليه من معتقدات ومقدسات وقيم إنسانية راقية أخلاقية وجمالية خصوصية وفي نفس الوقت كونية الأبعاد.

أما على المستوى السياسي تحديدا، فإنّ الصورة التي يعطيها المجلس التأسيسي في تونس مثلا وكذلك أعمال وأقوال مختلف الأطراف السياسية الفاعلة اليوم هي الصورة التي قد تكون أكثر حساسية ورسوخا في ضمير المواطن التونسي وكذلك في ضمير العالم إن هي ارتقت إلى مستوى هذه اللحظة التأسيسية الفارقة, غير هذا يجعلها صورة مهتزة تزعزع الثقة المكتسبة وتحرك الظنون والشبهات وتؤجج حالة الاحتقان الموروثة. لذا لا بد من العناية الفائقة بهذه الصورة المنتجة على المباشر وفي غفلة من الفاعلين والاعتبار بما تشكله رموزها وألوانها وكلماتها وتركيباتها من تأثير مباشر أو غير مباشر ومن تصعيد للمستبطنات النفسية والدلالية.

لذلك كله أرى أنّ تجربة ما يسمى بالإسلام السياسي في الحكم هامة في مستوى قراءتنا لهذه الصورة وحفزنا على مزيد فهم أنفسنا وتوضيح مقارباتنا لشخصيتنا الحضارية وهويتنا الثقافية وبالتالي لعلاقاتنا مع الآخر بعد عيشنا لمدة طويلة مع أوهام الصورة الجميلة المتناسقة والحداثة الوهمية الزائفة.

هل بمقدور تيارات الإسلام الإسلامي ان تقدم حلولا ونماذج لسلطة حاكمة عادلة وديمقراطية في إطار الدولة المدنية الحديثة؟

علينا أن نعترف أننا، أخيرا، نقف أمام مرآتنا لنرى وجوهنا على حقيقتها بدون مساحيق. نحن في حقيقتنا كما نرى أنفسنا اليوم، بما في هذه الصورة من جمال وقبح، وفق ما نظن. البعض راض والآخر ساخط أو حتى محبط. لكن لا مفر من الحقيقة الماثلة أمامنا, فلماذا انتظرنا كل هذا الوقت حتى نراها ونعترف بها؟ لماذا حاولنا طوال عقود تغييبها ووأدها؟ هذا هو السؤال الذي يستحق التفكّر.

أمّا ما نراه من مشكلة انتشار ظاهرة التدين المعلن وأحيانا الفارض نفسه في الفضاء العام كمثل التظاهرة الدائمة، المستفزة للبعض، المتحرشة بالبعض الآخر، فهذا نتاج لسياسات الإقصاء الممنهج المتبعة في الماضي وخاصة لتلك الفكرة السخيفة: تجفيف المنابع. ماذا نجم عنها؟ تجفيف للعقل. واليوم، ها نحن نعاني من غياب للعقل وانتفاء للحكمة، فإذا بنا نكتشف مدى جهلنا بالدين وبغير الدين ومدى تخلف خطابنا فيما بيننا ومدى انحطاط سلوكنا تجاه بعضنا البعض. كيف نقف في الصف؟ كيف نطلب خدمة في مؤسسة عمومية؟ كيف نقود السيارة؟ كيف نتحاور مع بعضنا في البيت والمدرسة والمقهى والمنتديات السياسية وحتى الثقافية وفي وسائل الإعلام؟ معضلة التونسي اليوم أنه لم يعد يحترم التونسي بالمطلق ولا يثق فيه ولا يعترف له حقا ولا سبقا ولا عمرا ولا جنسا. الكل يدفع الكل نحو الهاوية، هاوية العنف والفوضى.

وهذا ما نراه «قدوة» للأسف من خلال سلوك السياسيين فيما بينهم. يهددون بالعنف بل يمارسونه، يشتمون ويحرّضون ويشهّرون. ويدعون إلى ما هو أدهى. لماذا كل هذا وما الذي أوصلنا إليه؟

ليست المسألة مرتبطة بالمسار السياسي وتعرّجاته وصعوبات المرحلة التي نعيشها، بل هي عقليات تعودت على طباع الضباع بدل خلاق الأسود، وقد جاءت الثورة فرصة للجميع حتى يغيروا طباعهم ويقتدوا بخلق الأسود. فقد انكشفت غمة المذلة وارتفعت شبهة انعدام الشجاعة وارتقى الجميع إلى مرتبة الثوري البطل، هكذا أراد هو على الأقل، وليس في هذا مشكل لكن فليبادر إلى التواضع أما الحقيقة ويعيد لغيره ما يطلبه لنفسه: الكرامة.

