تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زخم كبير.. إلى أين؟
النسيج العمراني بالعاصمة
نشر في الصباح يوم 08 - 04 - 2008


مختصون في تخطيط المدن ل"الصباح"
*العاصمة تختنق.. وتعاني من آثار البناء الفوضوي وهي لا تحتمل المزيد
*مخططو المدن قادرون على توجيه البلديات إلى القرارات الصائبة عند التعمير
الحمامات - الصباح: عديدة هي الإشكاليات التي تعاني منها العاصمة.. فالقاطنون فيها يتذمرون من حالة الاكتظاظ الشديد التي تشهدها طرقاتها على الدوام ودون هوادة.. ومن كثرة البناء الفوضوي الذي يطوّق الأحياء السكنية في لمح البصر ودون سابق تخطيط أو إعلام.. ومن معضلة الفيضانات التي تغرق منازلهم وتتلف أمتعتهم كلما تساقط الغيث..
ولكن رغم ذلك مازالت العاصمة تتسع.. مازالت تفتح ذراعيها مرحبة بالمشاريع الجديدة.. مازالت تمد جذورها نحو الشمال والشرق والغرب والجنوب إلى درجة تجعل البعض يتوقع أنه في وقت قريب سنشاهد على الخريطة مدينة واحدة تمتد على ولايات تونس وبن عروس وأريانة ومنوبة ونابل وزغوان وبنزرت وباجة..
هذه الإشكاليات تثير جدلا كبيرا في أوساط المختصين في تخطيط المدن.. فهم يمتلكون خبرات كافية تجعلهم قادرين على مساعدة البلديات على الاختيار الصائب حتى لا يتسبب التعمير في ظهور سلبيات على المدى المتوسط أو البعيد.. فهم يخططون على مدى ثلاثين سنة كاملة..
"الصباح" تحدثت إلى عدد منهم إذ كان لها لقاء مع رئيس الجمعية التونسية لمخططي المدن الذي استفسرناه عن الدور الذي يمكن أن يضطلع به مخطط المدن في التهيئة العمرانية وفي مساعدة البلديات على الاختيار المناسب لتشييد المساكن قصد تجنب مشاكل يستعصى حلها على غرار الفيضانات. كما التقينا غيره من المختصين في تخطيط المدن خلال لقاء علمي جمعهم بطلبة الاختصاص نظمته الجمعية موفى الأسبوع الماضي بمدينة الحمامات.. واستفسرناهم عن الآثار المحتملة للتوسع العمراني الذي تشهده العاصمة خاصة بعد الإعلان عن نية بعث عدد من المشاريع الضخمة على غرار سماء دبي ومدينة الورد..
دور مخطط المدن
قال السيد مرشد الشابي رئيس الجمعية إن دور مخطط المدن يتمثل في تحسيس البلديات بالعواقب الوخيمة التي تنجر عن البناء غير المستديم وفي توجيهها في مرحلة القيام بالتقاسيم.. وذكر أن بعض البلديات لا تأخذ بعين الاعتبار النسبة التي تتعلق بالتجهيزات الاجتماعية وهي لا تخصص لها الرقعة الترابية المناسبة.. كما أنها تتجاهل بعض الأمور الأخرى حتى ما يتعلق منها بحماية المحيط. وقال "يمكن لمخطط المدن أن يوجه البلدية وعديد المتدخلين الآخرين فنظرا لأن مخطط المدن يعد مثال التهيئة فيمكنه أن يرشد البلدية عند القيام بالاختيارات الكبرى انطلاقا من معطيات موضوعية"..
ويحتوي مثال التهيئة على عدة عناصر منها مرحلة التقييم التي يمكن لمخطط المدن أن يشارك فيها بأفكاره ومقترحاته.. فعلى سبيل المثال يجب تجنب المناطق الفلاحيّة عند تشييد المساكن.. وهي مناطق بطبيعتها محميّة ولكن تحصل أحيانا بعض التجاوزات..
