جهات عديدة من الجنوب التونسي تشكو العطش نتيجة نقص كبير في موارد الماء، وهي معضلة ما انفكت تتزايد وتتفاقم من سنة إلى أخرى وتقسم البلاد إلى وضعين مختلفين تماما حيث ينعم الشمال بما يتوفر فيه من مياه داخل كافة السدود، بينما يعيش الوسط والجنوب على العطش الدائم نتيجة نقص الأمطار وعدم توفر موارد مائية قارة يمكنها أن تساعد على الحياة والتنمية لسكان تلك الربوع. هذا الواقع الذي عليه جنوب البلاد مثل منذ عشرات السنين الإشكال الرئيسي في البلاد، ومازالت الحلول بخصوص توفير ما يكفي من الماء لمناطق واسعة منه أحد أبرز الصعوبات التي تعاني منها السياسة العامة التي احتارت الدولة في حلها رغم ما يتوفر من سدود في الشمال التونسي. ولعل البارز في مخططات الدولة واستراتيجياتها أنها واعية بخطر نقص المياه في الجنوب التونسي لكنها وعلى الرغم من برامجها من خلال المخططات الخماسية نيتها توفير الماء بالجنوب إلا أنها تستمر في تأجيل جملة البرامج الخاصة بهذا الجانب ليظهر العطش في هذه الجهات كل صيف وتتكرر النداءات حول توفير مستلزمات الماء لكن دون جدوى. ففي السنة الماضية أقرت وزارة الفلاحة برنامجا لحفر آبار عميقة بعديد الجهات لكن ذلك البرنامج مازال معلقا ولم يتم تنفيذ ولو جزء منه، كما أنه تم بالتعاون مع بعض الدول وخاصة منها اليابان وضع خطة لتحلية مياه البحر، لكن يبدو وعلى الرغم من بعث وحدة بصفاقس وأخرى بجربة أن هذه المشاريع صغيرة ولا تفي بالحاجة. وفي جانب أخر تم أيضا وضع خطة لدعم جلب الماء من الشمال التونسي، لكن هذا القرار مازال لم ينفذ رغم ما توفر له من مخططات فنية وأموال كافية لإنجازه. إن إشكالية توفير الماء بكل أنواعه للجنوب التونسي مازالت تمثل عقبة كأداء أمام الحكومات التونسية، وهو أمر يبعث عن الحيرة، خاصة في ظل مظاهر العطش التي باتت تتكرر في كل ستة وتتفاقم مظاهرها لتصل إلى عديد الجهات، ولعل ما حصل في السنة الماضية أكبر دليل على هذا الواقع الصعب الذي بات يهدد أجزاء هامة من البلاد. إن الاستخفاف أو تأجيل الحلول الخاصة بتوفير الماء لمناطق الجنوب التونسي يبقى خطرا يهدد سكان تلك الجهات، وينذر بخطر يداهم البلاد فمتى تتحرك الحكومة وتنكب على انجاز مشاريع لحل هذا الاشكال العويص الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهله أو تأجيله ما دامت تتوقف عليه حياه مئات الآلاف من السكان ولا يمكن الحديث دونه عن تنمية واستقرار.