تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دراسة : تطورالوضع الاقتصادي خلال سنة 2012: بوادر مشجعة رغم حجم التحديات
نشر في الشاهد يوم 22 - 02 - 2013

تتتالى المنابر الاعلامية التي تتناول الوضع الاقتصادي في البلاد و تطوّراته و لكن وسط خطاب طغى عليه التوظيف السياسي و التعاطي الانتقائي مع مختلف المؤشرات الاقتصادية. و يأتي هذا و نحن في أمس الحاجة اليوم الى ترشيد الخطاب السياسي خصوصا عندما يتعلق الامر بالشأن الاقتصادي و الاجتماعي. فبلادنا تستعد هذه السنة لاجراء انتخابات نريدها ان تتمحور حول مضمون البرامج و مدى نجاعتها و قابليتها للتنفيذ. كما نريد للحوار الذي سيؤثث الحملات الانتخابية ان يفرز وفاقا وطنيا حول جملة من المراجعات في عدة قطاعات لا يختلف اثنان من أهل الاختصاص أنها بحاجة الى اصلاحات هيكلية عميقة.
و لا يمكن ان ننجح في هذا الرهان الا اذا أخرجنا التعاطي مع الشأن الاقتصادي و الاجتماعي من بوتقة الشعارات و التحليل الذي يخاطب العاطفة أو يخدم أجندات سياسية ضيقة. فالبلاد على مشارف استحقاقات هامة كمفاوضات اتفاق التبادل الحر مع الاتحاد الاوروبي و مراجعة الاطار التشريعي لمنظومة الاستثمار و اصلاح المنظومة الجبائية و منظومة الضمان الاجتماعي بالاضافة الى جملة من المراجعات الهيكلية في مختلف القطاعات. و كلها رهانات حيوية للبلاد لا تحتمل التوظيف و المزايدات السياسية.
و يمثل مرور سنة على تولي الترويكا السلطة فرصة لتقييم مختلف المؤشرات الاقتصادية و الوقوف على مدى سلامة التوازنات العامة للبلاد و على درجة نجاح السياسة الاقتصادية المتبعة في الفترة الاخيرة.
و قبل الخوض في تقييم الوضع الاقتصادي العام، وجب التذكير بأن التعامل مع تطور المؤشرات الاقتصادية بصفة جزئية لا يستقيم لان السياسة الاقتصادية تقوم على خيارات و توازنات لا يمكن التعاطي معها الا بصفة شمولية. فالسياسة التوسعية التي تقوم على الترفيع من الاستثمار العمومي للخروج من فترة انكماش اقتصادي تمثل أحد الخيارات الاقتصادية المتعارفة دوليا. و هذا الخيار يقوم اما على تطوير عائدات الجباية أو الاقتراض و بالتالي الترفيع في الدين العمومي لتمويل الاستثمار العمومي.
و بطبيعة الحال، ليس هذا الخيار الوحيد و يجوز انتقاد هذا التوجه. ولكن النقد البناء و الموضوعي يجب ان يطرح سياسة بديلة متكاملة و قابلة للتنفيذ. فلا يمكن أن نطالب بتجميد الاقتراض و الضرائب و عدم بيع المؤسسات المصادرة من جهة (تجميد الموارد) و في نفس الوقت بالترفيع في اعتمادات التنمية الجهوية و بدعم التشغيل في القطاع العمومي من جهة ثانية.
و لربما سيكون من المفيد تلخيص التوازنات العامة للميزانية العمومية بصفة تقريبية لانها تحدد الخيارات الممكنة على المدى القريب.
توازنات الميزانية العمومية:
تناهز عائدات الخزينة العامة ال 19 مليار دينار تقريبا منها 17 مليار دينار تتأتى من العائدات الجبائية على دخل المؤسسات والاشخاص. تنفق منها الدولة 11 مليار دينار على ميزانية التأجير و التسيير و 5 مليار دينار على ميزانية الدعم و 4 مليار دينار على خدمة الدين.
