يعود التعنت السياسي من جديد ليسطر علاقة الاحزاب في ما بينها في الوقت الذي تسعى فيه قوى اجتماعية الى تجاوز الازمة الحالية في ظل هشاشة الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. وبالرغم من المجهودات المبذولة من قبل قوات الامن والجيش لمنع كل اشكال الاعتداء الا ان السياسيين لم يراعوا ذلك بل ان البعض منهم قرر الهروب الى الامام فيما اختار البعض الاخر سياسة الارض المحروقة، أنا ومن بعدي الطوفان. ويصف بعض المحللين هذا الواقع السياسي بالواقع الأناني والخوف من التراجع امام الأنصار والمتعاطفين حيث يتوقع ان يزيد كلّ من الطرفين في مزيد ليّ ذراع الآخر تحت وقع طقطقة العظام حيث اما غالبا او مغلوبا. وقت سعت الاطراف الاجتماعية الى تقديم الحلول والبدائل لتجاوز الازمة الا ان المقترحات لاقت معارضة من الطرفين سرا ومساندتها علنا وذلك في انتظار ادخال بعض التحسينات التي من شانها ان تقلص من حجم الهوة بين المعارضة والحكومة. ولئن كان أداء اتحاد الشغل ومنظمة الاعراف متماسكين في سبيل الخروج من الازمة فان لمؤسسة الرئاسة ايضا دورها في هذه المرحلة، فاللقاءات الماراطونية والمطولة لرئيس الجمهورية ودعمه لمبدإ الحوار الوطني وتجاوز الراهن اعطى جرعة من الامل لقادم الايام خاصة بعد لقائه اول امس بالامين العام للاتحاد حسين العباسي ورئيسة منظمة الاعراف وداد بوشماوي. وبالرغم من إيجابية التعاطي مع المنظمات الكبرى فان الاحزاب لم تكن على موعد مع الانفراج حيث عبرت جل الاطراف عن تمسكها بمواقفها سواء تلك الداعمة للحكومة والمجلس او تلك القائمة على اسقاطها وتعويضها بحكومة انقاذ وطني مازال الخوض في تفاصيلها محل "السرية" رغم التسريبات من هنا وهناك. وقد عبر زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي مؤخرا في حوار له عن انفتاحه على "كل المقترحات التي تستهدف حماية المسار الديمقراطي في تونس"، وقال في حوار له مع "الشرق الأوسط": "نحن مستعدون على أن تنفتح الحكومة على مزيد من الكفاءات". لكنه أكد في المقابل أنه لا يرى أن تحل حكومة تكنوقراط محل حكومة سياسية، موضحا: "لماذا تقوم الانتخابات إذا لم تكن هي السبيل لإنتاج السلطة؟". مؤكدا "إن هناك ابتزازا سياسيا للحكومة باستغلال الأحداث. كما اكد الغنوشي في تصريح ل"موزاييك آف آم" اثر استقباله لوفد من الاتحاد الاروبي "إن الاتحاد الاوروبي عبر عن دعمه لتواصل تجربة الانتقال الديمقراطي الذي تعيشه البلاد ورفضه لاي توجه الى العنف او عرقلة المسار". بدورها عبرت اطراف من خارج السلطة عن دعمها لمبدإ الحوار حيث دعا امس رئيس حزب الاتحاد الوطني الحر احمد القديدي الى ضرورة اللجوء الى الحوار الحقيقي والابتعاد عن التعاطي مع الاحداث الدائرة في تونس بمنطق قوة الشارع. واكد رئيس حزب الامان لزهر بالي على ضرورة الحوار وقد صرح بالي إثر لقائه برئيس الجمهورية أول أمس أنه قدم مبادرة يتم بمقتضاها مواصلة كل من الحكومة والمجلس الوطني التأسيسي لعملهما إلى غاية 23 أكتوبر. وقال بالي إن حزبه يتبنى الدعوة إلى التهدئة وعلى الجميع الكف عن تجييش الشارع والتشدد في مواقفهم واصفا موقف الاتحاد العام التونسي للشغل بعدم حل المجلس التأسيسي بالإيجابي. وكان رئيس حزب نداء تونس الباجي القائد السبسي في برنامج تلفزي على قناة نسمة دعا حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي الذي يتّخد القرارات وفق تعبيره بتغيير "اللغة". كما دعا الباجي الغنوشي الى تحمل مسؤوليته في التوصل الى ايجاد مخرج من هذه الازمة مؤكدا على اهمية الحوار وقال "نحن منفتحون على الحوار وندعو للحوار"، مضيفا "والى ان يأتي ذلك نحن متمسكون بمطالبنا".