الوادي الكبير بين زيتون وليمون يسيل «بغرناطة نهران من الثلج إلى القمح ينحدران» بغرناطة نهران واحد يبكي والثاني نزيف قاني. هذه الكلمات من نص الأنهار الثلاثة شدت بها الفنانة سنية مبارك فملأت أرجاء معهد سارفنانتس الاسباني بتونس حنينا إلى عهد مضى.. عهد فتح فيه المسلمون الأمويون اسبانيا وأسسوا الحكم الإسلامي فيها قلعة مدينة غرناطة التي تقع عند نقطة التقاء نهري هَدَّرُه وسَنْجَل. تغنت سنية بجمال غرناطة وقيمة معالمها فتذكر الحضور ذاك الفردوس الذي ضاع بسبب الصراعات الداخلية التي عصفت بالخلافة الإسلامية في القرن الحادي عشر وأدت إلى تدمير المدينة عام 1010. وقفزت إلى الأذهان اشعار ولادة وابن زيدون وصور قصر الحمراء وجنة العريف الملحقة به، أعظم الثروات الثقافية التي اشترك فيها في غرناطة المسلمون واليهود والمسيحيون. ولكن بماذا يعبّر ذاك الحشد الكبير من المثقفين في تونس عن حسرتهم على تلك الجنة الضائعة بغير الزفرات والتنهيدات والحلم بزيارة المدن الأندلسية وبمد جسور التلاقي والحوار مع الإسبانيين الذين استضافوهم احتفاء بصدور رواية "طمارة كما شاءت..." للروائي والإعلامي مراد البجاوي واعترافا من القائمين على هذه المؤسسة الثقافية الاسبانية بجهوده في التأكيد على ضرورة إعلاء كلمة الحوار بين الحضارات والأديان والشعوب من اجل سلم اجتماعية عالمية كما قال مدير سارفانتس وذلك بمقر المعهد ظهر أول أمس الجمعة. سنية تحلل"طمارة كما شاءت.." هذا الحفل البهيج غنى خلاله الفنان نور الدين الباجي"صاحب العيون الحواري وغنى موشح"جادك الغيث إذا الغيث همى يا زمان الوصل بالأندلس" الذي أعاد صياغته الملحن الطاهر القيزاني وذكرت الفنانة سنية مبارك بالمناسبة بالسعادة التي غمرتها عندما غنته مع كورال من الأطفال الأمريكيين في أمريكا ولاحظت أنهم أبدعوا في نقل ما فيه من أحاسيس رغم أنهم غنوه وراءها بالفونيتيك. وبعد ان غنت هذا الموشح على طريقتها صرحت للحضور قائلة:"عندما اغني أحس أنني إنسانة أخاطب إنسانا آخر فقط وهذا لأنني من الفنانين المقتنعين بان المستقبل للحوار والتعايش والوفاق مع الآخر وهو قدر كل إنسان يريد ان يعيش وسط مجتمع" وشكرت الروائي مراد البجاوي الذي أتاح لها فرصة الاطلاع على روايته وعلى مشاركته الاحتفاء بها في مكان يذكرها بسحر الأندلس وقالت نحتاج نحن الفنانون إلى هذه الاستضافات وهذا الحضور في هذه المناسبات الثقافية والأدبية وفي كل التظاهرات بصفة عامة لأننا مطالبون كغيرنا بالمساهمة في النهوض ببلادنا والمحافظة عليها. وفي خصوص رواية "طمارة كما شاءت" قالت سنية مبارك انها قصة مبنية على العاطفة والرومانسية ويمكن ان تبعث الكثير من الأمل في القدرة على التحاور بين الأديان. صفحة من التاريخ الأندلسي وتحدث الأستاذان احمد الحمروني ومحمد عيسى المؤدب عن رواية "طمارة كما شاءت.."فاجمعا على أهمية محتواها باعتبار قلة الآثار المكتوبة التي تناولت الآثار النفسية والاجتماعية لخروج المورسكيين مطرودين من الأندلس وقال الحمروني ان الرواية صفحة من التاريخ الأندلسي تضاف إلى قرابة أربعين رواية كتبت في الموضوع وأشهرها لجورجي زيدان وواسيني الأعرج وشاتو بريان.. ولكن الفرق بينها وبين رواية مراد البجاوي هو أنهم كتبوا عن أحداث وشخصيات تاريخية في حين ان البجاوي كتب عن شخصيات عادية طافحة بالواقع وان استحضرها صاحبها من الخيال ووصف هذا الواقع وصفا دقيقا ومشوقا وقدم بذلك قراءته الخاصة لتاريخ تهجير الموريسكيين من الأندلس وتجاوز هذا التاريخ باختيار بطلة مسيحية "طمارة" لبطل مسلم "سعد" ووصف من خلال هذه العلاقة معاناة الإنسان وضرورة إرساء حوار وقبول الاختلاف مع الآخر والتعايش معه دون النظر لعرقه وديانته ولونه. بالنسبة للروائي محمد عيسى المؤدب رواية طمارة أكدت على ان الأديان الثلاثة والحضارات يمكن ان تختلف ولكن لا يمكن ان تتناحر وقال:" كل دعاة الإرهاب هم إلى الخراب والزوال ونحن باقون في هذه الأرض.. ارض المحبة والسلام والحرية" ووجد في الرواية أيضا إيحاءات وتلميحات للنكبات العربية الكبرى 1948 و1967 وما حدث للعراق وسوريا اليوم ملفوفة في كثير من الجمال والبهجة والحلاوة. الكلمات والنغمات قسم مراد البجاوي الجلسة إلى فقرات من الكلمات والنغمات استمتع خلالها الحضور بأغنية "يا دروب الحياة" لسنية مبارك وأداء نور الدين الباجي للمالوف والموشحات ولأغنية "أوع يا قلبي تحب في من الأيام" وتحدث عن روايته فقال: "لا يمكن ان نحقق حوارا في المجتمع ما لم ننبذ كل أنواع التمييز العرقي والديني واللوني وقد أردت أن أقول انه بالإمكان أن نرسم حياة متناغمة إذا احترم كل منا الآخر وكتابي هو رحلة عائلة أندلسية وعنوانها يذكرني بصورة من صور التلاقي بين الاندلسيين والتونسيين علما بان"طمارة "هو اسم روسي لراقصة شاهدتها في تونس ترقص الفلامنكو وأثرت فيّ كثيرا ولعلي وجدت من خلال التفكير في ما قدمته من فنون اسبانية وقتها ما دفعني للتفكير في كتابة البعض من تاريخ ما تعرض له أجدادنا نحن سكان المدن التي استوطنها المهجرون من الموريسكيين كمدينة تستور مدينتي التي اعتز بالانتماء إليها والتي استطاعت رغم السنين المحافظة على علاقتها بالأندلس من خلال معمارها وجنانها وطرقاتها وأزقتها ورقّة أهلها وطريقة عيشهم وعلاقتهم بالفنون وخاصة منها المالوف.