لذلك أقول، ليس هناك أدنى مشكل في ارتقاء الإسلاميين إلى سدة الحكم ما دام الشعب انتخبهم بكامل الشفافية، فلنترك العاملين يعملون ولنصبر على المحطات التي تتطلبها الرحلة وننتظر أفضل نتائجها وثمارها عسى أن تكون في مستوى تطلعات الذين بهم ومن أجلهم قامت هذه الثورة. والحكم على النتائج في كل الأحوال لن يكون أحجية، بل سوف يثبته الواقع بعد قليل.

أما الاستباق بالحكم السلبي وظن السوء والاتهام بالمؤامرة، فهذا مما أعجب صدوره عن مناضلين وطنيين لهم من الخبرة في السياسة ما يجعلهم يعرفون قبل غيرهم أنها ليست علما صحيحا ولا تضمن نجاح المجهود مهما صدق وأنها تتطلب كثيرا من التضحية والصبر والعمل المثابر والدؤوب وفق ما يمليه الضمير خدمة للمصلحة العامة.

وما يعلمه المعارض في كل نظام ديمقراطي حقيقي هو أنه بخدمته لنفس هذا الصالح العام وبنفس مبدأ العمل وفق الضمير، لا يمكنه إلا أن يسند لخصمه من فرص النجاح القدر الذي يتمناه لنفسه، وبالتالي عليه احترام هذا الخصم واحترام قواعد اللعبة الديمقراطية النزيهة وانتظار اكتمال المرحلة التي تولاها خصمه بكامل الشرعية إلى أجلها الشرعي. وفي الحالة التي نحن بصددها، ينتهي هذا الأجل عندما يقرره المجلس التأسيسي مجتمعا لا أي طرف سياسي منفرد بما في ذلك الحاكم نفسه (إلا في حالة الاستقالة طبعا).

لكن البعض من دوائر التفكير الغربي والقرار أيضاً اضافة الى أوساط من النخب العربية تتخوف من ان تقود هذه التيارات خاصة في تونس ومصر الى مس المكاسب الحضارية والثقافية التي راكمها البلدان في مرحلة ما بعد تحقيق الاستقلال ؟

نعم هذه المخاوف موجودة وقد تكون من الناحية النظرية مشروعة، لكنّ الحقيقة التي لا يمكن إغفالها أنه لا يمكن الحكم إلا على ما جُرّب، وهؤلاء لم يُجرَّبوا، والتجربة المقصودة ليست مجرد أن يستلموا السلطة فنسارع بمحاسبتهم كما لو كانوا سينفّذون برنامجا مسطرا لهم من قبل، بل لديهم بالتأكيد برنامجهم فلننتظر أن نشاهده على أرض الواقع. إنّني أرفض كمؤرخ تسليط الأحكام جزافا أو التشبث بنظرية المؤامرة، فذلك استخفاف بالعقول واتهام للضمائر واحتقار للبشر. ما يهمني هو المسار الإيجابي للتاريخ، والإيجابي في التجربة الحالية أنها تقوم على ائتلاف ثلاثي هام لم يسبق له مثيل في التاريخ السياسي العربي.

هذه تجربة جديدة تجمع لأول مرة حزبا يُقال في أدبياته إنه إسلامي -مع احترازنا من مثل هذا التصنيف القديم الذي بدأت مثل هذه الأحزاب نفسها تحاول تنسيبه- وبين حزبين حداثيي التوجه مع أرضية إيديولوجية مشتركة في نقطة أساسية وهي مرجعية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. هذا ائتلاف مميز يضع على المحك مباشرة وبدون مقدمات مدى قدرة التيار الإسلامي -الفكري والعقائدي والعملي السياسي- على التعامل مع الواقع من خلال اختبار النظرية المستمدة من التراث القديم والمعدلة قليلا خاصة في السنوات الأخيرة، هل يمكنها أن تسيّر الأمور وتحلّ المشاكل وتقبل في نفس الوقت بالاختلاف والتعدد والنسبية بدل ادعائها امتلاك الحقيقة المطلقة والحل النهائي؟ هل يمكنها أن تجعل من الإسلام مرجعا أخلاقيا يتطلب رجالا ونساء متحلّين حقا بتلك القيم الأخلاقية ومحافظين عليها رغم كل الصعوبات في السياق السياسي والممارسة الفعلية للشأن العام أم أنّها ستُبقي على توهّم كثير من الأدبيات الإسلامية أنّ الإسلام المتصوَّر وَصْفة سحرية في المطلق مهما كان الشخص المسوّق لها؟

