قديماً قيل"قابس جنة الدنيا "وأهالي قابس يجزمون أن الواحة جنة قابس فهذه الربوع التي حباها الله بنعمة النخيل ماجعلها قبلة لمختلف الحضارات التي تعاقبت على تونس على مر التاريخ فما أن تطء قدماك ارض قابس حتى تعترضك الواحة بنخيلها الباسق المتمايل على جنبات الطريق.. لكن اليوم هذه الواحة أضحت أثراً بعد عين وأخذت رقعة وجودها في الإنحسار بشكل مذهل ما جعل المهتمين بالشان البيئي يطلقون صيحة فزع. قابس الواحة: مثلت الواحة عنصر للحياة في قابس حيث أنه منذ العصور الغابرة إستقر الانسان بين نخيلها وتحت ظلالها فالواحة كانت موجودة في أغلب ربوع ولايات قابس دون إستثناء تقريباً إنطلاقاً من بوشمة مروراً بغنوش وشط السلام والبلاد وجارة والمنزل وسيدي بولبابة والنحال وشنيني والمطوية والحامة وتبلبو وصولاً إلى الزرات ومارث والمتامل في هذه المناطق يدرك جيدا إختلاف مناخاتها فمنها الساحلية أين تعانق الواحة مياه البحر في منظر كان يمكن أن يدرج ضمن عجائب الدنيا فواحة قابس الوحيدة عالمياً الموجودة على ساحل بحر الأبيض المتوسط وهي موجودة على قائمة التراث العالمي الواجب المحافظة عليه ومنها الواحة الداخلية على غرار واحة الحامة أين المياه الجوفية الحارة ونظراً لاهمية الواحات في قابس فان المواطن هناك بنى عليها وجوده وحياته حيث إرتكز عليها الاقتصاد وإستغل خيراتها أحسن إستغلال وذلك عل مدار السنة فنخيل قابس يجود بافضل أنواع التمور أو ما يعرف محلياً ب"البلح" خلال فصل الخريف ويختلف انواعها ومسمياتها فنجد الرشدي والبسر والبوحطم ...والقائمة تطول وفي الربيع يصبح النخيل مصدر لذلك المشروب السحري حلو المذاق "اللاقمي" وصيفا يحول جريد النخيل إلى سعف يستخدم في صناعة المظلات والقفاف ولم يقتصر دور الواحة على الجانب المعيشي الاستهلاكي للمواطن بل كانت عنصر جذب في القطاع السياحي سوى للسياح الأجانب أو التونسيين. الأسباب عديدة والموت واحدة: بتتالي السنين أخذت الواحة في قابس تفقد بريقها بسبب إنحسار مساحتها وتقلصها بشكل واضح وجلي والأسباب في ذلك عديدة ولعل على راسها التلوث البيئي الناجم عن المجمع الكيميائي بقابس الذي ركز على تخوم الواحة في سبعينات القرن الماضي والذي قضى بصفة مباشرة على واحة شط السلام وقابسالمدينة خاصةً بسبب الغازات التي تفرزها المعامل هناك وأصحاب الواحات الذين تحدثت اليهم "الصباح" اكدوا أن النخيل في قابس أصبح خاوياً على عروشه فترى النخلة قائمة لكن دون ثمار بسبب التلوث إذ أصبحت غير قادرة على الانتاج... سبب أخر أدى إلى القضاء على الواحة وهو شح المياه بسبب ندرة الأمطار في الجهة في السنوات الماضية وتقلص المائدة المائية بجهة قابس بسبب الاستغلال المفرط لها من قبل المجمع الكيميائي وعدم قدرة الدولة على حفر الأبار لتعويض هذا النقص. مسؤولية من؟ من سكن قابس خلال العقود الماضية يدرك جيدا مدى الجريمة التي ارتكبت في حق واحتها ماجعل مساحتها تتقلص باكثر من الثلث في فترة وجيزة وتفقد مئات الهكتارات والأكيد أن المسوولية مشتركة في ذلك بين الدولة والمواطن فغياب المراقبة والردع من قبل مصالح الدولة المتمثلة خصوصاً في البلديات والمندوبية الجهوية للفلاحة والتي لم تقاوم ظاهرة البناء العشوائي في الواحات وتركيز المجمع الكيميائي على تخوم الواحة دون مراعاة لخصوصية المنطقة الفلاحية أدى الى موت النخيل اما الفلاح فساهم هو الآخر في اتلاف الواحة بصفة غير مباشرة من خلال قتله للنخيل لاستخراج اللاقمي والأكيد أن عديد الجمعيات التي بعثت موخراً لها إهتمام واسع بالبيئة وحمايتها كانت قد اطلقت صيحة فزع من أجل تكاثف الجهود لانقاذ ما تبقى من الواحة في قابس.