في سعي جاد لمحاصرة ظاهرة العنف الذي استشرى في البلاد.. بادر الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين والمعهد العربي لحقوق الإنسان بتنظيم المؤتمر الوطني لمناهضة العنف والإرهاب بحضور عشرات الأحزاب ومئات منظمات المجتمع المدني.. هذه الظاهرة التي تسرّبت داخل المجتمع وتراكمت لتكتسح اليوم الشارع والفضاءات العامة وحدود البلاد والمؤسسات الإنتاجية اتخذت أشكالا متعددة بدءا بالعنف اللفظي مرورا بالعنف المادي.. الاغتصاب، الاعتصامات العشوائية، التهريب وصولا إلى التهديد بالقتل وحتى القتل.. حيث دفع الشهيد شكري بلعيد حياته ثمنا لصوته العالي المندّد بكل أشكال العنف مثلما هو الشأن للعديد من أعوان الجيش والأمن المرابطين داخل المدن والقرى وعلى الشريط الحدودي ذودا عن حرمة هذا الوطن.. لقد استغل البعض المساجد والجوامع والساحات العامة وبعض الفضاءات الإعلامية للتجييش والتحريض على ممارسة العنف.. و»حجتهم» الوحيدة هي رفض الاختلاف في الرأي وفرض الموقف الأحادي على الآخر وسلبه الحق الجوهري في حرية الرأي والتعبير أو حرية القناعة والضمير. وهذا التراكم في غياب قوانين رادعة بفعل أيادي السلطة المرتعشة تزايد لدرجة أصبحت بلادنا تخزّن فيها الأسلحة وكل الممنوعات المهربة... ويرفع فيها السلاح في وجه العسكري والأمني لفرض نمط جديد على هذا المجتمع تختزله عقلية الإمارة السلفية. إن هذا المؤتمر المناهض لكل أشكال العنف والارهاب والذي طال انتظاره قد يمهّد لميثاق وطني ملزم يقاوم هذه الظاهرة الخطيرة المتفشية في المجتمع ويحدّد ضوابط قانونية وأخلاقية في التعامل مع الآخر... ويكون صمام أمان في وجه كل هذه الظواهر السالبة للحريات وإرادة الشعوب ويجمع أوسع شرائح المجتمع حول مبادئ التعاون والتضامن والتسامح. لكن يبدو أن هذا المؤتمر محكوم عليه بالتعثر منذ لحظة انعقاده.. حيث سجل انسحاب سبعة أحزاب من أشغاله منذ جلسة الافتتاح بعدما اختار بعض المشاركين لغة الإدانة والاقصاء في وجه غيرهم وممارسة العنف ضد أحد الحضور. ورغم ذلك فإن حالة الارتباك التي بلغتها البلاد نتيجة تجاذبات سياسية حادة وآفاق اقتصادية واجتماعية ضبابية تستدعي من كل الفاعلين السياسيين في السلطة والمعارضة وكل أطياف المجتمع المدني أن يحدّدوا قواسم مشتركة بينهم لإدانة كل أشكال العنف والإرهاب والوقوف صدّا أمامها. مع الالتزام بنبذ كل مظاهر الاقصاء تجاه من يختلف مع غيره في الرأي لأن عهد الوصاية انتهى إلى غير رجعة وتكميم الأفواه أصبح من الماضي، إضافة إلى السعي لإنهاء هذه المرحلة الانتقالية بشكل يسمح لأبناء هذا الوطن بالخروج من حالة الضبابية والانتظار التي طالت إلى مرحلة الفعل والإنجاز.