لم يكن قبول حزبَيْ «المؤتمر من أجل الجمهورية» و»التكتل» بهذا التحالف الحكومي مع حزب «النهضة» أمرا هيّنا، بل هو يبدو ضد الطبيعة كما يُقال، لذلك كثرت الانشقاقات التي توقعناها منذ البداية، لكنّ الطبيعة هنا يمكنها أن تُعدّل مثل تلقيم الأشجار المثمرة، فيمكنها أن تنجح في هذه التجربة الحساسة لتعطينا شكلا جديدا من السلطة التآلفية التي تقطع مع الصورة النمطية للإسلام السياسي وللتنافر المزعوم بين دين (هو الإسلام) ومنظومة تسيير ترمي إلى العدل بين المواطنين من خلال مبدأ التداول على المسؤوليات (الديمقراطية) ونظام سياسي مبني على مبدأ المساواة التامة (الجمهورية). ثلاث دوائر نوعية، لا شيء يجعلها مبدئيا متنافرة في المطلق. هناك بالتأكيد مخاطر في مثل هذه التجربة، لكنّ المخاطرة ليست أكبر مما يمكن أن تثمره من النتائج التاريخية بكل المقاييس, لذلك هي تستحق المجازفة وخاصة التضحية.

البعض يقول بأن الاسلام والديمقراطية لا يتعايشان ؟ وآخرون يقولون بأن العلمانية لا تنسجم مع روح الاسلام ؟

يكمن المشكل في مثل هذه التعريفات تحديدا: فلا معنى في نظري للحديث عن العَلمانية (بفتح العين) في بلد مسلم، أقول مسلم بمعنى غالبية سكانه مسلمون ولا أتحدث عن وضعيات أخرى يكون فيها أغلبية السكان من دين آخر غير الإسلام، ذلك أنّ العلمانية وقرينتها اللائيكية مرتبطة بمبدأ تحرير الفضاء العام من سلطة مؤسسة قائمة الذات هي الكنيسة، وفي الإسلام ليست لنا كنيسة ولا رجال دين بالمفهوم الكنسي، لذلك علينا أن ننتهي من استعمال مثل هذه المصطلحات المسقطة على واقعنا وأن ننتبه إلى أنّها تخلق مشاكل مستوردة تزيد من تعقيد مشكلتنا الحقيقية ألا وهي كيفية إيجاد حل للعلاقة الخاصة في التراث الإسلامي بين المجالين الديني والسياسي التي جعلت الدين خاضعا لأهواء الحكام. كيف يمكننا تحريره وتحييده بالنسبة إلى صراعات السلطة السياسية؟ هذه المشكلة عكسية مقارنة بالواقع المسيحي. لذلك أيضا أقول: الدين الإسلامي «لائيكي» بطبيعته أي أنه محايد سياسيا بما أنّه يقوم على تنزيه المطلق الإلهي عن كل ما سواه.

لذا، لا يمكن أن يكون الإيمان أو الإلحاد مفرّقا بين المواطنين المتساوين في الحقوق والواجبات، ولا يمكن أن يكون اعتقاد البعض في شكل معين من الحداثة واعتقاد البعض الآخر في شكل مختلف أو مشروع حداثي مغاير مصدرا للتفرقة والتصادم. فالمشترك يبقى الإقرار بضرورة بناء حداثي بمعنى عقلاني، والكل يسعى إلى بلورة ذلك وفق ما يعتقده ووفق الضمير، ويبقى العقل هو الفيصل والبناء العلمي هو المرجع، لذلك لا بد من الحرية المطلقة في الإبداع الثقافي والبناء الفكري ولا بد لها من الحوار الدائم والمفتوح على أساس الثقة المتبادلة بين الجميع دون إقصاء أو نبذ أو احتقار أو تهميش.

