انتظر التونسيون موسم المهرجانات الصيفية الجهويّة والوطنيّة والدولية وهبّوا بالآلاف تشيعا منهم للحياة. ليلة أول أمس بالذات امتلأت مدارج المسرح الأثري بقرطاج وتفاعلت الجماهير بالآلاف مع أغاني الفنانة الفرنسية "باتريسيا كاس "التي قدمت في الدورة الجديدة لمهرجان قرطاج الدولي تحية للفنانة الراحلة "إيديت بياف" بعد مرور خمسين عاما على رحيلها. كانت ليلة سعيدة جدا وحالمة. الحضور انتشى بالموسيقى الراقية والآداء الجميل والكلمات المؤثرة. نفس الشيء تقريبا حدث بالمسرح البلدي الذي غصّ بالجماهير بمناسبة عرض الحضرة للفاضل الجزيري في إطار مهرجان المدينة. وفي كل مدينة وفي كل قرية تقريبا تنتظم المهرجانات والسهرات الرمضانية على إيقاع الغناء والرقص والسمر. لكن التونسيين الذين اختاروا الحياة لم يكونوا على علم بأن القدر يخبّئ لهم مفاجأة غير سارة ومنذ صباح اليوم الموالي. لم تكن الجماهير التي تخرج في هذه الليالي الصيفية الحارة بحثا عن شيء من الأوكسيجين , لم تكن هذه الجماهير التي تعشق الفنون وتتفاعل مع كل شيء جميل في هذه الحياة لم تكن تعلم أن هناك من لا يريد لهذا الشعب أن يعيش في سلام. لم تكن تعلم أن هناك من يسوؤه أن يفرح هذا الشعب. لم تكن تعلم أن العنف والكراهية والإجرام أعمت القلوب وتفشت في الجسد التونسي مثل الورم الخبيث. ففي وقت لاح فيه أن التونسيين يلملمون جراحهم بعد الخيبات الكثيرة التي عاشوها بعد الثورة الشعبية وبعد الفاجعة في الشهيد شكري بلعيد الذي اغتيل يوم 6 فيفري وقبلها مقتل لطفي نقض وفي وقت صنع فيه التونسيون من الضعف قوة على أمل أن يكون الغد أفضل ها أنهم يستفيقون على فاجعة أخرى لا تقلّ هولا عن الفاجعة الأولى والثانية. بل لعل هول الفاجعة أكبر هذه المرة لأن الجريمة ارتكبت في رمضان الشهر المقدس. لقد تم اغتيال محمد براهمي النائب بالمجلس الوطني التأسيسي والمنسق العام للتيار الشعبي بتونس يوم أمس صباحا أمام بيته بحي الغزالة بالعاصمة وعلى مرأى ومسمع من زوجته وأبنائه بعدة طلقات نارية في وضح النهار. ويتكرّر سيناريو مقتل شكري بلعيد. القتلة ينفذّون جريمتهم في قلب العاصمة وفي وضح النّهار ثم يتحصّنون بالفرار. لقد نجح القتلة الذين أفرغوا حقدهم في جسد مواطن تونسي مسالم في أن يحوّلوا فرحة التونسيين بعيد الجمهورية إلى يوم أسود. انتكست الأعلام وأعلن الحداد الرسمي وتوقفت أغلب المهرجانات الصيفية وخيّم الحزن وتلبس الغضب بالتونسيين. إنها فئة لا تريد لهذا الشعب أن يعيش في سلام. هم فئة من أعداء الحياة ويسوؤهم أن يعيش هذا الشعب في سلام. هم أعشاب طفيليّة تسمّم أجواءنا وتسعى لقتل الفرح وتحجير القلوب ونشر الظلام. هم كذلك، عملهم يدل عليهم ولكن اسمحوا لنا بسؤال ساذج وبسيط: أين المسؤولين على أمن المواطن في هذا البلد. أين حكومتنا.أين هؤلاء المسؤولين الذين استقرّوا بالقصور. أين هم من القسم على الكتاب المقدّس بالتعهد بحماية الوطن والعباد بهذا البلد والمواطن يتحول إلى لقمة سائغة للقتلة والمجرمين. هل فهموا أن بلادنا وهي التي انطلقت فيها الشرارة الأولى للربيع العربي أصبحت مشهورة بالإغتيالات السياسية. هل فهموا أن تونس بلدنا المتسامح المجبول على حبّ الحياة بصدد التحول إلى غابة تعشش فيها السباع والذئاب. هل هذا مشروعهم لهذا الوطن بعد أن رفعهم المواطن إلى سدة الحكم؟ هل هذه وعودهم للشعب التونسي. تحويل يوم عيدهم حيث ارتفعت الأعلام حمراء قانية وفي الشوراع ورفرفت فوق البيوت وازدانت بها الشبابيك إلى يوم حالك السواد. هل هذا هو مشروعكم للبلاد والعباد؟