جدوى الخبرة
دعا مرشد الشابي البلديات إلى الاستفادة من خبرات المخططين الشبان وبين الإشكالية المطروحة الآن هي أن معدل عمر المخططين يتراوح بين 50 و60 بالمائة لذلك تم التفكير في تشبيب المهنة وقد تخرجت الدفعة الأولى من مخططي المدن العام الماضي وتم انتداب بعضهم في البلديات أو الولايات أو مكاتب الدراسات الخاصة.. وقال إن البلديات ومثلما تنتدب مهندسين معماريين فعليها أن تنتدب مخططي مدن.. لأن المهندس المعماري يفكر في البنايات ولكن مخطط المدن له نظرة أشمل تهم كامل المنطقة العمرانية..وهو نفس ما أشار إليه السيد عيسى البكوش الذي شدد على ضرورة الاعتماد على مخططي المدن وقال إنه على البلديات الاستناد إلى خبراتهم وعدم الاقتصار على المهندسين المعماريين والاعتبار من أخطاء الماضي لتجنبها.. فعند تشييد النصر لم يقع احترام حتى مجاري الأودية ولم يقع اعتبار تاريخ المنطقة وبنيت المساكن في منحدر. ونجد الآن في العاصمة مشكلة عويصة وهي مشكلة النقل نظرا لأن عدد السيارات يرتفع من سنة إلى أخرى لكن عدد المآوي بقي محدودا..
وفي نفس الصدد يقول الطالب نبيل علجان الذي يزاول دراسته بالسنة الثانية من المرحلة الثانية مخطط مدن شعبة تعمير وتهيئة أن خريج هذا الاختصاص يمتلك الكثير من المعلومات والخبرة التي تفيد البلديات.. ودعا في هذا الصدد كل البلديات للعمل على انتداب مخطط مدن قار.
وقال البكوش إنه لما كان طالبا أجرى بحثه الجامعي حول حي ينقز بأريانة الذي أصبح فيما بعد يسمى حي المستقبل. وذكر أن وجوده على رأس بلدية أريانة في فترة من الفترات جعله يراقب ديناميكية العمران في الجهة وشاهدا على التطورات التي وقعت فيها وخاصة حي ينقز وحي الليل.. وقال "وجدنا حلا لمشكلة حي ينقز لأن مبانيها شيّدت على حبس للفقراء والمساكين.. وبما أن سكانها فقراء فقد تم تمكينهم من ملكية الأرض. وبالنسبة لسكان حي الليل فقد تم نقلهم إلى مساكن أخرى.. وكذا علاجنا مشكلة البناء التلقائي والعشوائي في المنطقة"..
المباني البلورية
وعن سؤال يتعلق بالتقليعات الجديدة المتبعة حاليا في تشييد المباني وخاصة البناء العمودي والواجهات البلورية بين مرشد الشابي أن البناء العمودي يختلف من عمارة إلى أخرى فالعمودي بعد أن يتجاوز عددا معينا من الطوابق تصبح صيانته صعبة كما أنه لا يتماشى مع التقاليد التونسية.
وعن الواجهات البلورية التي أصبحت موضة هذا العصر ذكر أن استعمال هذه الواجهات البلورية يعد كارثة كبرى لأن المباني تستهلك كميات ضخمة من الطاقة وهو أمر يتنافى مع حرص البلاد على التحكم في استهلاك الطاقة.. ووجه الخبير نداء للمعماريين يدعوهم فيه إلى تجنب مثل هذه المباني التي تنتفي مع شروط الاستدامة خاصة أن تونس تواجه حاليا معضلة ارتفاع أسعار الطاقة.. وذكر أنه لا بد من اتخاذ إجراءات للحد من هذه الظاهرة التي تعد على حد قوله "كارثة" .. ويضيف "ما الفائدة في اعتماد تسخين الماء بالطاقة الشمسية واستعمال الفوانيس المقتصدة للطاقة في المساكن في وقت نجد فيه عمارات من هذا النوع تستهلك كميات ضخمة من الطاقة"..
ونفس هذا الأمر حدثتنا عنه الجامعية سنية فندري القادمة من مدينة صفاقس في لقاء خاطف معها وبينت أن هناك انتشارا ملفتا للانتباه للمباني البلورية وهي شديدة الاستهلاك للطاقة..
ناطحات السحاب
عن المشاريع العمرانية الجديدة وناطحات السحاب المبرمج بعثها في العاصمة بين الخبير مرشد الشابي أنها ذات طابع أمريكي خالص.. طابع أنقلو - سكسوني من حيث النمط الهندسي.. وذكر أنّ الأمريكيين أنفسهم لا يحبذون اليوم تشييد المباني الشاهقة وناطحات السحاب وهم يعملون على تقليص الكثافة السكنية من حيث الارتفاع..
وذكر محدثنا أن التونسي أثبت أنه لا يفضل السكن في العمودي حيث لا يتجاوز عدد القاطنين بالعمارات 9 بالمائة وتبلغ نسبتهم بالعاصمة 20 بالمائة وهو أمر يجب أخذه بعين الاعتبار عند تشييد المشاريع السكنية الجديدة..