و على هذا الاساس، فان النهوض بالاستثمار العمومي على غرار ميزانية التنمية و بالخصوص ما هو مرصود منها للجهات المهمشة يجب أن يعتمد على موارد وجب توفيرها من مصادر اضافية. و هنا، أمام الحكومة عدة خيارات على الاقل على المستوى النظري وهي تتمثل أساسا في : اما 1) الاعتماد على الاقتراض، أو 2) التخفيض بصفة هامة في ميزانية التأجير و التسيير من خلال ارساء سياسة تقشف و تقليص في الادارة العمومية، أو 3) توفير موارد عن طريق اصلاح منظومة الدعم للتخفيف من عبئها على الميزانية بتوجيه الدعم الى الفئات التي تستحقه دون سواها، أو 4) الاعتماد على آليات جديدة لتمويل التنمية كالصكوك الاسلامية و الشراكات بين القطاع الخاص و العمومي، أو 5) الترفيع في العائدات الجبائية بترفيع مستوى الضريبة على الافراد و المؤسسات و الحد من ظاهرة التهرب الضريبي.
و باستثناء الخيار الاول، فان الخيارات الاخرى تحتاج الى اصلاحات هيكلية و الى توفير الاطار التشريعي و الاداري اللازم. و لهذا السبب لم تكن هذه الخيارات قابلة للتنفيذ في سنة 2012، أو لنقل لا يمكن لها أن تؤتي أكلها الا على المدى المتوسّط و البعيد. و هذا لا يعني البتة تجاهلها فاصلاح المنظومة الجبائية و ترشيد مصاريف الادارة و تنويع مصادر تمويل الميزانية هي حلول جذرية و بالغة الأهمية. الا ان تنفيذها يحتاج الى بعض الوقت. و هنا تنزلت الحاجة الى الاقتراض لتمويل مشاريع التنمية خلال سنة 2012. و الاكيد أن هذا الحل ليس الا حلا ظرفيا فلا سبيل الى استعادة التوازنات العامة للبلاد لصحتها على المدى المتوسط و البعيد سوى تحقيق نمو الاقتصادي جيد و هذا لا يتحقق بدوره سوى باستعادة نسق الاستثمار الداخلي و الخارجي.
المؤشرات المعتمدة في التقييم:
يمكن تقييم الوضع الاقتصادي خلال السنة الفارطة من خلال تطوّر جملة من المؤشرات الكمية على غرار 1) النمو الاقتصادي، 2) عجز الميزان التجاري، 3) الاحتياطي من العملة الصعبة، 4) نسبة التداين العمومي ، 5) التضخم و تطور المقدرة الشرائية، 6) نسبة البطالة، و 7) حجم الاستثمارات الاجنبية.
كما يمكن اعتماد مؤشر اضافي و هو 8) مدى تقدم نسق الاصلاحات الهيكلية في مختلف القطاعات.
الوضع الوطني و الاقليمي مع أواخر 2011:
يجب الاخذ بعين الاعتبار الاطار العام الذي انطلق منه الاقتصاد الوطني في اول السنة الفارطة باعتباره المحدد الرئيسي لسقف ما يمكن تحقيقه من تطور ايجابي. فقد تسلمت الترويكا السلطة في خضم تجاذبات سياسية حادة و في ظل موروث ثقيل من انعدام الثقة بين المواطن من و مختلف مؤسسات الدولة، من أجهزة أمنية و ادارة عمومية. و امتدت أزمة الثقة الى المؤسسات البنكية حيث انخفضت درجة السيولة مع سحب عدد كبير من الحرفاء لاموالهم وودائعهم من البنوك. و مما يؤكد هذا الامر هو استرجاع البنوك ل1260 مليون دينار في الاشهر الاخيرة اثر اعلان البنك المركزي قراره بوجوب استبدال الاوراق النقدية القديمة. كما شهدت بداية 2012 تصاعدا للتحركات الاجتماعية و الاحتجاجات و الانفلاتات على جميع الاصعدة.
