تونس-الصباح الأسبوعي دخل عادل الدريري الذاكرة الشعبية كأشهر محتال أو نصاب شهدته تونس ،فهذا الرجل أستطاع أن يوقع بآلاف التونسيين الذين أعمى بصيرتهم الطمع و الجشع في شراكه ويلهف بسبب سذاجتهم وغبائهم عشرات المليارات من المليمات... لكن عادل الدريري ذائع الصيت وان جعله الإعلام وعدد الضحايا المهول «إمبراطور الاحتيال» فان غيره كثّر ،وتعتبر جرائم النصب والاحتيال من الجرائم النوعية وغير التقليدية والتي يتطّلب تنفيذها مواصفات بعينها..كما يفترض في الضحية قدرا من السذاجة ، حتى تنطلي عليها ألاعيب المحتال... للاقتراب من ظاهرة النصب والاحتيال أكثر والتي غزت تونس في السنوات الأخيرة وأصبح ضحاياها بالآلاف ،اتصلت «الصباح الأسبوعي» بالدكتور في علم الاجتماع سامي نصر الذي أنجز بحوثا ودراسات حول هذه الجريمة يقول د. سامي نصر «يتسم النصب والاحتيال عن بقيّة الجرائم الأخرى بشيء من الطرافة، منها ما يعود لشخصيّة المحتال وبراعته في إتقان «فن الاحتيال»، ومنها ما يرتبط مباشرة بشخصيّة الضحيّة كالغباء والطمع وحب الاستثراء بطريقة سريعة وغير مكلّفة... فإذا كانت ضحيّة السارق مثلا تسلب ممتلكاتها بغير إرادة منها، فإنّ للنصّاب أو المحتال من الحيل ما يجعل ضحيته يسلّمه بنفسه ما بحوزته باختياره ورضاه. « محتالون لكن أذكياء.. هل للمحتال أو النصاب صفات تميزه عن غيره من البشر وتجعله يراوغ الجميع ويوقع بهم في شركه؟ الدكتور سامي نصر وفي قراءة سوسيولوجية لشخصية النصابين والمحتالين أفادنا «لفهم خصائص جرائم النصب والاحتيال قمنا بجمع 55 قضيّة من هذا النوع تم ارتكابها و تداولتها الصحف التونسيّة، أدين فيها 120 متّهما ومتّهمة وتظهر من خلال قراءتها أهم مميّزات المحتال أو النصّاب والتي نستخلص منها أنه بالنسبة لمعدّل السن، سجلنا هيمنة واضحة للكهول مقارنة بالفئات العمريّة الأخرى، إذ بلغ عددهم ال58 متّهما أي بمعدّل 70.83% من جملة المتّهمين في قضايا التحيّل والنصب وفيما يتعلّق بالجنس فقد لاحظنا ضعف عدد الجرائم المرتكبة من قبل الإناث، إذ لم تتجاوز نسبتها ال 9.16%، وظلّ نشاط تحيّلها مقتصرا على انتحال صفة عرّافة أو المشاركة في التحيّل على المؤسسات والشركات كما أفادنا الدكتور سامي نصر المختص والباحث في علم الاجتماع «يتميّز النصاب أو المحتال على قدرة كبيرة في حسن اختيار الضحية التي تتصف في الأغلب بالسذاجة ومن بين القضايا المسجّلة نجد تلك التي عادة ما يكون طرفها المتحيّل عرّاف أو دقازة حيث عمدت في احدى القضايا الشهيرة عرّافة لابتزاز فتاة وسلبها أموالها،حيث طلبت منها 700 دينار لإرضاء ملك الجان «همروش» وإحضار دجاجة حمراء وقطعة قماش لفك عقدتها المتمثلة في تأخير سن الزواج« ويضيف د. نصر « يتصف المحتال أو النصّاب أيضا بسرعة البداهة واستغلال الظروف المواتية، فأحيانا لا يبحث المتحيّل عن ضحيّته أو عن أسلوبه في التحيّل بل يبقى ينتظر فريسته حتى تأتيه مصادفة، كما يملك المحتال قدرة فائقة على التمثيل وأداء الأدوار الاحتياليّة، و كثيرا ما يراهن في إقناع ضحيّته على مظهره الخارجي كالهندام والإيهام بالثراء... وعموما يتميّز المتحيّلون و النصابون بالذكاء الحاد، حيث يتوقّف نجاحهم على حدّة ذكائهم، وبراعتهم في استعمال الأساليب المتطوّرة والمبتكرة... كما يعتمدون المعرفة الجيّدة بالضحيّة، فمعرفة درجة احتياج الضحيّة الشرط الأساسي لنجاح المتحيّل، فمع تفاقم ظاهرة بطالة خرّيجي الجامعات ولهفتهم على البحث عن الشغل، وجد بعض المتحيّلين فرصتهم في استغلال هذه الفئة رغم مستواها التعليمي» تحيّل باسم وزارة الداخلية.. تصل الجرأة أحيانا بالنصّابين والمحتالين الذين يميلون الى المقامرة والمخاطرة الى انتحال الكثير من الصفات وأخطرها انتحال صفة رجل الأمن..