وفي نفس الإطار تقول الجامعية سنية فندري "هناك مناطق لا تكون فيها طلبات السكن كثيرة فلماذا تقام فيها عمارات شاهقة.. ففي صفاقس لا يستدعي الأمر بناء عمارات بعشر طوابق مثلا لذلك يجب تطبيق كراس الشروط على جميع البنايات التي تقام واحترام التراث المعماري التونسي والتراث المعماري الذي تتميز به كل جهة".
الأحياء الشعبية والبناء الفوضوي
وعن المشاريع العمرانية التي كان الهدف منها تهذيب العاصمة أو الحد من البناء الفوضوي حدثنا السيد مرشد الشابي أن الدولة أنفقت على مشاريع تهذيب الأحياء الشعبية قرابة 200 مليار وأن عمليات التهذيب نجم عنها تحسين ظروف عيش الناس.. وعن مشكلة البناء الفوضوي بين محدثنا أنه كانت هناك مرحلتان أساسيتان فالبداية كانت بالرغبة في القضاء على الأكواخ في الستينات وتم ذلك بإتباع سياسة شرسة في هدم الأحياء القصديرية وإرجاع سكانها عنوة إلى الأرياف التي نزحوا منها وهو خطأ كبير لذلك لم تنجح هذه السياسة الزجرية في القضاء على الأكواخ والأحياء القصديرية التي تطوق العاصمة.
وذكر أن منطقة بورجل مثلا كانت في السابق مصبا لفضلات العاصمة ومصدرا لعيش البرباشة ولتحسين ظروف عيشهم تم ترحيلهم إلى حي الخضراء أو إرجاعهم إلى مواطنهم..
وبعد الأحياء القصديرية ظهر جيل آخر من الأحياء وهي مبنية من الصلب "الكنتول".. وحينما اهتمت الدولة بالشرائح الاجتماعية المتوسطة والفقراء كان ذلك سببا في ظهور جيل ثان من الأحياء على غرار حي التضامن ودوار هيشر.. وتم الآن القضاء على البناء البدائي ولم تبق منه إلا نسبة قليلة.. ويحتوي رصيدنا السكني على 2 فاصل 5 مليون مسكن نجد 1 بالمائة منها فقط مساكن بدائية..
وبدأت في التسعينات مرحلة ثالثة وتتعلق بتهذيب الأحياء الشعبية التي كانت تسمى أحياء عشوائية وفوضوية.. وذلك ببعث شبكات الطرقات وقنوات التطهير والماء الصالح للشراب والكهرباء وتم منح الكثير من سكانها مساعدات مالية لتحسين مظهر منازلهم.. ولم تقتصر سياسة التهذيب هذه على عدد قليل من المساكن بل مست 650 حيا سكنيا..
ولاحظ محدثنا أن هناك جيلا رابعا من البناء الفوضوي يتطور حاليا في مناطق تقع على مقربة من النسيج العمراني بالعاصمة على بعد 20 أو 25 كلم فقط وذكر أنه لا بد من لفت انتباه المسؤولين لهذه الظاهرة الخطيرة لأنها ستبدد المساحات الزراعية.. وتوجد هذه البنايات خاصة على مقربة من طريق مجاز الباب.. ونجد هناك نواتات سكنية فيها 50 أو 70 مسكنا.. وتوجد كذلك في طريق أوتيك حيث تنتشر المساكن على مقربة من المصانع.. وستؤثر هذه الوحدات السكنية على المشروع السكني المستقبلي على مدى طويل والمتمثل في تكوين قطب سكني كبير يحتوي على ولايات تونس الكبرى وبنزرت ونابل وزغوان.. وإذا تمادى الناس في مثل هذا البناء ستكون هناك في المستقبل مشكلة عويصة والملفت للانتباه أنهم يشيدون المساكن دون رخص.. ولكن بعد تشييدها تعمل الدولة على توفير المرافق اللازمة لهذه المساكن وتوفر لها خدمات النقل العمومي وستكون نتائج مثل هذه المضاربات العقارية وخيمة جدا على المجال الفلاحي نظرا لزحف المساكن على المزارع الفلاحية..
