ليس من الغريب في شيء أن يتدفق الجمهور على قاعة عرض ومدرجات دار الثقافة ابن رشيق فكثافة النشاط وتنوعه واستقطابه لكل الشرائح العمرية تقريبا بالاهتمام بكل أنواع الفنون وايلائها الفضاء والموعد المناسبين كفيل بأن يساعد الدار على المحافظة على روادها وعلى استقطاب رواد جدد أغلبهم من الشباب المتحمس للثقافة الملتزمة. ولكن تدفقه مساء الجمعة وإصراره على الالتحاق ومواكبة افتتاح الدورة الثانية من مهرجان حمادي العجيمي للموسيقى البديلة لم يكن عاديا.. صحيح ان اغلبه من الكهول الذين هزّهم الحنين لأيام الشباب عندما كانت حفلات الموسيقى البديلة والأغاني الملتزمة تحاصر وتواجه بالعنف وتبطل في آخر وقت وتهاجمها الشرطة و"تؤنب" مبرمجيها في فضاءاتهم حتى اختصت الفضاءات الجامعية بتقديمها لأنها كانت تقريبا عصية على الشرطة والاخلاص والوفاء للاب الروحي للموسيقى الملتزمة.. ولكن ما اثلج الصدر عند متابعة عروض اليوم الأول من مهرجان حمادي العجيمي الذي التأم يومي 14 و15 جوان الحالي بدار الثقافة ابن رشيق هو وجود الشباب سواء على الركح حيث تم تطعيم اغلب الفرق الملتزمة التي تكونت منذ سبعينات القرن الماضي بأعضاء جدد وبدماء شبابية جديدة وخاصة العازفين او في صفوف الجمهور حيث استفادت الموسيقى البديلة والفرق الملتزمة بتبعات الثورة وأصبحت حفلاتها وصورها وإخبارها تعرض في الفضائيات وقد تعددت هذه الأخيرة في بلادنا وتنوعت مشاربها ولكن كلها تقريبا تحترم الفن الملتزم والموسيقى البديلة وان كان لكل منها الزاوية التي تنظر منها. ان في إطلاق اسم حمادي العجيمي على مهرجان الموسيقى البديلة لمسة وفاء لهذا الرجل الذي ناضل منذ السبعينات بالموسيقى وبالكلمة الحرة عندما كان البعض لا يتجرأ على نطق "الكلمة" والذي افرد مكانا للثقافة البديلة في الساحة الثقافية التونسية ولأغاني الشيخ إمام وقصائد احمد فؤاد نجم وفدوى طوقان ومعين بسيسو وغيرهم وزرع الموسيقى البديلة في عقول الطلبة والمثقفين بصفة عامة. وحمادي العجيمي والكلام هنا لمدير دار الثقافة ابن رشيق ومؤسس المهرجان شكري لطيف وقد خص به "الصباح": "هو رمز من رموز الثقافة البديلة في تونس لذلك لا غرابة في ان يطلق اسمه على هذه التظاهرة التي عرفت دورتها الأولى نجاحا كبيرا تواصل هذه السنة من خلال قبول كل الفرق والمجموعات الموسيقية الملتزمة المشاركة فيها وهذا الجمهور الكبير وفيه من تابع الدورة الفارطة وأحب ما قدمناه وجمهور آخر جديد جاء ليكتشف.. وفي إطلاق اسم حمادي العجيمي على مهرجان الموسيقى البديلة أيضا تخليد لذكراه ودعوة للمحافظة على ارثه الموسيقي والاستلهام من روحه التجديدية والمواصلة على دربه". وحمادي العجيمي ينتمي إلى مدرسة الشيخ إمام وقد كان متيّما بفنه ويعمل بصدق على نشره في تونس وتتبع خطواته ومن غريب الصدف انه توفي بعده بيومين أثناء تحضيره لتظاهرة كبرى يعطي فيها حق هذا الرجل ولكن الموت سبق وهو علينا حق وتاريخ وفاة هذين الرمزين من رموز الموسيقى البديلة (حمادي العجيمي على المستوى الوطني والشيخ أمام على المستوى العربي) هو الذي جعل دار الثقافة ابن رشيق تمزج بينهما في هذه التظاهرة وتدعو شعبان عيسى ابن شقيق الشيخ إمام والسيد المهدي عنبة صاحب كتاب "عشاق بهية" ويقصد بهما احمد فؤاد نجم والشيخ إمام عيسى كضيوف شرف وقد لبيا الدعوة وكان لهما حضور فاعل في اليوم الثاني من التظاهرة. افتتح جمال قلة مهرجان حمادي العجيمي للموسيقى البديلة وغنى "يا عبد الودود" و"الجريدة" وقد صاحبته أمال العجيمي وغنت مجموعة مراد جاد "سفر.. سفر" لمعين بسيسو وتغنت مجموعة أولاد بومخلوف ب"جبال الكافالعالية" و" زرعنا وحصدنا وبالعرق سقينا" أما مجموعة "الحمائم البيض" فقد اختارت ان تقدم أشهر ما تغنت به في السبعينات من أغاني ساهم فيها حمادي العجيمي وعبرت بها المجموعة عما تكنه من أحاسيس الإخلاص والوفاء لهذا المناضل وكان الانطلاق بأغنية كلمات وهي للشاعر منور صمادح. أما اليوم الثاني من هذه التظاهرة فقد خصص كليا لتحية الشيخ إمام عيسى وتغنت مجموعات عيون الكلام ونادي أحباء الشيخ إمام وجمال قلة بأجمل ما تركه لنا من تراث.