سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ترجمات القرآن أغلبها اختلاسية بعيدة عن الاقتباس الذي يحقق المقصد الإلهي الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمان في المعهد الأعلى للحضارة الإسلامية بجامعة الزيتونة
همّ يوسف الصديق لم يكن دفع الاختلاس وإنّما كان كشف الأصول اليونانية للقرآن التصرف في القول بما لا يوافق إرادة صاحبه عين الاختلاس "القرآن والترجمة" عنوان محاضرة من بين المحاضرات التي ألقاها المفكر الفيلسوف المجدد المغربي طه عبد الرحمان بمدرج محمد الطاهر بن عاشور بالمعهد الأعلى للحضارة الإسلامية بجامعة الزيتونة بتونس والذي زارنا حسب ما صرح به ل" الصباح" تلبية لدعوة وجهها له رئيس الدولة السيد المنصف المرزوقي الذي استضافه ومكنه من تقديم محاضرة في القصر الرئاسي بقرطاج تمحورت حول موضوع " الأخلاق والدين بين الفصل الدهراني والوصل الانتمائي وقد تابعها ودعا لها نخبة من رجال السياسة والفكر والإعلام في تونس. وقد عرض خلالها الفيلسوف طه عبد الرحمان الأنموذج الدهراني في مسلماته العامة وصيغه الأربع، قبل أن يتصدى لعرض الأنموذج الائتماني بمسلماته العامة الثلاث ومبادئه الخمسة لتسديد وتجاوز الأنموذج الأول. وعرج المحاضر على بعض التساؤلات وتوقف عند مفهومه للإيمانية وقال انه أنموذج هو في صدد بنائه ويطمح من خلاله إلى جمع ما شتت الأمة وإعادة ترتيب العلاقة وصياغتها بين الفقه والتصوف وعلم الكلام والفلسفة. ممارسة علمية على كلام عملي افتتح محاضرة "القرآن والترجمة" مدير المعهد الأعلى للحضارة الإسلامية بجامعة الزيتونة السيد محمد الشتيوي وقدم للحضور الفيلسوف طه عبد الرحمان وقال: "انه صاحب إبداع لا نظير له في التراث القديم ولا الحديث وانه مبدع يولد المعنى والمصطلحات كتب عن الفلسفة والترجمة وتحدث عن شروط الترجمة التاصيلية التي تولد معنى جديدا وأجاب عن سؤال هل يمكن ترجمة القرآن الكريم ونحن نعرف ان الترجمة خيانة ولعل تمكن هذا الفيلسوف المغربي من عديد اللغات كالفرنسية والألمانية والانقليزية وبعض اللغات القديمة هو الذي ساعده على الخوض في موضوع الترجمة بامتياز." وللفيلسوف طه عبد الرحمان تصوره الخاص للترجمة وللعلاقة التي تربط بين الترجمة والقرآن اذ يقول: "ان الترجمة عمل علمي وترجمة الخطاب هي ممارسة علمية والخطاب القرآني كلام عملي إذن تكون الترجمة ممارسة علمية على كلام عملي وانطلاقا من قول الله تعالى مخاطبا رسوله عليه الصلاة والسلام "إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا" يتعين ان نسال عن طبيعة هذا الثقل في قول الله تعالى والجواب يقتضي ان نحدد معنى الثقل انطلاقا من الملقي والملقى والملقى عليه والثقل ينجلي في كل واحد من هذه الأركان فالملقي ذات قدسية تتكلم من وراء حجاب الحس وأول صفة نحدد بها الملقي هو انه متعال اما الملقى فهو كلام لا يحصى ولا يبلى ولا يمل ولا ينفك يخلق حيث ما قيل وكلام الله كلام ثقيل ولا متناه. القول الخفيف لا يوضح حمولات القول الثقيل والثقل في الملقى عليه يقصد به جميع العوالم لا عالم الإنسان فقط إذن القرآن قول ثقيل والملقي متعال والملقى لا متناهي والملقى عليه كونية ولكن الترجمة التي يمكن وضعها للقرآن لا يمكن إلا ان تكون قولا خفيفا والقول الخفيف هو ما كان قائله غير متعال ومضمونه لا متناه والترجمة مهما بلغت من الجودة والأمانة لا تستطيع ان تغني عن الأصل اي النص القرآني."وتساءل طه عبد الرحمان كيف يمكن لقول إنسان أعجمي هو اخف من كل خفيف ان يؤدي قولا إلاهيا هو أثقل من كل ثقيل؟ وأكد ان القول الخفيف لا يوضح حمولات القول الثقيل". وإذا كانت الترجمة أداة فانه لا بد من ان نفرق بين نوعين من الأداء.. الأداء الجبريلي نسبة إلى جبريل عليه السلام حامل الوحي إلى الرسل يتولى النقل من الأصل الإلهي خطابا او كتابا او لوحا إلى لغة إنسانية بإذن إلهي خصوصي.. اما النوع الثاني فهو الأداء البروميثي والمترجم البروميتي والكلام للمحاضر: "مترجم مختلس وفي ترجمته انتهاك لحرمة الأصل ويمكن ان يقع في ظلمات البعد التي تتهدد كل المترجمين وقراء الترجمات والسؤال الذي يطرح بالضرورة هنا هو إذا صح ان كل ترجمة للقول الثقيل هي ترجمة بروميثية فكيف يمكن الخروج من ظلمات البعد؟" أغلب ترجمات القرآن اختلاسية وفي ذات المناسبة أعطى الفيلسوف طه عبد الرحمان نظريته في الترجمة وقال إنها عند الآخرين إما حرفية او معنوية أما هو فيرى انها ثلاثة أنواع وان الحرفية يمكن ان تكون حرفية او معنوية إذن ترجمتين حرفيتين وأخرى معنوية وقد ميز هذه الأنواع الثلاثة ووضع لها ثلاثة أسماء قريبة اشتقاقيا الأولى وهي الترجمة التحصيلية وهي التي تلتزم بنقل اللفظ باللفظ والثانية هي التفصيلية وتريد ان تحيط بمعاني النص كلها وتنقل المعنى بالمعنى. أما الثالثة فهي الترجمة التأصيلية وهي التي يدعو إليها... والترجمة التاصيلية هي التي تختص بالتصرف في الأصل لفظا ومعنا وبحكم هذا التصرف ان يفهم المتلقي ما نقل إليه وهي الترجمة التي يمكن ان تمارس على النص القرآني وهذه حسب راية تقي من أخطار الابتعاد والإبعاد، والأولى هي التطاول على القول الثقيل، والاغترار بالإتيان بمثله وممارسة التبديل والتحريف. والثانية وهي أخطار الإبعاد فهي عدم الاستماع، وعدم الكلام، وعدم النظر. ولان الترجمة التاصيلية بالنسبة للقول الثقيل ليست كترجمة القول الخفيف فقد أكد المحاضر على:" ان أغلب ترجمات القرآن "اختلاسية"، وهي بذلك بعيدة عن الاقتباس الذي يحقق المقصد الإلهي من إنزال القرآن وهو هداية الناس وإقناعهم بالإيمان." الصديق ألبس النص القرآني النص اليوناني وخلال حديثه عن الأداء البروميثي نسبة إلى أسطورة بروميثيوس اليونانية وفيها يعمل المترجم على النقل من الأصل الإلهي بغير إذن منه قال طه عبد الرحمان ان الأداء البروميثي وهو اختلاس وانتهاك لحرمة الأصل. ولا مناص لهذا الاختلاس من حمل الأخطاء وارتكابها والوقوع في نقيض المقصود."وأضاف:"ان مثل هذا النوع حصل في تونس حيث طبق يوسف الصديق نظريتي دون ان يشير إلى ذلك او يذكرني في كتابه "القرآن قراءة أخرى وترجمة أخرى". "واعتبر المحاضر أن صديق لم يكن قصده دفع الاختلاس، بل كان أكبر همه هو الكشف عن الأصول اليونانية في النص القرآني، وقال: "حتى ألبس النص القرآني النص اليوناني جاعلا من فصول أحد كتبه عناوين يونانية مثل اللوغوس والكوسموس، والإبيستيمي، والتيوس والدوكسا والإيتوس والأنتروبوس." وأضاف المحاضر أن يوسف صديق عمد إلى حذف آيات الأحكام والاعتبار من أخبار الأنبياء، لأنه حسب اعتقاده لا حاجة للغربي إلى الوعظ والإرشاد ورأى طه عبد الرحمان في هذا " تصرف في القول بما لا يوافق إرادة صاحبه، وانه عين الاختلاس". وشدد طه عبد الرحمن على علامتين تجعلان المترجم ملتزما بتوصيل معنى القرآن الحقيقي، الأولى هي قدرة المترجم على أن يقرأ في قلبه كما يقرأ في كتاب، أي أن يكون متشبعا بالإيمان فلا يحول ولا يزول، فقلبه لوح روحي استحق أن تتنزل الآيات فيه. والثانية أن تتزود روحه بروح ثانية غير الروح الحيوانية، وهي الروح القدسية.