وذكر أن المشروع السكني المنتظر والتحولات العمرانية التي ستشهدها العاصمة سيترتب عليها اتخاذ قرارات تنظيمية من الناحية المؤسساتية لأن القطب العمراني سيشمل 7 ولايات وأكثر من ثمانين بلدية.. والسؤال المطروح اليوم هو كيف سيتم التنسيق بين كل هذه الأطراف لتحقيق نسيج عمراني متوازن؟
عاصمة جديدة
تحدث عيسى البكوش عن النهضة العمرانية التي شهدتها تونس خلال العشرين سنة الماضية وبين أنها تذكر بالعهد الحفصي وخاصة عهد المستنصر الذي تميز بزخامة العمران.
وبين أن المشاريع العمرانية جعلت مدينة تونس عاصمة البلاد وقال: "لكن هذا لا يمنعنا من القول إنه حان الوقت للتفكير في عاصمة جديدة في آفاق عام 1930.. فعاصمة تونس عمرها الآن قرابة 8 قرون ويمكن أن تبق عاصمة للحراك الفكري والثقافي لكن هل ستتحمل مستقبلا الحراك الاقتصادي والاجتماعي؟". وذكر أن هناك دولا أخرى غيرت عواصمها وأوجدت عواصم جديدة مثل نيجيريا والبرازيل وغيرها وفي تونس نجد صفاقس عاصمة اقتصادية.. وفي بلدان أخرى توجد عاصمة إدارية وعاصمة اقتصادية وعاصمة ثقافية وعاصمة سياسية....
واقترح البكوش أن تكون العاصمة الجديدة في مدينة النفيضة لأنها تقع في مفترق الطرقات وسيكون فيها أكبر مطار ومرفأ. وبين أنه من واجب مخططي المدن الاستشراف وتصور تونس عام 2030 وأن تعملق مدينة تونس بالمشاريع الجديدة جعلها مكتملة لذلك لا بد من التفكير في إمكانيات أخرى للتوسع ولا بد من التفكير في طرقات فسيحة.. فالمدن ليست للعمل والترفيه والتثقيف بل لها وظائف متعددة ولا بد أن تكون هذه الوظائف مكتملة وتجنب إشكاليات المرور والنقل وما ينجر عن الازدحام من ضغوطات نفسية.. فالسكن في المدينة نعمة لكن حينما يجد المواطن صعوبة في الوصول إلى الخدمات فهذا يجعل الإقامة في المدينة نقمة. فالآن يمكن التفكير في بعث مدن أخرى لأن امتداد مدينة تونس يولّد مشكلة الاكتظاظ كما أن العملقة ليست محبذة على غرار ما هو الحال في القاهرة حاليا فالناس يهربون من المدن العملاقة ويفضلون الهجرة إلى مدن صغيرة بحثا عن الذات لأنه يصعب البروز في مدن عملاقة.. لذلك يمكن أن تبقى تونس عاصمة ثقافية وعاصمة علمية لأنها تأوي الزيتونة والصادقية وعديد المعالم الخالدة ومدينة الثقافة.. فالثقافة تتجسم في العمران والمعمار..ويعد ابن خلدون رائد العمران الحديث.. فهذا الرجل الذي نشأ في التربة التونسية والمدينة الحفصية تولد لديه الشغف بالمدن وبالتخطيط واعتبره العالم جميعا المرجع الأساسي في تخطيط المدن.. وبذلك فإن تونس لها امتداد تاريخي في تخطيط المدن.. ويجب أن نسوق الوصفة التونسية في تخطيط المدن.. ويجب أن تكون هناك مرجعية للشبان في تخطيط المدن لتجنب الأخطاء"..
مدينة الورد
وعن سؤال يتعلق بمشروع مدينة الورد بين البكوش أن سبخة أريانة ستكون مشابهة للبندقية وعبر عن أمله في أن يتم الأخذ بعين الاعتبار آراء أهل الذكر من الجغرافيين والبيئيين وغيرهم..
وقال "يسرني أن تصبح أريانة بلاد الورد فالورد في أريانة يعد رمزا.. ويعد هذا المشروع تكريما لأريانة..ويفخر سكان أريانة بأن تكون مدينتهم ذات بعد كوني.. خاصة أن معمارها مريح للعين وهادئ.. ونرغب في أن تحافظ بعض المدن على طابعها المعماري وتحافظ على خصوصياتها فالعولمة ليست ثرية إلا بالخصوصيات.. ويتمثل طموحنا كمخططي مدن في أن نساهم في نحت الإنسان الجديد كرؤية وثقافة ومدينة ومعمار مع احترام الطبيعة والتجاوب معها لإيجاد التوازن العمراني المنشود نريد أن نأخذ من الطبيعة ولا ننتهكها حتى لا ترد الفعل بعنف وقد لاحظنا ذلك خلال الفيضانات.. فنتائج التغيرات المناخية ثقيلة..