و من سوء الحظ، لم يكن الوضع الاقليمي ملائما بل ساهم هو الاخر في تأزيم الاطار العام للاقتصاد الوطني، حيث كان الشريك الاول، الاتحاد الاوروبي، و الذي يحوز على 68% من المبادلات التجارية تقريبا، يمر بوضع حرج من جراء تبعات الازمة المالية العالمية. اذ شهدت اغلب الدول الاوروبية انكماشا او ركودا اقتصاديا على غرار ايطاليا و اسبانيا و اليونان و فرنسا. و قد عرفت هذه الاخيرة ركودا اقتصاديا خلال السنة الاخيرة كما تجاوز عدد العاطلين الثلاثة ملايين.
و ساهم الوضع الاستثنائي للشريك الثاني من حيث المبادلات التجارية، ليبيا (قرابة 5% من الحجم الجملي للمبادلات التجارية)، في تعقيد الوضع على عدة مستويات.
فقد ادى تدهور الاوضاع في القطر الشقيق سنة 2011 الى عودة ما يفوق ال60000 من العمالة التونسية في ليبيا مما ساهم في ارتفاع نسبة البطالة من 13.8% في 2010 الى 18.9% في 2011. كما ادى هذا بدوره الى انخفاض التحويلات المالية من ليبيا، بما يقدر ب 0.4 % من نسبة النمو الاقتصادي، هذا الى جانب اضطراب الحركة التجارية بين البلدين و تفشي التجارة الموازية و عمليات التهريب.
و قد أدت عمليات تهريب المواد الاساسية عبر الحدود، بالاضافة الى ارتفاع سعر النفط على الاسواق العالمية الى تضاعف ميزانية الدعم (بما يفوق الالف و خمسمائة مليون دينار)، باعتبار ان اغلب المواد الغذائية الاساسية و المحروقات مدعمة من قبل صندوق التعويض.
اما على المستوى الوطني فشهدت التحركات الاجتماعية ارتفاعا كبيرا و تنوعت الى اشكال جديدة كعمليات قطع الطريق و اقتحام المؤسسات و الاعتصام داخلها الى جانب تعطيل النقل على السكك الحديدة و في المواني. و تشير الاحصائيات الى أكثر من عشرة آلاف حركة احتجاجية خلال سنة 2012.
1. الخروج من عنق الزجاجة و عودة الاقتصاد الى النمو:
مرّ الاقتصاد التونسي من وضعية انكماش سنة 2011 الى نسبة نمو تناهز 3.3 % خلال سنة 2012. و تجدر الاشارة هنا ان نقطة من هذا النمو قد تعود الى الزيادة في الاجور (التي ارتفعت بما يقارب 10% في القطاع العمومي) باعتبار الطريقة التي تعتمد في تقدير الناتج الداخلي الجملي.
و لكن بالرغم من هذا، فان التدقيق في مستوى انتاج مختلف القطاعات يؤكّد عودة حقيقية في نسق الانتاج حيث عرف الانتاج الفلاحي موسما استثنائيا في عدة قطاعات، كما استعادت السياحة عافيتها تدريجيا حيث شهدت تطورا بنسبة 30% في عدد السواح، و شهد قطاع النقل تطورا ب32% في عدد المسافرين. و من جهة أخرى، تقدم مؤشر انتاج الفسفاط بنسبة 11.2% مقارنة بسنة 2011 في حين تطورت صادرات الفسفاط ومشتقاته بنسبة 26%. كما استرجع قطاع التصنيع 89% من مستوى الانتاج الذي كان عليه قبيل الثورة أي سنة 2010.
الا ان نسق التصدير من منتوجات الصناعات الميكانيكية و الكهربائية تراجع بنسبة 1.1% في حين تراجعت صادرات قطاع النسيج بنسبة 3.6% .و يعود هذا التراجع أساسا الى وضعية الشريك التجاري الاول لتونس. و تبدو البوادر الاولى لسنة 2013 جد مشجعة اذ تطورت صادرات المواد الغذائية بنسبة 45.4% و ذلك نتيجة ارتفاع هام في صادرات زيت الزيتون.
