أحداث الحادي عشر من سبتمبر صناعة أمريكية أمريكا خرجت الخاسر الأكبر من العراق طلبت من ال«إف بي آي» محاكمتي قضينا نحو نصف ساعة في الحافلة للوصول إلى المقهى الذي اختاره الناشط الأمريكي برت ساكس شمالي سياتل.. كل شيء حدث بالصدفة لم يكن اللقاء مع برت مرتبا مسبقا.. كنا نتناول الغداء مع إحدى الناشطات الامريكيات التي كانت أول من بنى مدرسة للبنات في أفغانستان ليتحول المشروع إلى 40 مدرسة للبنات.. جوليا كانت متحمسة للتعرف علينا ولتعرف أكثر عن بلداننا وثقافاتنا.. وفي خضم الحديث عن الشرق الأوسط والإسلام وسياسة الولاياتالمتحدة الخارجية، بدأت جوليا تتحدث عن برت ساكس ذي ال75 عاما، الناشط الأمريكي الذي كان يدعو إلى السلام في العراق والذي كان معاديا بشدّة للحرب الأمريكية «غير المبررة» عليه.. طلبنا لقاءه، وجوليا رتبت كل شيء... كنا قد غادرنا للتوّ الحافلة التي أقلتنا إلى المقهى، كان برت يلوّح لنا من بعيد بعد مكالمة هاتفية جمعته بإحدى مرافقينا نظرنا إليه وقد انتابنا نفس الانطباع، هل يبلغ فعلا 75 عاما؟ كان يبدو شابا في كامل صحته.. رحب بنا برت بحرارة.. سألنا عن أسمائنا وما الذي أتى بنا إلى سياتل... بقميصه الرمادي الذي يتماهى مع لون عينيه، والذي يحمل كلمة «السلام» وموقعا يتحدث عن ال»مهاتما غاندي» السياسي البارز والزعيم الروحي للهند.. بدأ الحديث مع برت عن كل شيء تقريبا عن الولاياتالمتحدة، عن العراق.. عن السياسات وعن لغة الأقوياء. كانت عيناه تدمع كلما تحدّث عن جون كينيدي وظروف اغتياله وكان الحماس يلمع في عينيه كلما ناقش حكمة غاندي وإيمانه بالسلام يقول برت إنه بدأ منذ سنة تقريبا التعمّق أكثر في سيرة غاندي، وكلما قرأ عنه كلما آمن بأن الكفاح السلمي هو الطريق الأمثل للدفاع عن أية قضية...
أحداث الحادي عشر من سبتمبر صناعة أمريكية لم يكن من الممكن أن نجلس مع برت دون الحديث عن العراق.. فالرجل زار العراق تسع مرات وكان من المناضلين ضد إعلان الحرب عليه، كان مقتنعا بأنه لا مبررات لحرب كهذه، فكيف يتحوّل حليف الولاياتالمتحدة صدام حسين بعد 12 عاما إلى عدوّ يمكن أن يستخدم أسلحة الدمار الشامل ضدّ الأمريكان.. كل ذلك النقاش قادنا إلى أن نسأله: هل من الممكن أن يكون هناك رابط بين أحداث الحادي عشر من سبتمبر والحرب على العراق؟.. ردّ برت بكل ثقة «نعم، بالتأكيد» بل أضاف «الولاياتالمتحدة صنعت الحادي عشر من سبتمبر حتى تغزو العراق» السياسيون بحاجة إلى أعداء بالرغم من أن كثيرا من المفكرين والمنظرين داخل الولاياتالمتحدة وخارجها تبنّوا هذه النظرية، إلا أنّ برت أكد أنه يملك الدليل على ذلك.. وقد سلمنا قرصا يحوي فلما وثائقيا قائلا: تعلمون جيّدا ان برجين قد انهارا خلال تلك الأحداث.. قلنا «نعم».. فقال «أتعلمون أن هنالك برجا ثالثا قد تحطم أيضا بشكل يؤكد خلاله المهندسون والمختصون أنه تمّ على طريقة تحطيم المباني بحيث