سمع قيصر الروم بعدل عمر وانتظام الدولة تحت امرته، فبعث برسول يشاهد أحواله ويتعرف أعماله وأقواله، ويرى مبلغ تعلق الشعب به وحبه له، فحضر الرسول إلى المدينة وسأل أهلها: أين الملك؟ فأجابوه: ليس لدينا ملك بل أمير وقد خرج إلى ظاهر المدينة، فذهب إليه رسول قيصر حيث أخبروه فرآه نائما في الشمس على الأرض فوق الرمل وقد وضع درّته (عصاه) كالوسادة والعرق يتصبب من حبينه، فلما رآه على هذه الحالة، وقع الخشوع في قلبه وقال: رجل يهابه الملوك، ولا يقرّ لهم قرار من خشيته وتكون هذه حالته، ولكنك يا عمر عدلت فأمنت فنمت أشهد أن دينكم لحق ولو لا أنني رسول لأسلمت، ولكنني سأعود بعد أن بلغ قيصر الروم ما شاهدت، وأسلم. فهذا السلوك هو زهد في العدل، وقليل من عباد الله، يعدل بمثل ما كان العدل قولا وفعلا في عهد الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وصحابته رضي الله عنهم. إنه عاملنا يا أمير المؤمنين كان عمر بن الخطاب يغتنم موسم الحج ليطلع على أحوال المسلمين وأوضاعهم في سائر المناطق وكان يتجوّل لهذا الغرض بين القوافل الإسلامية ويراقب أحوالها فلاحظ رضي الله عنه أن وفد حمص يغلب عليه الفقر وظاهرهم يدل على الحاجة فاستوقف أحد الصالحين من أهل حمص وقال له: «أكتبوا لي أسماء فقرائكم، فعل ذلك وفي نيّته أن يفرض لهؤلاء شيئا من بيت المال». وفي اليوم الثاني جاؤوه بالقائمة المطلوبة فقال عمر: «انكم كتبتم هنا عمير بن سعد، فمن عمير بن سعد؟» قالوا: «إنه عاملنا يا أمير المؤمنين»، فقال: «أوفقير هو؟»، «أنه أفقر رجل فينا ولا يملك شيئا من حطام الدنيا» فبكى عمر وقال: «الحمد لله الذي وفق عمر لاختيار الصالحين على ولاية أمور المسلمين، أين نحن في هذا العصر من هذا السلوك القويم الصالح؟