و تعتبر عودة الاقتصاد الى النمو في الظرف الحالي الصعب على المستويين الوطني و الاقليمي أحد المؤشرات المطمئنة لانها تثبت قابلية مختلف القطاعات على الصمود أمام عدة تحديات تراكمت من مختلف الاتجاهات.
2. تدهور عجز الميزان التجاري:
سجّل عجز الميزان التجاري ارتفاعا سنة 2011 ليبلغ 8160 مليون دينار ليتفاقم بنسبة 5% مقارنة بسنة 2010. و تواصل تفاقم العجز ليصل الى 11635 م د سنة 2012، اي مسجلا ارتفاعا بنسبة 35%. و يعود جزء هام من العجز الى ارتفاع واردات المنتوجات الاستهلاكية، و بالخصوص الفلاحية و الغذائية بالاضافة الى واردات الطاقة باعتبار ارتفاع سعر برميل النفط في الاسواق العالمية.
و هذا ما يفسر قرار البنك المركزي تقليص حجم قروض الاستهلاك في الثلاثي الاخير من 2012، و الذي هدف الى الحد من توريد المنتوجات الاستهلاكية على غرار السيارات، و بالتالي السيطرة على عجز الميزان التجاري و حماية احتياطي البلاد من العملة الصعبة. و فعلا اخذ العجز في التقلّص خلال الاشهر الاخيرة حيث تراجع عجز المبادلات التجارية خلال شهر جانفي 2013 الى مستوى 769 مليون دينار، مقارنة ب 1009 مليون دينار في جانفي 2012. كما ساهم التطور الايجابي في صادرات الطاقة و الصناعات المعملية و الغذائية في تراجع عجز الميزان التجاري.
3. تحسن نسبي في الاحتياطي من العملة الصعبة:
رغم ارتفاع عجز الميزان التجاري الا ان احتياطي العملة الصعبة تحسّن من 10582 مليون دينار أو ما يعادل 113 يوما من التوريد في أواخر 2011 الى 12576 م د أو ما يعادل 119 يوما من التوريد في نهاية سنة 2012.
4. ارتفاع الدين العمومي:
تجدر الاشارة الى أن درجة تداين الدولة تقاس بالقيمة الجملية للدين العمومي، الداخلي و الخارجي، كنسبة من الناتج الداخلي الخام. و ارتفعت القيمة الجملية للدين العمومي من 40% سنة 2010 الى 44% سنة 2011 ثم الى 46.7% سنة 2012. فنسبة التداين تطورت بما يقارب 17% مقارنة بما قبل الثورة و بنسبة %6.1 سنة 2012.
و ان كان ارتفاع حجم الدين العمومي يمثل مدعاة الى القلق بصفة عامة الا انه يعتبر أمرا طبيعيا بل ضروريا في السياق الاستثنائي الذي تمر به تونس، حيث انتهجت البلاد سياسة توسعية للخروج من حالة الانكماش الذي كان يمر بها الاقتصاد الوطني، كما أملته استحقاقات الثورة و على رأسها دعم التنمية الجهوية، حيث وقع الترفيع بنسبة 25% تقريبا من ميزانية التنمية سنة 2012 الى قيمة 6000 مليون دينار. و الجدير بالذكر ان هذه السياسة التوسعية تراوح بين الترفيع و التخفيض في درجة الاقتراض لترك المجال للاستثمار (Go and Stop) في اطار برنامج خماسي.
وعليه، فان ارتفاع الدين العمومي سنة 2012 لم يتجاوز 2.7 % من الناتج الداخلي الخام. و
يبقى حجم الدين العمومي في مستويات معقولة مقارنة بالسياق العالمي، اذ تحتل تونس المرتبة 74 من حيث قيمة الدين العمومي من جملة 156 دولة مصنفة في تقرير أفريل 2012 لصندوق النقد الدولي،و بعد اليابان (225% من الناتج الداخلي الخام) التي تأتي على رأس القائمة، و البرتغال (%107) و الولايات المتحدة (%102)، و أفضل من نسبة التداين لكل من مصر(76%) و اسبانيا (%67) و المغرب (%54) و أسوأ من تركيا (40%).
