تعقدت الأوضاع في مصر الشقيقة بدرجة فاقت توقعات جل صناع القرار فيها وخارجها.. وبصرف النظر عن سيناريوهات دفع البلاد نحو "حرب أهلية" أو "صراعات دموية طائفية" أو غير ذلك من السيناريوهات "الأمنية" و"العسكرية"، يبدو التسعون مليون مصري مقسمين أكثر من أي وقت مضى بين معسكرين كبيرين.. وسواء نجحت مؤسسات الدولة وقوات الجيش والأمن في السيطرة على الوضعين السياسي والأمني بسرعة أم لا، فإن "مغامرة" إقحام ملايين المتظاهرين في "لعبة الشوارع" كرست انقسام المجتمع المصري إلى قوتين كبيرتين: الأولى بزعامة النخب العلمانية والقبطية وقادة المؤسسة العسكرية والثانية بزعامة الأحزاب والجماعات الاسلامية والسلفية وعلى رأسها حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الاخوان المسلمين.. ومهما حاول "العقلاء" في المعسكرين تهدئة أنصارهم ومناضليهم خلال المرحلة القادمة فإن حجم "التعبئة" الشعبية والأمنية والعسكرية قد يدفع البلاد نحو مواجهات جديدة وخطيرة.. بعضها ديني عقائدي، وبعضها الآخر سياسي أمني، فيما قد تتطور الأمور نحو الإرهاب الذي سيأتي على الأخضر واليابس ويتسبب في سقوط مزيد من القتلى والجرحى الأبرياء من بين المدنيين والساسة المسالمين.. ان مصر باتت مهددة بأن تسير في اتجاه السيناريو الجزائري لمرحلة التسعينات الذي كانت حصيلته 250 ألف قتيل وعشرات آلاف الجرحى والمشردين.. إلى جانب كلفة مالية فاقت ال50 مليار دولار .. من الصعب اليوم بالنسبة لملايين المصريين الذين نزلوا إلى الشوارع للمطالبة بإقالة الرئيس مرسي أن يتراجعوا.. خاصة أن بعضهم أصبح مقتنعا بأن قادة "الاخوان المسلمين" والجماعات السلفية وحلفائها تورطوا خلال العام الماضي في أخطاء بالجملة ضد الأقباط والأطراف العلمانية وحلفائها الاقليميين والأجانب.. في المقابل، يصعب على أكثر من عشرين مليون مصري صوتوا لصالح مرشحي الاخوان المسلمين في انتخابات الرئاسة والتشريعيات والاستفتاءات السابقة أن يقبلوا "الانقلاب على شرعية صندوق الاقتراع ".. وإذا سلمنا جدلا أن قيادات حزب الحرية والعدالة والإخوان المسلمين قبلت الانسحاب، فإن بعض كوادرها وحلفاءها السلفيين قد يشعلون فتائل عديدة للحرب.. وقد يعلنون "الجهاد في سبيل الله" ضد الحكام "الانقلابيين" وضد "المجتمع الكافر أو الجاهلي" على غرار ما جرى مع عدد من الجماعات السلفية المتشددة في مصر خلال الثمانينات والتسعينات ثم في الجزائر خلال "عشرية الارهاب".. بعد إلغاء نتائج انتخابات 26 ديسمبر 1991.. في المقابل قد يتسبب الغاء نتائج انتخابات العام الماضي في دفع مصر نحو السيناريو الفلسطيني حيث تسبب إلغاء نتائج انتخابات المجلس التشريعي لعام 2006 في انفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية وفي انقلاب قادته قوات موالية لحركة "حماس" في غزة.. وإذا كانت الأراضي الفلسطينية المحتلة قسمت منذ 2007 إلى "دولتين فلسطينيتين" تتنازعهما "فتح" و"حماس" فإن مصر قد تقسم الى دويلات عديدة بعضها "قبطي" وبعضها الآخر "سلفي اسلامي".. بعضها "تابع للسلطة المركزية" وبعضها الآخر "إمارات ثورية متمردة".. على الطريقة الأفغانية والباكستانية والصومالية.. سيناريوهات عديدة.. أغلبها قاتم.. فهل ينجح عقلاء مصر وأصدقاؤها في تجنيب بلدهم والمنطقة الزج بشعوب الوطن العربي كله نحو المجهول.. مهما كانت غلطات الساسة الذين استلموا الحكم بعد "الربيع العربي" والذين تأكد أن أغلبهم يفتقر للخبرة والكفاءة والتواضع؟.. وفي كل الحالات لا بد لسلطات الاحتلال الاسرائيلية -وحلفائها الغربيين- ان تدرك انها ستكون المتضرر الاول من فيروس "العنف السياسي" اذا انتشر مجددا في مصر وحولها.. بعد فوهات الامل التي احدثتها ثورات 2011..