أثارت هذه القرارات عدة إشكاليات قانونية من حيث الشكل والمضمون تم تداولها في بعض المقالات وبتناولنا للقرارات الأربعة الصادرة عن الرئيس الأول للمحكمة الإدارية بتاريخ 18 أكتوبر 2012 في مادة توقيف تنفيذ قرارات رئيس المجلس الوطني التأسيسي يتضح أنها محل انتقادات من حيث الشكل والمضمون. من حيث الشكل: - تعارض الدعوى مع مبدإ الفصل بين السلط: بناء على المبدإ الدستوري المتعلق بقاعدة تفريق السلط المنصوص عليه بالمطة الخامسة من توطئة القانون التأسيسي المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية والتي تبين أنه " باعتبار المجلس الوطني التأسيسي السلطة الشرعية الأصلية والمكلفة من الشعب التونسي باعداد دستور يحقق أهداف الثورة التونسية وبالاشراف على إدارة شؤون البلاد إلى حين إقرار الدستور وإرساء مؤسسات دائمة." حيث لا ولاية في الفترة الحالية للمحكمة الإدارية في بسط نظرها على ممثلي الشعب والسلطة الشرعية الأصلية وقرارات رئيسها واستغلال هذا الظرف لتوسيع تفسير فقه قضائها في ظل وجود فراغ قانوني ظرفي بغياب قانون ينظم عمل المجلس الوطني التأسيسي . - فيما يتعلق بصفة العارض ومصلحته : تقدّم العارض بالدعوى بناء على صفته مواطنا دافعا للضريبة في غياب أي سند دستوري لذلك خلافا لما كان ينص عليه الفصل 16 من دستور 1959 وباعتبار المرحلة الانتقالية وفي غياب أحكام مثل الفصل المذكور في القانون التأسيسي المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية فإن صفة المواطنة عامة والتي تشمل جميع التونسيين لا تمثل رابطا مباشرا بين موضوع الدعوى والعارض وليس للعارض مصلحة شخصية مباشرة كما دأب على اعتماده فقه قضاء المحكمة الإدارية( انظر قراراتها في القضية 785 لسنة 1983 ). وحيث إن المصلحة في رفع دعوى الإلغاء تتوافر عندما يكون رافعها في حالة قانونية يؤثر فيها القرار المطعون فيه تأثيرا مباشرا حيث تكون له مصلحة شخصية مباشرة في طلب إلغاء هذا القرار." وهذا ما استقر عليه فقه قضاء المحكمة في قراراتها( أنظر على سبيل الذكر القضية عدد 861 لسنة 1984 والقضية عدد 33171 بتاريخ 2003) وكلها تؤكد على المصلحة الشخصية والمباشرة للطاعن؛ وبالتالي ليس للعارض صفة وعدم توفره على شرط المصلحة للقيام بالدعاوى؛ وكان من المتجه رفضها شكلا؛ خاصة أن قرارات إيقاف التنفيذ التي أذنت بها تتضمن انحرافا بفقه قضائها على النحو الذي يشكل خرقا لمبدإ استقرار الفقه القضائي والأمن القانوني. ( وقد اعتبر مجلس الدولة الفرنسي في عديد القضايا حديثا أن الطلب المقدم من دافع الضرائب للدولة لا يجوز بهذه الصفة وحدها وجود مصلحة لإعطائه إمكانية التقاضي والطعن ضد أي قرار إداري ما عدى القرارات المحلية والإقليمية). من جهة مخالفة القرار للقانون: - بخصوص خرق قواعد الاختصاص: من المتفق عليه وهو ما لم تنكره المحكمة الإدارية ، أن الإنفاق العمومي هو من متعلقات السلطة التشريعية باعتبارأن التعهدات والاعتمادات المالية المسندة لأعضاء المجلس في شكل منحة لها أساس قانوني ونصّ عليها المشرع صراحة في قانون المالية والقانون التكميلي للمالية لسنة 2012 ولم يفوض المجلس اختصاصه المالي للرئيس بل اقتصر دور رئيس المجلس على إصدار قرارات تطبيقية لما أعدته وزارة المالية وصادق عليه المجلس وهو ما ينفي دعوى الطاعن باعدام القرارات مع العلم وأن الطعن المتعلق بعدم الاختصاص ليس سببا لانعدام القرارات (الفصل 7 من قانون المحكمة الادارية). - فيما يتعلق بشرط التأكد: طالما لم يثبت ضرر مباشر في جانب القائم بالمطلب وكون تنفيذ القرار سوف لن يتسبب للمدعي في نتائج يصعب تداركها - ذلك أن الحقوق التي يمكن أن تٌكسبها القرارات ليست سببا في ايقاف تنفيذها خاصة أن هذه القرارات محل دعاوى أصلية إضافة إلى أن الأحكام المتعلقة بإيقاف التنفيذ لا تتأسس على التمييز بين القرارات المكسبة والقرارات غيرالمكسبة للحقوق بل على أساس الضرر- فلا يمكن الحديث من الأساس عن قيام حالة شديدة التأكد تبرّر اللجوء إلى توقيف التنفيذ للقرارات الادارية. ( الفصلان 39و40 من قانون