و لكن هذا لا ينفي وجوب السيطرة على نسق الاقتراض خصوصا بالعملة الصعبة في المستقبل و الاعتماد على آليات اخرى لتمويل الاقتصاد كالصكوك و الاستثمار ات المباشرة و الاقتراض من جاليتنا بالخارج حيث يمكّن ذلك الدولة من الاقتراض بالعملة الصعبة و التسديد بالدينار التونسي. و بالفعل، كل هذه الاليات هي بصدد التنفيذ في اطار مقاربة شمولية لتنويع مصادر تمويل الاقتصاد الوطني.
5. تراجع نسبة البطالة بنقطتين:
شهد القطاع الخاص خلق ما يناهز 85.1 ألف موطن شغل سنة 2012 دون اعتبار الانتدابات في القطاع العمومي. و قد ساهم هذا في تقليص نسبة البطالة مع الثلاثي الاخير لسنة 2012 بنسبة %2.2، منحدرة من %18.9 سنة 2011 الى 16.7 %. و كانت نسبة البطالة سنة 2010 حوالي 13.5% حسب المعهد الوطني للاحصاء. ثم ارتفعت الى نسبة 18.9% نظرا لعودة العمال التونسيين من ليبيا من جهة و تعطل نسق الانتاج والاستثمار اثر الثورة من جهة ثانية.
و تجدر الاشارة الى ان المعاهد و الكليات التونسية ستضيف الى سوق الشغل ما بين 70 و 80 الف شابة و شاب سنويا على امتداد الخمس سنوات القادمة. و عليه فان نسبة نمو لا تتجاوز ال3.5 % لن تكون كافية لتقليص عدد العاطلين عن العمل بصفة ملموسة على أرض الواقع. و تجدر الاشارة كذلك الى ان 70% من اليد العاملة التونسية في ليبيا و التي غادرت اثر اندلاع الثورة هناك قد عادت الى القطر الليبي الشقيق مع متوسط 2012 بعد استقرار الاوضاع نسبي هناك.
و رغم تراجع نسبة البطالة الا انها لا تزال تشهد تفاوتا كبيرا بين الشريط الساحلي و الجهات الداخلية، اذ تراوحت بين 11.4% في الشمال الشرقي و 21.3% في الشمال الغربي، و بين 11.4 % في الوسط الشرقي و 20.7 % في الوسط الغربي. و يتقلص الفارق بين السّاحل و الداخل نسبيا في الجنوب حيث تبلغ نسبة البطالة 25.7% في الجنوب الشرقي و 27.1% في الجنوب الغربي.
6. تضاعف التضخم و تراجع المقدرة الشرائية رغم الزيادة في الاجور:
شهدت الفترة التي عقبت الثورة ارتفاعا كبيرا في المطالب الاجتماعية و منها مطالب الزيادة في الاجور في عديد القطاعات. و شهدت الاجور ارتفاعا ب 10% في القطاع العمومي كما وقع الاتفاق على زيادة ب 6% في القطاع الخاص. و يعتبر توقيع العقد الاجتماعي مع أواخر سنة 2012 بين الحكومة و منظمة الاعراف و الاتحاد مكسبا هاما سيساهم في دعم الاستقرار و السلم الاجتماعيين و بالتالي حماية مصالح العمال و المستثمرين على حد السواء.
و لكن ادى ارتفاع الاجور في ظل عدم تطور مستوى الانتاج و ارتفاع الطلب نظرا لعدم استعادة القطر الليبي الشقيق لاستقراره الى انخرام توازن العرض و الطلب. كما فاقمت الممارسات الغير قانونية كالاحتكار و البيع المشروط في ارتفاع الاسعار، التي سجلت حسب المعهد الوطني للاحصاء نسبة تضخم ناهزت 5.9 %. و قد أدى هذا الامر الى تراجع المقدرة الشرائية للمواطن بصفة ملحوظة. و ضاعفت عمليات التهريب للمواد الاساسية من حجم الصعوبات التي تواجهها الطبقات الفقيرة و المتوسطة اذ ساهمت في انقطاع بعض المواد الاساسية من الاسواق.