وخلص محدثنا إلى أن "مخطط المدن ينجذب إلى العهد الحفصي ففي عصر أبو زكرياء الحفصي نشأ سوق العطارين ومدرسة السليمانية كما لو أن الحفصيين أرادوا أن يوجدوا تونسيا جديدا مثقفا ومرفها.. نجد في مدينة تونس العمق التاريخي والبعد الإنساني وإحترام الطقوس فهي تلتفت إلى الداخل وليس الخارج فمساكنها من الخارج مطلية بنفس الطلاء ولا يوجد فرق بين مساكن الأغنياء ومساكن الأثرياء ولم يكن هناك تباه بينهم..
كما أن المدينة الأوروبية كانت حلوة ففيها زخرف لكنه ليس بجارح للعين.. فلماذا لم تقع المحافظة على العمران الأوروبي الفرنسي والايطالي والمالطي في تونس ولماذا تم تعويض البنايات التي تداعت للسقوط بأخرى لها طابع مختلف.. يجب المحافظة عليها لأنها جزء من تاريخ البلاد.. ويجب أن يبرز الزخم الحضاري في مدننا ومعالمنا"..
وفي نفس السياق يقول السيد محمد الشايبي المهندس المعماري إن المعمار الحالي أصبح يفرق ولا يجمع.. فالمباني الجديدة أصبحت تشيد للأغنياء وليس للفقراء ومحدودي الدخل وستساهم هذه التفرقة على حد قوله في حصول عديد المشاكل. وذكر أن الفقراء والأغنياء كانوا في ما مضى يقطنون في حي واحد وأن الواجهات الخارجية للمساكن كانت متشابهة وأحيانا متماثلة وهو ما يسهل التعايش بين الطرفين لكن اليوم توجد أحياء للفقراء وأخرى للمترفين..
سما دبي ومشاكل النقل
ومع ارتفاع عدد السيارات ستصبح معضلة النقل العمومي داخل العاصمة أكثر تعقيدا.. وفي هذا الصدد حدثنا الخبير حسن عبيد مخطط مدن اختصاص نقل عن انعكاسات مشروع سما دبي الضخم المزمع انجازه على حركة المرور. وذكر أنه أنجز دراسة في أفق 2018 وافترض أن يكون المشروع كاملا وتم إيواء المتساكنين في العمارات العملاقة.. وذكر أن انعكاسات مشروع سما دبي على النقل ستكون كبيرة وخاصة على الطرقات المحاذية للمشروع وستكون حركة المرور في الطرقات المتجهة نحو العاصمة أكثر بكثير من الخارجة منها لأن المشروع سيستقطب الكثير من الزوار. وسيساهم المشروع في توازن حركة المرور في طرقات مجاورة خاصة الطريق الشمالي الجنوبي.
وبين محدثنا أن مشاريع وزارة التجهيز والإسكان والتهيئة الترابية ستقلص من حدة الاكتظاظ ولكن يجب إضافة مشاريع جديدة لإزالة المخاوف المتعلقة بالنقل ولتخفيف الضغط. وبين أن المشروع سيضاعف حركة المرور على طريق زاد 4 والطريق الموازي لمحمد الخامس خاصة على مستوى جسر الجمهورية وسيضاعف المشروع من حركة المرور ساعة الذروة الصباحية على الطريق الشمالي الجنوبي وعلى امتداد طريق المخرج الغربي قرب جبل الجلود وقبل بلوغ جسر الجمهورية وهو طريق يسمى اليوم الطريق بين البلديات الجنوبية.. وذكر أن هناك مشروع لربط المشروع مع المدخل الرئيسي وسيساهم ذلك في استيعاب حركة المرور مباشرة نحو المشروع وعند الخروج من تونس..
ولاحظ أن الفرضيات تشير إلى أن النقل الجماعي سيظفر بنسبة 40 بالمائة من حركة المرور والبقية للنقل الفردي..
الحديث مع مخططي المدن كان ثريا.. والاستماع إلى محاضرات قدمها الأساتذة سامي يسين التركي وهند بن عثمان باشا وسنية الفندري وعلي محجوب وألفة بن مدين وحسن عبيد وغيرهم كان مفيدا لطلبة الاختصاص..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.