المحكمة الادارية). - فيما يتعلق بعدم رجعية القرارات الادارية : إن القرارات المطعون فيها لا تتضمن مساسا بالحقوق المكتسبة ذلك أن المبدأ العام الذي استقرعليه فقه قضاء المحكمة الإدارية ومن ذلك قرارها عدد 693 بتاريخ 15 فيفري 1983" أن عدم انسحاب القرارات الإدارية على الماضي يرمي إلى عدم المساس بالحقوق المكتسبة للأفراد ذلك أن المساس بهذه الحقوق لا يمكن أن يكون إلا بقانون ينص على الأثر الرجعي"؛ وهذه القرارات لا ينطبق عليها مبدأ عدم الرجعية خاصة أن قرارات الزيادات في الأجور بالوظيفة العمومية تكون عادة بأثر رجعي . - فيما يتعلق بنظام تقاعد النواب والمنح البرلمانية : لقد نظم القانون عدد 16 لسنة 1985 نظام تقاعد أعضاء مجلس النواب ، أما المنح المسندة لهم فكانت منظمة بأوامرلم تكن تنشرولا يقع الاقتطاع للضريبة والحيطة الاجتماعية إلا على جزء معين من المنح القارة. ورغم مراجعة رئاسة المجلس لنسب هذه المنح (ما عدى منحة رئيس المجلس التي بقيت على حالها) باعتبار اختلاف عمل كلا المجلسين من حيث إقامتهم المتواصلة بالنزل والتكلفة الباهضة المنجرة عن ذلك وعدد اللجان (20 حاليا مقابل 7 سابقا) وعدد جلساتها الذي تضاعف مرات من حيث التوقيت والعدد وكذلك الجلسة العامة أصبح تواجد النائب مسترسلا كامل أيام الاسبوع وذلك لكون النائب يكون عضوا في عدة لجان وضرورة مواكبته أشغالها وأعمالها والاتصال بالمجتمع المدني والدولي وناخبيه . ورغم جسامة مهامهم فإن رئاسة المجلس حرصت على الإبقاء على نفس نسبة الاقتطاع للحيطة الاجتماعية والتقاعد محافظة على توازن الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية لكي لا ينجرعنه ترفيع آلي لتقاعد النواب القدامى وبالتالي عدم إثقال كاهل هذا الصندوق وليس على النحو الذي تم الادعاء به وبالتالي كان الهدف هو الحفاظ على نفس الاقتطاعات السابقة في انتظار تنظيم قانوني جديد. - بخصوص خرق مبدأ عدم إعسار الدولة: علما أن موقف المحكمة الإدارية يمثل خرقا مباشرا لما استقرعليه فقه قضائها في مادة توقيف تنفيذ المقررات ذات الصبغة المالية من رفض للمطالب استنادا لمبدإ عدم إعسار الدولة،عندما تقررصراحة " حيث طالما أن الأمر بأداء مبلغ مالي والجهة الدائنة هي الدولة ، وهي مليئة وإمكانية استرجاع المبلغ الذي سيقع دفعه إن تبين للمحكمة وجود ما يستوجب النقض حقيقة وبذلك لم يعد من وجه للاستجابة لطلب إيقاف التنفيذ ويتعين بذلك رفض المطلب..." قرارالرئيس الأول للمحكمة الإدارية عدد 431536 بتاريخ 26 جويلية 2004 وفي نفس التوجه قرار الرئيس الأول للمحكمة الإدارية عدد 431477 بتاريخ 31 ماي 2004 وهو ما يشكل مساسا بمبدإ حقوق الدفاع والحق في الأمن القانوني والثقة المشروعة في فقه قضاء المحكمة الادارية. - فيما يتعلق بإخلال المحكمة الإدارية بالإجراءات والآجال : ينص الفصل 41 على أنه تُوجه كتابة المحكمة نسخة من القرار القاضي بتأجيل التنفيذ أو توقيفه إلى الأطراف خلال 24 ساعة الموالية للتصريح به" وحيث إن القرارات صدرت بتارخ 18 أكتوبر 2012 بمكتب الرئيس الأول للمحكمة الإدارية ووردت على مصالح المجلس بتاريخ 22 أكتوبر 2012 أي بتأخير 72 ساعة (يعتبر خرقا لمبدإ التقيد بالآجال المنصوص عليه) مما جعل من القضية قضية رأي عام وقضية سياسية حيث نشرت الصحافة بتاريخ 20 أكتوبر حيثيات قرارات المحكمة الإدارية بتصرف مما شوّه الردود التي قدمها المجلس وذلك قبل 3 أيام من اتصال الطرف الرئيسي في القضية وهو رئيس المجلس بنسخة من قرارات المحكمة ؛ ويفسّر ذلك على أن كتابة المحكمة وجّهت أو سلّمت نسخا من هذه القرارات للمدعي وهذا الأخير مدّ بها الصحافة وهو خلل في مبدإ المساواة في التعامل بين طرفي القضية وفيها إيثار للمدعي على المدعى عليه. وفي الختام وبغض النظر عن هذه المآخذات، فيبدو توجه رئاسة المجلس إلى تطبيق قرارات توقيف التنفيذ (وأملنا أن تكون قرارات المحكمة الإدارية في الأذون الاستعجالية وفي الأصل مبنية على أسس صلبة وفي مستوى ما استقرعليه فقه قضائها). استاذ جامعي ومستشار قانوني مستشارة قانونية