تسقط مرة واحدة كأنه لا يوجد أيّ شيء تحتها؟». برت كان واثقا جدا من هذه النظرية كان مؤمنا بأن بلاده صنعت الحادي عشر من سبتمبر لأن «السياسيين كما يقول «بحاجة إلى أعداء» بالنسبة إلى برت لم تبدأ المأساة في العراق بشن الحرب عليه ولكن قبل ذلك بكثير جراء فرض الحصار، زار برت العراق عام 1997 وقام بتقديم الأدوية للأطفال الذين يعانون من الجفاف. إلا أن ذلك كان مخالفا للحظر التجاري المفروض على العراق وعندما عاد إلى الولاياتالمتحدة اتصل برت بوكالة الاستخبارات المركزية «سي أي آي» وأخبرهم أن ما يفعلونه خاطئ، وأنهم بذلك يصنعون كراهية وحقدا ضدّ الولاياتالمتحدة.. وتوجّه أيضا إلى مكتب ال«إف بي آي» في سياتل وأخبرهم أنه قدّم أدوية إلى أطفال العراق وطالبهم بمحاكمته لخرقه الحصار المفروض على العراق، كل ذلك حتى يلفت الانتباه إلى خطورة الوضع هناك
ديك تشيني وخدعة نيويورك تايمز أما عن الإعلام فكان لبرت الكثير مما يقوله.. ففي بلد الحريات لا يبدو الوضع كما يروّج له على حدّ تعبيره.. يتحدث برت بإطناب عن الموضوع، وقد أكد أن الحكومة الأمريكية لا تستطيع أن تفرض سيطرتها بشكل مباشر على وسائل الإعلام الأمريكية فتعتمد أساليب مختلفة هذه الأساليب تتمثل بالأساس في أن ال»سي أي آي» تعمل على أن يكون الإعلام تحت سيطرتها، حتى أنه يذكر أنه قبيْل احتلال العراق تحصلت ال«سي أي آي» على معلومات من مواطن يقول إنه يملك دليلا على وجود أسلحة دمار شامل في العراق، وبالرغم من أن ال»سي أي آي» لم تتمكن من إثبات المعلومات، إلا أن ديك تشيني نائب الرئيس جورج بوش آنذاك أكد ضرورة تمريرها لوسائل الإعلام وقامت صحيفة «نيويورك تايمز» بنشرها، عندها خرج تشيني في أحد البرامج التلفزيونية مستشهدا بالصحيفة وقال: «نيويورك تايمز» تؤكد أن العراق يملك اسلحة دمار شامل» واعتمد ذلك كحجة لما يزعمه برت على يقين بأن الإعلام الأمريكي غير محايد في ما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط وان الجهات الأمنية الأمريكية تحكم سيطرتها عليه كيف نستطيع أن نغير ذلك؟ كان سؤالا طرح على برت.. تحدث كثيرا عن أن الطرق السلمية هي الأفضل والأسلم وأن الفرد قادر على إحداث التغيير مهما كان موقعه أو حجم الدور الذي يمارسه.. بالنسبة إلى الكثيرين يمكن أن يعتبروا ذلك مبالغة في تصوير الولاياتالمتحدة البلد الديمقراطي، على أنه بلد يقتل شعبه لحماية مصالحة، ولكن برت كان مصرا على رأيه ومتمسكا بموقفه، فكان على قناعة ان السياسيين سيفعلون أي شيء لحماية مصالحهم، كان يؤمن بأن رأس المال السياسي قادر على فعل أيّ شيء وأن النشطاء والمناضلين يجب أن يتذكروا ذلك ولا ينخرطوا في هذه اللعبة... ودعنا برت بحرارة، وتوجّه نحو المحطة لينتظر الحافلة التي ستقله حيث يمكنه أن يتابع القراءة عن غاندي، ونشر الوعي بين السياسيين بأن التغيير دائما ممكن، وأن السلام أبرز وسيلة لتحقيق ذلك