من حق المواطن التونسي أن يتساءل اليوم في ظل الجدل المحتدم في المجلس الوطني التأسيسي كما بيّن الخبراء ورجال الاقتصاد بشأن تداعيات قرض صندوق النقد الدولي على السيادة والوطنية حاضرا ومستقبلا كما على استقلالية القرار التونسي عما اذا كان أصحاب القرار في البلاد يمتلكون فضيلة مراجعة الذات ويتحلون بما يكفي من ارادة الإصلاح، تماما كما أنه من حق المواطن أن يتساءل اليوم وفي ظل المؤشرات الاقتصادية القاتمة مع تفاقم التضخم وغياب الاستثمارات وترنح السياحة وغياب الحلول المطلوبة للحد من البطالة عما اذا كانت لدى المسؤولين في البلاد رغبة في الاستفادة من دروس وأخطاء المرحلة الأخيرة.والواقع أن التساؤل مشروع وهولا يحتمل التشكيك في الذمم أو النوايا ولكنه مطلوب ليكون دافعا لكل مسؤول مهما كان موقعه للوقوف وقفة صادقة وجريئة مع النفس ومحاسبتها على ما قدمته حتى الآن من أجل الدفع بالبلاد للخروج من عنق الزجاجة وتجاوز أوعلى الأقل الحد من مختلف الازمات الاقتصادية والأمنية والسياسية والاجتماعية التي يعيش التونسي على وقعها منذ فترة ليست بالقريبة. بل الحقيقة التي يتعين اليوم مواجهتها أن أسبابا كثيرة من شأنها أن تدفع بالجميع وأكثر من أي وقت مضى الى مساءلة النفس ومحاسبتها على جهودها في تحقيق أهداف الثورة التي ارتبطت ومنذ اندلاع شرارتها الأولى بالحرية و لعدالة والكرامة والتي تكاد تغيب اليوم عن اهتمامات وأولويات أولي الامر في البلاد ممن شغلتهم الصراعات المعلنة والخفية عن الوقوف وقفة صادقة في مواجهة حصيلة الأشهر الماضية وتحديد ما تحقق أو لم يتحقق للبلاد منذ انتخابات 23 أكتوبر الماضي والبحث عن الأسباب الحقيقية وراء كل فشل يسجل في مختلف المجالات والوقوف أيضا على كل ما من شأنه أن يمنع تكرار الخطإ... ولاشك أنه عندما نستيقظ على خبر مغادرة 1200 من رجال الاعمال بلادنا بحثا عن فرص استثمارية في الخارج فان في ذلك ما يكفي ليصيب الجميع بالارق ويبعد النوم عن أعين كل من استعد لتحمل مسؤولية مهما كانت. أزمة الثقة الحاصلة تعكس الحاجة الملحمة لجرعة إضافية من الوطنية والقبول بالحد من الامتيازات المنهكة وفرض الكفاءات بدل الولاءات في مواجهة التحديات المتراكمة وما تستوجبه من خطط عاجلة لتفادي الاخطر... بالامس القريب وفي الذكرى الأولى لدخول فرنسوا هولاند قصرالاليزيه تعددت التقاريرالرسمية وغير الرسمية بشأن أداء الرئيس الفرنسي وحكومته لبحث أسباب تراجع شعبيته ومدى نجاحه في تحقيق وعوده الانتخابية وهوالذي أخذ على عاتقه ومنذ أول اجتماع وزاري لفريقه الحاكم تخفيض راتبه الشهري كما رواتب أعضاء حكومته بثلاثين بالمائة عما كانت عليه حكومة سلفه ساركوزي. خطوة قد تكون رمزية ولا تخلو من حسابات سياسية ولكنها مهمة في مرحلة فرضها ركود الاقتصاد الفرنسي وتفاقم البطالة وإجراءات التقشف المفروضة لتجاوز الازمة المالية الخانقة التي تجرف دول الاتحاد الأوروبي دون استثناء. ومثل هذا الاجراء لم يكن حكرا على فرنسا البلد الأوروبي المتطور بل انه تكرر في مالاوي البلد الافريقي الفقير الذي يعتمد على مساعدات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بعد أن قررت رئيسته جويس باندا بدورها خفض راتبها بنحو ثلاثين بالمائة والتزامها ببيع الطائرة الرئاسية التي كان سلفها دفع مقابلها 22 مليون دولار من أموال الشعب دون اعتبار لتكاليف صيانتها التي تناهز 300 ألف دولار سنويا في بلد مفلس يشكو الفقر والجوع والخصاصة وهي أيضا خطوة تأتي الى جانب اعلان رئيسة مالاوي بيع خمس وثلاثين سيارة فاخرة تابعة لافراد حكومتها لاصلاح ما يمكن إصلاحه في البلاد... خلاصة القول أن جزءا من الحلول المطلوبة لانعاش الاقتصاد المنهك موجودة في تونس وبين أيدي النواب وصناع القرار ولكنها تحتاج الى بعض من الجرأة المفقودة والتواضع المفقود الى جانب تغيير العقليات الغارقة في الانانية وحب الذات والاقرار ببعض التنازلات والتخلي عن اللهث وراء اقتسام الغنيمة وفي كل ذلك جزء من الحلول التي لا مناص منها في بلد الثورة بعد أن أفلس جيب المواطن وخفت قفته بسبب الغلاء الفاحش وفشل خطط الإنقاذ... كم نحن في حاجة لجرعة إضافية من الوطنية الصادقة لتجاوز الازمات المستفحلة وقطع الطريق أمام كل المراهنين على اجهاض الثورة واسقاط الحلم في بناء الديموقراطية..