7. عودة قوية لنسق الاستثمار الخارجي:
بلغ حجم الاستثمار الاجنبي3079 مليون دينار محققا ارتفاعا بنسبة 79% سنة 2012 مقارنة بالسنة 2011 و 27 % مقارنة ب2010، و يعود جزء من هذا الارتفاع الى عمليات بيع اسهم الدولة في بعض الممتلكات المصادر على غرار 13 % من اسهم البنك التونسي القطري و 15 % من اسهم تونيزيانا.
و قد شهدت أغلب القطاعات ارتفاعا في تدفق الاستثمارات مقارنة بسنة 2011، و تجاوزت بعضها حجم الاستثمارات سنة 2010 على غرار الطاقة و الفلاحة و القطاع البنكي. اذ ارتفعت جملة الاستثمارات في قطاع الطاقة من 1317 م د سنة 2010 الى 1378 سنة 2012، و بلغت حجم الاستثمارات في القطاع البنكي 243 م د سنة 2012 علما و ان القطاع لم يشهد اية استثمارات خلال سنتي 2010 و 2011.
كما مكنت هذه التدفقات من خلق 123 مؤسسة جديدة و توسيع 185 مؤسسة موجودة في قطاعات النسيج و الصناعات المعملية و التحويلية و الخدمات مضيفة بذلك 10263 موطن شغل. و ان ارتفع حجم الاستثمارات بصفة ملحوظة الا أن مواطن الشغل المستحدثة سجلت تراجعا طفيفا مقارنة ب2011 بنسبة 5%.
كما شهدت سنة 2012 ارتفاعا ملحوظا في استثمارات و تحويلات التونسيين بالخارج، حيث بلغت القيمة الجملية للتحويلات 3491.3 م د سنة 2012 لتسجل ارتفاعا بنسبة 23.7 % مقارنة بسنة 2011 (2821.9 م د) وبنسبة 18.21 % مقارنة بسنة 2010 (2953.4 م د). كما ارتفعت استثمارات التونسيين بالخارج في قطاعي الصناعة و الخدمات بنسبة 50% تقريبا.
8. تقدم نسق الاصلاحات الهيكلية:
كانت الحكومة مطالبة خلال السنة الفارطة بالشروع في اصلاحات هامة في المجال الاقتصادي و الاجتماعي، باعتبار أن ذلك مثّل أحد المطالب الشعبية و أولويات المرحلة. و ان لم تتقدم مشاريع الاصلاح بالنسق و الحجم المطلوب الا انها شملت عدة مجالات حيوية من أهمها:
الشفافية و مكافحة الفساد: قامت الحكومة بالتعاون مع منظمة التعاون الاقتصادي و التنمية و برنامج الامم المتحدة للتنمية و الوكالة الكورية للتنمية باعداد خارطة طريق لمكافحة الفساد ودعم الشفافية و تكريس حوكمة رشيدة في ادارة الموارد العمومية، دخل بعض برامجها حيز التنفيذ. و من اهم المشاريع مراجعة الاطار التشريعي و الاجرائي لمنظومات طلب العروض و ادخال منظومة معلوماتية على عمل الهيئة العليا للصفقات العمومية. كما وقع تفعيل قانون النفاذ للمعلومة و دعم الشفافية مما ساهم في اطلاع الرأي العام على عدة معطيات هامة على غرار دقائق مشروع الميزانية و نسق التقدم في تنفيذها.