إلاّ أنّ ما يمكن أن يميّز بينهم إنما هو مدى الاعتدال في قبول الاختلاف أو على العكس التشدد في توهم امتلاك الحقيقة المطلقة والرغبة المتعصّبة في إقصاء الآخر أو حتى نفي حقه في الوجود. هنا يكمن الشرط الأول للمواطنة: قبول الاختلاف دون قيد أو شرط. فالحرية التي قامت الثورة لتحقيقها تعني بكل بساطة حق الإنسان في إنسانيته كما هو، كما هي، دون وصاية أو تسلط أو إنابة أو اشتراط. فقط، الثقة في هذا الإنسان يقابلها من جهته ثقة متبادلة على أساس ثقته في نفسه، في هويته دون تشنّج أو تعصّب أو تطرّف.

إنّ هذا التصوّر الحداثي أي العقلاني للمواطنة ليس مسقطا على تراثنا السياسي، فقد كانت الصحيفة التي أرساها الرسول بالمدينة قد أعلنت عن فكرة مشابهة (حرية الضمير داخل أمة جمّاعة للاختلافات الإثنية والقبلية والدينية) لكن في سياق تاريخي مختلف ومعقّد، لذلك لم تتواصل عملية بلورة هذه الفكرة وبقيت مجرد أفق خاصة إثر وفاة الرسول وتفرق المسلمين.

ثم وجدنا في منطق تطور المجتمعات العربية-الإسلامية عبر التاريخ إشكالية بناء نظام سياسي مستقر رغم التناقضات البنيوية خاصة مع تعدد الأعراق والثقافات (لغات وأديان ومعتقدات) واختلاف الطوائف (السنة، الشيعة، الإباضية الخ..) التي هي في الأصل أحزاب سياسية تغيرت تركيباتها ووظيفتها وأصبحت متماهية مع تشكيلات اجتماعية متجانسة إلى حد ما وتمكنت في فترات مختلفة من تاريخها من بناء هيكل سياسي ولو وقتي يمثلها بشكل رسمي. لقد كان هذا التطور البنيوي والوظيفي الهام وراء تكوين جدران عازلة بدل الجسور المفترضة بين أبناء أمة واحدة ودين توحيدي بامتياز.


ومع تطور العلاقات مع العالم الخارجي وخاصة الأوروبي في العصر الحديث، ظهرت محاولات إصلاح البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية في ظل الخلافة العثمانية ثم في مختلف البلاد العربية الإسلامية كل على حدة (مصر، تونس ..) وبدأت تبرز فكرة النهضة الحضارية في سياق الإصلاح المؤسساتي والتشريعي والتربوي.

واليوم، نعيش ضغوط الواقع العالمي المتزايدة على البلاد العربية الإسلامية إثر محنة الاستعمار، ومنذ بداية تجربة الاستقلال كان هناك سعي جاد إلى حد ما لبلورة مشروع تحديثي ونظام سياسي مبني على قواعد عقلانية دون القطع مع التراث الفكري الإسلامي بل اعتبر نفسه مواصلا لحركة الإصلاح. غير أنّ التسلّط الفردي والاستبداد المستشري في جميع مفاصل الدولة بل والمجتمع حالا دون إتمام هذا المشروع وتحقيق غاياته المعلنة فبقي مجرد شعار.

لذلك أعتقد أنّ الفرصة التاريخية مواتية اليوم بعد الثورة، ورغم صعود ما يسمى بالإسلام السياسي إلى سدة الحكم في تونس وبلدان الربيع العربي، بل بفضل ذلك تحديدا، لمحاولة فك عقدتي العلاقات بين الديني والسياسي وبين الدولة والقبيلة بصورة نهائية وإيجاد حلول ناجزة وتجارب نبني عليها لمستقبل تكون فيه الحياة السياسية أكثر حصانة من تقلبات المشهد الزائف الذي اصطنعناه على صورة الآخر بدل استنباطها من واقعنا الفعلي.

التغيرات في المنطقة العربية ترافقت مع بروز التيارات السلفية التي تغالي في فهمها للنص الديني وتطبيقاته؟

علينا أن نفهم أولا ماذا نعني بالسلفية، فإذا كنا نقصد الاقتداء بالسلف الصالح من النبي والصحابة وكبار الشخصيات التاريخية في الإسلام، فكل المسلمين سلفيون باعتزاز، أما إذا قصدنا طائفة أو جماعة مخصوصة ذات هيكلية معينة وأهداف طائفية فهذا أمر مختلف يتطلب معالجة خاصة في إطار تفتحنا على الاختلاف والقبول به، فمبدأ الحرية الذي أطلقته الثورة من عقاله لم يعد يسمح لنا بأن نرفض الاختلاف أو نسعى إلى إقصائه. ولا يعنيني في شيء ما يمكن أن يصل إليه هذا الاختلاف من الناحية الذوقية، فكل التفاصيل يمكن أن نجد لها حلولا توافقية حسب الوضعيات الخاصة والمرجعيات التي تفهم في سياقاتها درءا للمخاطر المحتملة وحفاظا على الحقوق والواجبات، والمعنى الأهم أنّنا جميعا نلتقي في الفضاء العمومي المفتوح ونتقاسم مبادئ المواطنة بجميع شروطها ونشترك في نفس الهم الوطني.

