بات واضحا أن دول الاتحاد الأوروبي لن تسعى لتسليح المعارضة في سوريا بعد أن تراجع حماسها المعلن قبل فترة، ولا سيما فرنسا وبريطانيا اللتان تستعدان لطرح المسألة رسميا في اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي الذي ستحتضنه غدا العاصمة البلجيكية بروكسيل، والذي يأتي في خضم تداخل المشهد السوري الذي يزداد غموضا وقتامة مع تفاقم صور الموت والخراب والدمار وتراجع آفاق الحل السياسي. على أن الأكيد أن في التطورات الميدانية السورية ودخول الأكراد بقوة على المشهد من شأنه أن يزيد الوضع المعقد أصلا تعقيدا بعد أن لاحت سيناريوهات التقسيم وباتت أقرب من أي وقت مضى بعد أن تمكن الاكراد في بلدة رأس العين على الحدود مع تركيا من طرد مقاتلي جبهة النصرة والاستعداد ربما للإعلان عن انفصالهم عن دمشق... تحرك أغضب الجار التركي ودفعه الى التنديد والوعيد وتحذير أكراد تركيا من مغبة أي تحرك انفصالي ... وبالعودة الى لقاء بروكسيل الذي يأتي بعد فشل السعودية في اقناع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بتسليح المعارضة السورية، فإن الأرجح أن وراء هذا التراجع في موقف باريس عدة أسباب لعل أهمها أن ما يحدث في سوريا لا يمكن أن ينظر اليه بمعزل عما يدور في دول الربيع العربي إجمالا وما حملته تجربة الإسلام السياسي، لا من إخفاقات وإحباط على المستوى الداخلي فحسب، ولكن أيضا - وهذا الأهم - ما سجل على المستوى الإقليمي مع ضعف المؤسسة الأمنية والفشل الذريع في ضمان الأمن على الحدود، بما أدى الى إغراق دول المنطقة بمختلف أنواع السلاح وانتشار الجماعات المسلحة التي وجدت في التحولات الحاصلة منذ نحو سنتين الارضية مهيأة للخروج من المغاور والاقبية وغيرها من المواقع السرية التي كانت تتخفى بها في كهوف تورا بورا وجبال باكستان لتتسرب بطريقة أو بأخرى الى شمال افريقيا وتتحصن بالجزائر وتونس وليبيا. وربما أدرك الأوروبيون ولو متأخرا خطورة التحديات القائمة بعد أن اكتشفوا أن نحو 800 من مواطنيهم يقاتلون في سوريا، بحيث بات السؤال الأكثر الحاحا بالنسبة للمسؤولين الأوروبيين الآن: ما الذي يضمن عدم عودة هؤلاء لاحقا الى أوروبا محملين بأسلحتهم وأفكارهم الجهادية؟.. السعودية اذ تسعى جاهدة لفرض موقع لها في سوريا بعد تراجع الدور القطري منذ الإعلان عن قرار الأمير المنسحب الشيخ حمد التنازل عن السلطة لصالح ابنه تميم رضوخا على الأرجح لضغوطات أمريكية أمام كارثية نتائج الخيارات القطرية التي حضرتها الأموال والتمويلات وغابت عنها المخططات الاستراتيجية الواقعية، لا يبدو أنها نأت بنفسها عن خيارات الجار القطري في الإصرار على تسليح المعارضة الى غاية اسقاط الأسد... خيار يبدو أن الاتحاد الأوروبي أسقطه من أولوياته وبات شعار المرحلة أن لا حل عسكريّ يطغى على الحل السياسي في سوريا، ولكن الأهم من كل ذلك من سيتولى تفعيل الحل السياسي، وهل سيكون الأسد جزءا من الحل؟ سوريا اليوم على مفترق طرق بين سندان حرب أهلية مدمرة توشك أن تأتي على الاخضر واليابس بين معارضة مشتتة سياسيا وعسكريا واستراتيجيا لم تقنع الخارج وفشلت في اقناع شريحة واسعة من السوريين في الداخل، وبين نظام أفلس يدرك الجميع - موالاة كانوا أو معارضة - أنه من أسوإ الدكتاتوريات المتبقية، ولكن الكل يعترف سرا أو علانية بأن الخيارات المتبقية أمام السوريين الذين تمردوا على الظلم والاستبداد لم تعد واضحة في ظل تداخل المشهد القائم في سوريا الغارقة في دماء أبنائها بعد ان تحول البلد الى مرتع ل»القاعدة» وأخواتها من التنظيمات المسلحة الإرهابية... في انتظار الحل المؤجل يبقى الشيء المؤكد هو أن معاناة السوريين في رحلة التشرد والملاجئ داخل سوريا وعلى الحدود أكبر من أن يدركها المجتمعون خلف الأبواب الموصدة في القاعات المرفهة ببروكسيل والرياض وغيرها، وهي معاناة سيسجل التاريخ معها موت الضمير الانساني وفشل المجتمع الدولي بمؤسساته ومنظماته وقوانينه في حماية الشعب السوري بأطفاله ونسائه وشبابه.