المنظومة التشريعية للاستثمار: انكبت وزارة الاستثمار على مراجعة جذرية لمجلة تشجيع الاستثمارات، في اطار مقاربة تشاركية و علمية شملت تقييما لمدى نجاح الحوافز التي وقع رصدها في السابق الى جانب القيام بدراسة مقارنة مع منظومات تشجيع الاستثمار في عدة بلدان مماثلة على غرار تركيا و الشيلي و بلغاريا و ماليزيا. كما قامت الوزارة باستشارة موسعة، قسّمت الى قرابة العشرين ورشة حسب القطاعات و حسب المواضيع. و ستشمل المجلة الجديدة للاستثمارات عديد الاصلاحات لتواكب منظومات التشريع العالمية في هذا المجال، و ستشتمل بالخصوص على ضمانات اضافية للمستثمرين، في مجال انتزاع الملكية و فض النزاعات وعدم التمييز و تبسيط منظومة التراخيص بالنسبة للنشاط في عدة أسواق. كما تقترح المجلة هيئة عليا للاستثمار لدعم التنسيق و لمتابعة و تقييم السياسات في هذا المجال. كما يرصد مقترح المجلة الجديدة تحفيزات أكبر لدفع الاستثمار في الجهات المهمّشة، خصوصا في المجالات التي تحسن من مناخ العيش و من بيئة الاستثمار بحيث تساهم في تثبيت الكقاءات في هذه الجهات و استقطاب مشاريع اضافية في المستقبل.
كما وقع اعداد مشروع للمالية الاسلامية (الصكوك) و مشروع للشراكات بين العمومي – الخاص(PPP) سيقع عرضهما على المجلس التأسيسي للمصادقة خلال سنة 2013. و تمثل هذه الاليات حلولا أقل خطرا و تكلفة من الاقتراض الخارجي.
مراجعة اطار الشراكة و التبادل التجاري مع الاتحاد الاوروبي: صادق الاتحاد الاوروبي على اعلان سياسي مشترك مع الحكومة التونسية في نوفمبر 2012 تمحور حول منح تونس مرتبة الشريك المميز. و سيتمكن الشريكان بمقتضى هذا الاتفاق من تطوير التعاون في المجال السياسي (النهوض بحقوق الانسان و مساندة الانتقال الديمقراطي) و الاقتصادي و الاجتماعي (الشروع في مفاوضات للتوقيع على اتفاق تجاري حر و معمق) و الثقافي و العلمي (البحث العلمي و التبادل الثقافي والتقارب بين الشعوب).
و ان لم تنطلق مفاوضات الاتفاق التجاري الحر و المعمق بعد، الا ان الاعلان السياسي ينص على فتح الاسواق و تحرير التبادل التجاري في مجال الفلاحة و الخدمات (مع مراعاة خصوصيات بعض القطاعات و الفارق في التنمية بين الضفتين) و ينص الاعلان المشترك على مساندة الاتحاد لمجهود التأهيل الذي يجب ان يشمل عدة قطاعات حتى يتسنى لها المنافسة في السوق الاوروبية. و نظرا لحجم السوق الاوروبية فان هذا يمثل فرصة جديدة لقطاع الفلاحة والخدمات في تونس لتطوير الصادرات و التوسع الاقتصادي، و لكنه في الوقت ذاته يفتح الباب امام منافسة شرسة قد لا تتحملها بعض القطاعات التي تحتاج الى اصلاحات هيكلية و تأهيل شامل.