كتبتم عن ابن خلدون ، ماذا يمكن ان نستفيد من أفكاره وقراءاته ونظرياته لواقعنا اليوم؟

يعلمنا ابن خلدون أنّ البناء الحضاري الحقيقي (العمران البشري) يأخذ بعين الاعتبار متغيرات التاريخ الزمانية والمكانية وكذلك البشرية، فهو يعطي أهمية كبرى للتطورات المرحلية (الأحوال) ويجعل من كل مرحلة فرصة لتجديد الحياة بدل الخضوع لقانون الصراع المادي وحده وبالتالي لمسار النزول في سلم الانحدار نحو الفناء. لذا، فهو يهتم بالتوازنات وبالقبول بالاختلافات وبالأخذ بأسباب القوة الطبيعية المرتبطة بالعقل من ناحية وبالعدل من ناحية ثانية وعدم إهمالها في خضم السعي نحو الجاه والترف.

ومن مميزات ابن خلدون النادرة بين المؤرخين المسلمين القدامى أنه سعى لأول مرة إلى التوحيد ما بين عوالم كانت تبدو في عصره منقطعة عن بعضها بل متنافرة: الدولة المركزية والقبيلة، الحضر والبدو، المدينة والريف والبادية، العرب والعجم (الفرس) والبربر والترك والأفارقة... وقد كان متفتحا على العالم واعيا بمتغيراته لا يرى للمسلمين من مستقبل في عزلتهم بل في ارتباطهم بالآخر والتفاعل معه إيجابيا دون الخضوع له أو القبول بالتبعية مهما كانت الإغراءات المادية كبيرة (مثلما حصل له في لقائيه مع ملك قشتالة وقائد التتر «تيمورلنك»).

وتميزت نظرة ابن خلدون بالاعتدال والتسامح في المجال الديني ونبذ أسباب الفتنة والفرقة الطائفية بين المسلمين ورد دعاوى التعصب العرقي والإثني والثقافي حتى أنه دفع فكرة تحريف التوراة وأبطل الخلافة القائمة على مبدأ القرشيّة.

وفي شأن دور المرأة في المجتمع، تميز ابن خلدون بنظرة استشرافية إلى ما يحتمل أن يحصل من تغيرات في طبيعة الوجود بحيث يمكن أن تمتلك المرأة شروط الولاية.
كما أنّ لابن خلدون مقولة في غاية الأهمية فهو يعلن أنّ «الإنسان رئيس بطبعه»، أي حر تماما دون وصاية أو تبعيّة، وفق ما يمليه عليه ضميره وليس وفق الظروف وحدها. وهو يحمّله في ذلك مسؤولية مزدوجة: استحقاقه الحرية وتبعات تفريطه فيها.

تعطينا هذه النظرية الاحتمالية الخلدونية السبّاقة إلى الفكر الحداثي العقلاني فرصة تاريخية نادرة لقيام بناء حداثي عربي إسلامي خصوصي المنبع وكوني المبادئ.

من هو نبيل خلدون قريسة؟
نبيل خلدون قريسة أستاذ التاريخ بكلية الآداب بمنوبة، متخرّج من جامعة السربون بباريس، باحث في اختصاصات تاريخ الفنون والآثار والحضارة العربية الإسلامية وفي موضوع الأنثروبولوجيا التاريخية للمجتمع والثقافة في شبه الجزيرة العربية في القرنين السادس والسابع للميلاد، له عدد من الدراسات المنشورة في التاريخ الحضاري العربي الإسلامي والعلاقات الثقافية الإسلامية الأوروبية في العصر الوسيط منها بالخصوص كتاب: «ابن خلدون، مرآة الجوكوندا»، تونس، دار المعرفة للنشر (سلسلة «مقام مقال»)، 2006.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.