حيث أكّد لنا الدكتور سامي نصر «في السنوات الأخيرة تفشت بشكل واضح ظاهرة انتحال صفة أعوان الأمن للتحيّل على المواطنين واستغلّ بعض المحتالين هذه الوضعيّة لسلب المواطنين، هناك حالات يتم خلالها سلب وسرقة مواطنين بعد تقمّص الجاني صفة عون أمن، كما وصلت جرأة البعض منهم إلى التحيّل عبر انتحال صفة عون أمن أمام مقر وزارة الداخليّة بالعاصمة، إذ عمد متحيّلون في قضية شهيرة إلى إيهام شابين بأنهم أعوان أمن للاستحواذ على حافظة النقود... وأكثر من ذلك تمكّن أربعة شبّان من انتحال صفة دوريّة أمنيّة بعد أن قاموا بسرقة سيارة للغرض» وقد أكّد لنا الدكتور سامي نصر أن هذه الظاهرة زادت بعد الثورة مع الانفلات الأمني وهو ما دفع بوزارة الداخلية مؤخّرا إلى إصدار بيان رسمي تنبّه فيه «رجال الأعمال وأصحاب الشركات والمحلات التجاريّة إلى تعمّد أشخاص يدّعون انتماءهم للمؤسّسة الأمنيّة أو أجهزتها طلب تبرّعات أو إعانات ماديّة أو عرض يوميّات للبيع وغيرها من الخدمات، حيث تعدّ هذه الأعمال من قبيل محاولات التحيّل والابتزاز التي لا علاقة للوزارة بها. وتدعو الوزارة كل من يتعرّض إلى محاولة تحيّل من هذا القبيل إلى الاتصال فورا بأقرب وحدة أمنية» ويختم د. نصر بقوله إن هذا التنوع في الجرائم يدلّ على أن أنواعا جديدة من الجريمة غزت مجتمعنا وهي في سبيلها إلى التوسع و الانتشار مما يفرض تطويقها وملاحقتها منية العرفاوي متحيل باع لسياسي أصواتا وهمية في انتخابات التأسيسي تونس - الصباح الأسبوعي عاش الدكتور سامي نصر تجربة شخصية مع جريمة احتيال ونصب ذهب ضحيتها رجل أعمال كان ينوي أن يصبح سياسيا.. وقد روى لنا تفاصيلها (لكننا نتكتم على ذكر اسم ضحيتها وهو رجل أعمال كوّن حزبا بعد الثورة ويقول د. سامي نصر «شكّلت الأجواء الأمنية المتردّية وعدم استقرار السلطة السياسية والإدارية في الحكومات المتعاقبة بعد 'الثورة' مناخا جيّدا لمزيد انتشار وتجذّر مختلف أشكال جرائم النصب والاحتيال، منها عملية تحيّل على رجل أعمال ومؤسس أحد الأحزاب السياسية التي تكونت بعد الثورة.. اتصل بي هذا الأخير شخصيا قبل انتخابات 23 أكتوبر للانضمام إلى حزبه حديث الولادة، وبحضوري الاجتماع الأوّل (والأخير) فوجئت بتعرّضه لعملية تحيّل طريفة كانت سببا في الانسلاخ عن حزبه قبل الانخراط فيه، إذ استغل أحد المختصين في النصب والاحتيال جهل رجل الأعمال هذا بالعمل السياسي ليتصل به ويعرض عليه خدماته بعد ان قدّم نفسه على انه خبير في هذا المجال وأنه قادر على جلب وتأطير المواطنين ليجعل حزبه فاعلا سياسيا قادرا على كسب الرهان الانتخابي، وأعدّ له في الغرض كتابا به قائمة اسمية لأكثر من 2000 منخرط ويحتوي الاسم الثلاثي لكل منخرط ورقم بطاقة تعريفه وعنوانه وكيفية الاتصال به وفي المقابل تحصّل صاحب الخدمات هذا على مبلغ مالي ضخم، ولكن ما إن شرع مؤسس هذا الحزب في إعداد القوائم الانتخابية حتى اكتشف أنه كان ضحية عملية تحيّل، إذ تبخّر المتحيّل وتبيّن له أن الأكثر من 2000 منخرط كانوا مجرّد شخصيات وهمية لا وجود لها في أرض الواقع»