اصلاح منظومة الدعم: يتفق معظم الخبراء ان منظومة الدعم تحتاج الى مراجعة جذرية نظرا لتفاقم ميزانية الصندوق التي أصبحت تشكل عبئا على الدولة، خصوصا ان المحتاجين للدعم لا يستفيدون الا بجزء بسيط من الاعتمادات المرصودة للغرض. و ذلك نظرا لان الاستفادة من الدعم ترتفع بحجم الاستهلاك. وتقوم مقاربة اصلاح الصندوق على تحرير اسعار المواد المدعمة من جهة و استهداف الفئات التي تحتاج الى الدعم من جهة أخرى بتوفير الدعم لها بصفة مباشرة عبر تحويلات دورية تتم عبر حوالات بريدية او عبر الهاتف الجوال او غيرها من الاليات الحديثة. و تحدد الفئات التي سيشملها التعويض المباشر حسب مستوى دخل العائلة. الا ان الدولة تفتقر الى قواعد بيانية دقيقة حول الفئات المهمشة من العائلات المعوزة و تلك التي تعاني من البطالة و التي ينشط أفرادها في القطاع الموازي، لان هذه الفئات لا تنخرط في صناديق الضمان الاجتماعي و لذا يعسر توفير التعويض المباشر لها. و تمهيدا لمشروع اصلاح منظومة الدعم في المستقبل، تنكب الهيئات المعنية على مشروع منظومة معلوماتية متكاملة تحتوي على قواعد بيانية و مراكز معلوماتية مختصة في متابعة و توفير الرعاية و الدعم الاجتماعي المباشر لكل المواطنين بما فيها هذه الفئات المهمشة. و يعتبر هذا شرطا أساسيا لتفعيل عملية الاستهداف التي يتطلبها اصلاح صندوق التعويض و الذي وجب اليوم السيطرة على تكلفته حتى تتمكن الدولة من توجيه جزء من الاعتمادات المرصودة له الى ميزانية التنمية وبالتالي الحد من الحاجة الى الاقتراض.
الخلاصة: بوادر مشجعة بحاجة الى مزيد من الدعم
رغم الوضع المتأزم على المستويين الوطني و الاقليمي، فان عجلة الاقتصاد لم تتوقف منذ الثورة، بل شهدت سنة 2012 نقلة هامة على درب استرجاع عدة مؤشرات لمستواها الايجابي. اذ سجّلت أربعة مؤشرات (النمو، البطالة، الاستثمار، احتياطي العملة الصعبة) من جملة السبع المعتمدة تطورا ايجابيا خلال سنة 2012، في حين تراجعت ثلاثة مؤشرات أخرى (عجز الميزان التجاري، التداين، التضخم). و رغم ان التطور السلبي للمؤشرات الاخيرة يستحق المتابعة و التقويم، الا ان ما يبعث على الارتياح نسبيا هو ارتباط ارتفاع حجم الدين و عجز الميزان التجاري بعودة الاقتصاد للنمو مرة اخرى و باستحثاث نسق الاستثمار الخارجي و تراجع البطالة. كما شهد عجز الميزان التجاري تقلصا في الاشهر الاخيرة مع تطور هام في حجم الصادرات تأكد مع بدية 2013.
و هنا وجب التنبيه الى ان التراجع الملحوظ في الانتاجية و العودة البطيئة لنسق الاستثمار الخاص و تعطّل تنفيذ المشاريع العمومية لا يمكن ان يتمادى دون انعكاسات سلبية على التوازنات العامة للبلاد.
و في الختام، فان مختلف كل مكونات المشهد الوطني، من حكومة و معارضة و مستثمرين و منظمات نقابية، مدعوة الى تجاوز كل العوائق لارساء مناخ من الوفاق والامن و الثقة والتفاؤل. و هذا ما سيكفل تحرير نسق الاستثمار بصفة فعلية و النهوض بانتاجية العنصر البشري. كما لا بد للحوار الوطني خصوصا فيما يتعلق بالشأن الاقتصادي و الاجتماعي أن يخرج من بوتقة التوظيف السياسي الى التحليل الموضوعي و المعمّق و الذي يطرح البدائل العملية حتى يتسنى لنا التوصل الى وفاق حول أنجع الحلول لمختلف الاصلاحات والاستحقاقات التي تنتظر البلاد في عديد المجالات.
د. خليل العميري، هو نائب رئيس المعهد العربي للحوكمة و خبير في الاعلامية و الهندسة المالية. يشغل منذ سنة خطة مكلف بمأمورية لدى كتابة الدولة للهجرة و التونسيين بالخارج أين يشرف على الملف الاقتصادي و الكفاءات و التعاون الدولي. و هو عضو في لجنة المتابعة لمشروع مراجعة مجلة الاستثمار و متحصل على الدكتوراه من الولايات المتحدة سنة 2000.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.