الأستاذ عبد الستار المسعودي محامي حركة نداء تونس ورئيسها الباجي قائد السبسي، قضيتين لدى المحكمة الإدارية لإبطال إحالة قانون تحصين الثورة إلى الجلسة العامة في المجلس الوطني التأسيسي. وقال المسعودي في تصريحات اعلامية أن مشروع قانون تحصين الثورة فيه العديد من التجاوزات. وبرر اختصاص القضاء الإداري بنظر هذه الدعوى إلغائيا بأن ما يصدر عن المجلس الوطني التأسيسي من نصوص تشريعية لا يمكن أن يطاله الطعن بدعاوى الإلغاء لغياب الوصف الإداري، في حين تخضع قرارات إحالة مشاريع القوانين إلى تلك المراجعة القضائية لأن تلك القرارات لا تفرز نصوصا تشريعية، ولأنها من صميم العمل الإداري لهيئات المجلس التأسيسي. "الصباح" اتصلت بخبيرين في القانون لمعرفة مدى قانونية اللجوء الى المحكمة الإدارية لإبطال مشروع قانون. يرى الأستاذ حامد النقعاوي رئيس جمعية القانون والتطبيق انه وبالرجوع إلى القرار المطلوب إلغاؤه، والمتمثل في إحالة مشروع قانون تحصين الثورة، "نجد أنه لا يرتب بذاته أي أثر قانوني على مركز الحزب الطاعن أو على وضعية الأشخاص المعنيين بهذا الطعن، ذلك أن كل أثر يمكن تصوره، سوف ينجم عن صدور النص التشريعي الذي قد لا يصدر، فذلك شأن المشرّع صاحب السيادة بتفويض من الشعب." وتساءل:" هل أن اختصاصات المجلس التأسيسي الحصرية تسمح له بإصدار قانون تحصين الثورة، ألا يرجع الأمر إلى السلطة الترتيبية العامة لرئيس الحكومة؟" كما اكد على ضرورة "التمعن في صيغة الفصل 6 من القانون التأسيسي عدد 6 لسنة 2011 الذي ضبط حصرا مجالات تدخل المجلس بنصوص عادية وأخرى تأسيسية." وقال: "لئن كان من حق السلطتين التشريعية والقضائية إصدار مقررات إدارية خارج نطاق وظيفتي التشريع والقضاء، كأن يتعلق الأمر بتنظيم سير العمل، أو انتداب أعوان أو عزلهم، فإن تلك المقررات يجب أن تحمل من الأوصاف ما يجعلها تقبل الطعن بدعوى الإلغاء لتجاوز السلطة." واضاف: "تلك الأوصاف هي شروط المقرر الإداري التي ابتكرها فقه القضاء فالقرار الإداري هو إفصاح الإدارة العمومية عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القانون قصد إحداث مراكز قانونية أو تعديلها أو إلغائها." موضحا ان "من خصائص القرار الإداري، بل ومن شروطه التي ينعدم بانعدامها، أن يكون مستقلا في ترتيب آثاره عن بقية الإجراءات السابقة لصدوره أو اللاحقة له، إذ جاء بحيثيات الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية في القضية عدد 976 بتاريخ 19 أفريل 1985 أنّه "غني عن البيان أن القرار الإداري، وفقا لما استقر عليه الإجتهاد القضائي هو إفصاح الإدارة عن إرادتها الذاتية الملزمة بقصد تحقيق آثار قانونية معينة." ويضيف:" كلّ تصرف من جانبها يعبر عن إرادة أخرى ولا يستحدث بذاته أثرا لا يعد قرارا إداريا". وضرب مثلا على ذلك ما جاء بالحكم الصادر في القضية عدد 2610 بتاريخ 12 جويلية 1991 أن "القرار المطعون فيه قد صدر تنفيذا لقراري الغلق المؤرخين في 22 جويلية 1985 وفي غرة أفريل 1987 وبالتالي فهو ليس بقرار إداري مستقل بذاته من شأنه التأثير في المركز القانوني للمدعي الأمر الذي يفقده مواصفات القرار القابل للطعن بالإلغاء ويجعل الطعن فيه حريا بالقبول". وفسر رئيس جمعية القانون والتطبيق رؤيته بان المحكمة الإدارية اوجبت "أن تترتب عن القرار المذكور آثار من شأنها تعديل المراكز القانونية بصورة فعلية كسلب حق مكتسب أو تعكير حالة مستخدم.." ومن القرارات الإدارية التي لا تولد أثرا قانونيا مباشرا إلاّ بتدخل إضافي من السلطة الإدارية الأعمال التي تهدف إلى إثبات حالة معينة استعدادا لإصدار مقررات إدارية كالقرار القاضي بإجراء فحص طبي، والآراء الإستشارية والمقترحات والمعلومات التي تتبادلها الجهات الإدارية فيما بينها قبل صدور القرار الإداري، والدعوة الرامية إلى المساهمة في اتخاذ إجراءات معينة لا تندرج صلب واجبات المدعوون كالإذن لأحد الموظفين بالإطلاع على ملفه التأديبي. صراع سياسي من جهته علق الأستاذ امين محفوظ الخبير في القانون الدستوري باللجوء الى المحكمة الإدارية لإبطال مشروع قانون تحصين الثورة انه "في غياب دستور وفي غياب محكمة دستورية يحاول الخصوم السياسيون فضّ نزاعاتهم بمنطق الغلبة." وقال:" إذا نبهّ منذ القرن الثامن عشر مونتسكيو، في كتابه "روح القوانين" إلى أن الإستبداد يمكن أن يكون نتاج فرد أو مجموعة فإننا نشهد اليوم استبداد الاغلبية الحاكمة في المجلس التأسيسي. ففي ظل غياب دستور وفي ظل غياب محكمة دستورية تسعى الغالبية المتحكمة في مصيره إلى جرّ البلاد إلى صراعات بين الفرقاء السياسيين لا دخل للشعب التونسي فيها." واوضح ان "كل من هو في موقف ضعف يحاول أن يستعمل كل الآليات المتاحة وغير المتاحة للدفاع عن مواقعه. إذ بعد قيام عدد من النواب بالطعن في قرارات رئيس المجلس التأسيسي المتعلقة بالعمل التأسيسي (وضع الدستور) فتحت شهية البعض الآخر من خلال الطعن في القرارات التي لها علاقة بالعمل التشريعي. ولا تدخل القضايا المنشورة أمام المحكمة الإدارية والتي لها علاقة بمشروع قانون تحصين الثورة إلا في هذا الإطار." لكنه شدد على ان "على الطاعنين إثبات أن طعونهم تتعلق بقرارات منفصلة عن العمل التشريعي أو عن العمل التأسيسي." موضحا ان "المحكمة الإدارية لا تراقب إلا القرارات الإدارية. فليس من حقها مراقبة المشرع أو من باب أولى وأحرى المجلس التأسيسي. كل الأعمال التي لها علاقة بالعمل التشريعي أو بالعمل التأسيسي خارجة عن نطاق اختصاص هذه المحكمة. وقال:" إن المشاكل المطروحة سياسية وحلّها لا يكون إلا سياسيا.."