نحتفل غدا بالذكرى 56 لإعلان الجمهورية: أين نحن من قيم الجمهورية؟ أين نحن من مدنية الدولة ؟ ومن الأمن الجمهوري؟ من المساواة ؟ من الحقوق الكونية ؟ من ضمان الحقوق والحريات؟ واين نحن من كل تلك المضامين والقيم التي نلمس اليوم تراجعها.؟ فالواقع الراهن يجر الى هذه التساؤلات على اعتبار أن مسودة الدستور محل لعديد التجاذبات والحدث الذي يميز الاحتفال هذه السنة هو البادرة الأولى من نوعها المتمثلة في الحملة التي أطلقتها تنسيقية الدفاع عن قيم المواطنة تحت شعار "نرفعو العلم في عيد الجمهورية " فوق كل المنازل احتفالا بهذه الذكرى وقد اعتبرت التنسيقية وفق ما جاء في بلاغ صادر لها "أن الجمهورية فيض قيم ومبادئ وهي الشيء العمومي المشترك بين مواطنين ومواطنات يجمعهم قانون واحد و موحد..." وهي خطوة يستقرأ منها أن القصد هو تثبيت العلم والهوية التونسية.. ويوضح عبد الباسط بلحسن رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان في تصريح ل"الصباح" أن عيد الجمهورية يجب أن يكون مناسبة للعودة إلى ما تحقق منذ إعلان الجمهورية سواء في مجال بناء الدولة الحديثة أو في مجال تطوير سياسات التعليم والصحة والحقوق التي ضمنت لبعض الفئات مثل النساء والأطفال ومن ثمة التعرف على الأشياء التي لم تنجز. وبين بلحسن أن زمن الاستبداد اتسم بضرب للحريات الفردية وبعدم بناء سياسة للعدالة الاجتماعية والجهوية. مكاسب ولكنها هشة... ويبرز التقييم الأولي لما بعد الثورة وفقا لما أدلى به رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان أن بعضا من الحريات التي افتكها الشعب التونسي والتي تتمثل في حرية الرأي والتعبير وعمل الأحزاب هي كلها مكاسب ولكنها تبقى هشة وقابلة للانتكاس إذا لم يقع دعمها بمجموعة من الضمانات تكون مطمئنة وواضحة في الدستور المرتقب. وان تقام المؤسسات الديمقراطية التي تضمن حمايتها وان يقع إصلاح المؤسسات والقوانين والاهتمام كذلك ببعض القضايا التي همشت مثل العدالة الانتقالية وقضايا التشغيل والعدالة بين الجهات وغيرها من قضايا التنمية وخلص بلحسن إلى القول:"نحن في مرحلة تستوجب الخروج من منطق الهيمنة والتجاذبات السياسية والعودة إلى المطلب الأساسي وهو بناء جمهورية العدالة الاجتماعية والحريات." الحرية والمواطنة من جهة أخرى أوضح جوهر بن مبارك رئيس شبكة دستورنا في تصريح ل "الصباح" انه عقب الثورة ساد شعور بعودة حقيقية لقيم الجمهورية والقيم المرتبطة بها لاسيما قيمتي الحرية والمواطنة اللذين يعتبران قيمتين أساسيتين في نظام جمهوري مشيرا إلى انه تاريخيا برزت الجمهورية بعد الانتقال من مرحلة الحكم لرعايا إلى الحكم لمواطنين. وأضاف انه بعد الثورة "شعرنا بان هذه القيم عادت وهو ما تجسد من خلال حرية الرأي والإعلام وتأسيس الجمعيات والتاطير بعد سنتين من قيام الثورة ." ويستدرك بن مبارك وقال:" بأننا نلمس ولأول مرة في تاريخ تونس اكبر تشكيك في الجمهورية إذ يقع ولأول مرة تشكيك بجزء من القيم المرتبطة بفكر الجمهورية". مفسرا أن التشكيك ليس متأتيا من مجموعات سياسية تدعو علنا إلى القضاء على النظام الجمهوري على غرار السلفية الجهادية وإنما هو متأت من داخل الحزب الحاكم ومن داخل الدولة مستشهدا في هذا السياق بالتصريح الذي كان قد أدلى به رئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي حول الخلافة السادسة وهو ما يمثل نوعا من الارتداد عن قيم الجمهورية. نعيش مفارقة؟؟ وحسب رئيس شبكة دستورنا يعبر الحزب الحاكم عن تحفظات أساسية تهم توسيع مجال الحريات وتدعيم قيم المواطنة، مشيرا إلى أنه حتى النقاش العام الذي طال مسودة الدستور كشف عن أن جزءا من النواب يشككون في قيم الجمهورية والمدنية والحرية وبالتالي فإننا نعيش مفارقة بين الثورة التي أعادت قيم الجمهورية إلى المقدمة وبين التأخر اليوم في هذه القيم. واعتبر بن مبارك ذلك بمثابة المعركة التي لا بد أن تخاض إذ لا بد للجمهورية أن تفرض عبر إرادة حقيقية للشعب كما انه على الطبقة السياسية أن تؤمن بقيم الجمهورية موضحا أن هذه الأخيرة تمثل الأرضية الأساسية التي لابد أن تلتقي عليها الطبقة السياسية.