تنافس شديد بين أبناء التيار الدستوري حول التركة البورقيبية ومحاولة الاستئثار بها كمبدإ للانتماء الى هذه المدرسة التي لا تشكل بعدا سياسيا فحسب بقدر ما تمثل ارثا حضاريا بالنسبة للدساترة. فقد سجلت الساحة السياسية احتفالين متوازيين بمناسبة ذكرى عيد النصر وعودة الزعيم حبيب بورقيبة من منفاه حيث احتفلت الجمعية العالمية للفكر البورقيبي امس بالعاصمة بتتظاهرة حضرها عدد من المقاومين وابناء التيار يتقدمهم عياض اللومي. في الجهة الاخرى من العاصمة يحتفل "برقيبيون اخرون" بنفس المناسبة حيث نظمت الجمعية الوطنية للفكر البورقيبي وبمبادرة من حركة الدستوريون الاحرار التي يتزعمها عمر صحابو حفلا بمناسبة غرة جوان. ويؤكد التعاطي المختلف بين "البورقييبين" نية واضحة في المضي بعيدا عن كل اشكال العمل السياسي والفكري الموحد ليقيم الدليل على ان التشرذم الحاصل لهؤلاء وعدم القدرة على التجاوب ضمن فعل سياسي واحد خلق لديهم وهم البحث عن اولوية تبني الفكر البورقيبي ليحوله كل طرف منهم الى اصل تجاري خاص. وقد خلق التنافر السياسي بين الدساترة دخول اطراف اخرى على الخط في محاولة منها للم الشتات وفض النزاعات السياسوية الدائرة بين ابناء التيار الواحد. وتدخل الوزير الأول السابق في الحكومات المتعاقبة لبن علي حامد القروي ليقوم بدور الناسك الباحث عن الطمأنينة والسكينة للفكر البورقيبي وليقدم نفسه كمسيح مخلص للدساترة من ذنوب الفراق والانشقاق. غير ان ذلك لم يشفع له لدى حركة "الدستوريين الأحرار" حيث اكد عمر صحابو في برنامج "أستوديو شمس" أنه ليس للقروي الأحقية والشرعية لجمع شمل الدساترة ولا التحدث باسمهم لأنه كان نائب رئيس"التجمع" والعضد الأيمن للمخلوع إلى حدود الثورة" التي قامت أساسا ضد هؤلاء الأشخاص" على حدّ تعبيره. وذكر صحابو بان القروي لم يدعم بورقيبة ولم يذكره بخير ولم يدافع عنه طيلة فترة حكم المخلوع وهو ما يرفع عنه صفة البورقيبي". ومن خلال ما تقدم ينفي صحابو أية علاقة لحامد القروي مع الدساترة والبورقيبين وهو ما يجعلنا نطرح سؤالا لماذا تكلم القروي الان؟ وفي واقع الامر تبدو محاولة عودة حامد القروي الى الساحة السياسية، محاولة لمزيد تعميق الهوة بين الدساترة قصد تشتيت أصواتهم الانتخابية وفقا لقاعدة فرّق تسد. فالقاعدة المعتمدة في هذا الباب تقوم على خروج طرف دستوري اخر للساحة يتزعمهم القروي نفسه، وهو ما كشف عنه ابنه نجيب القروي في حديث خص به جريدة التونسية في 20 ماي الماضي حيث "اكد ان هناك امكانية لتزعم والده لجبهة دستورية". وتأتي هذه المعلومة بعد تشكل المشهد لدى منتسبي الفكر البورقيبي لتفتح الباب أمام فرضية محاولة خلق نوع من اللخبطة في أذهان الدساترة الذين يدركون مسبقا نية تصويتهم والتي تتجه أساسا لفائدة نداء تونس وبالتالي فان التشتيت من شانه ان يخدم جهة معينة وهي حركة النهضة والتي ضاقت ذرعا بتقدم نداء تونس في كل مساحات سبر الاراء بالاضافة الى المساحات التي خسرتها الترويكا كنتيجة لادائها السياسي الباهت منذ توليها زمام السلطة بعد انتخابات المجلس الوطني التاسيسي. وفي المقابل يشكك العديد من المتابعين في"براءة " عودة حامد القروي الى الساحة السياسية والذي تزامن في الواقع مع اعلان حمادي الجبالي عن نيته الترشح الى الانتخابات القادمة بصفة مستقل وهما امران يطرحان اكثر من سؤال وينفيان صيغة الصدفة لانه لا صدفة في السياسة." فعودة القروي من شانها ان تجمع بقايا الدساترة المترددين بين الجبهة الدستورية لكمال مرجان ونداء تونس وستصبح الاصوات التي لم تحدد وجهتها بعد ممزقة بين الطرفين وهو ما من شانه ان يضيع على النداء اصوات من شانها ان تدعمها في الانتخابات وبالتالي تقل نسبة حصول النداء على نسب عالية قد تفوق نسب حركة النهضة. اما في ما يتعلق بترشح الجبالي فان هذه الحيلة ستعود بالنفع على حركة النهضة ايضا ذلك ان الترشح المزعوم للجبالي من شانه ان يمتص اصوات الغاضبين على الحركة من الناخبين الاسلاميين والذين قد يصوتون "شماتة" وعقابا للنهضة لفائدة النداء.