تسعى السوق المالية التونسية للمحافظة على الانتعاشة التي شهدتها خلال النصف الأول من السنة الحالية وسط سجال سياسي كبير لتحقيق انتقال ديمقراطي سلس وأمام وضع اقتصادي صعب على جميع المستويات وفي ظل تراجع مستوى الدينار التونسي وتخفيض التصنيف الائتماني لتونس والصعوبات التي يعرفها القطاع البنكي هل يمكن للسوق المالية أن تكون أحد البدائل الهامة لتمويل الشركات والاستجابة للحاجيات المالية الكبيرة للدولة. هل ثمة شروط لا بد من توفيرها لتلعب هذه السوق دورا أكبر في تمويل الاقتصاد؟ يجيبنا عن هذه الأسئلة السيد محمد بيشيو مدير عام بورصة تونس * لو تقيمون أداء البورصة منذ بداية السنة؟ - تشهد بورصة تونس منذ بداية السنة الحالية تباينا على مستوى أدائها حيث تأثر نشاطها بمختلف الأحداث السياسية والاقتصادية والأمنية التي تعيشها البلاد. فبالرغم من الانخفاض الهام الذي شمل المؤشر العام للأسعار توناندكس على إثر اغتيال الشهيد شكري بلعيد يوم 6 فيفري بنسبة 3.7 بالمائة وتراجعه بنسبة 1.3 بالمائة يوم 13 ماي مع انطلاق أحداث الشعانبي، فقد تمكن هذا الأخير من إقفال شهر جوان بتطور طفيف بلغ 0.6 بالمائة مدعما بتطور نتائج غالبية الشركات المدرجة خلال سنة 2012 وارتفاع مستوى توزيع الأرباح. إلا أن تحسن أداء مؤشر الأسعار رافقه تراجعا في الحجم اليومي للتداول الذي انخفض مستواه من 8 مليون دينار يوميا في سنة 2012 إلى 6 مليون دينار في النصف الأول من السنة الحالية في المقابل ارتفع نسق إدراج الشركات بالبورصة في نفس الفترة إلى 7 شركات مقابل شركة واحدة خلال سنة 2011 وشركتين خلال سنة 2012 وتوجهت عديد الشركات المدرجة بالبورصة وغير المدرجة إلى السوق الأولية للقيام بإصدارات جديدة للأسهم والرقاع مما جعل قيمة الإصدارات تصل إلى مستوى هام بلغ حوالي 500 مليون دينار. كما تمكنت الدولة من تعبئة حوالي 700 مليون دينار من السوق المالية لتغطية حاجياتها إلاّ أن عودة ظاهرة الاغتيالات السياسية وتطور ظاهرة الإرهاب التي كان ضحيتها النائب محمد الإبراهمي وثمانية عسكريين من الجيش الوطني في أحداث الشعانبي وما رافقها في ما بعد من تجاذبات سياسية ألقت بظلالها على نسق التعامل اليومي في البورصة الذي انخفض في شهر جويلية إلى 3 مليون دينار و1.5 مليون دينار خلال هذه الفترة من شهر أوت بينما تمكن مؤشر الأسعار من استرجاع مجموع الخسائر التي سجلها في شهر جويلية بنسبة 1.94 بالمائة والعودة إلى الأرباح محققا ارتفاعا بنسبة 0.76 بالمائة مع نهاية حصة يوم الخميس. ويمكن تفسير تدارك المؤشر لخسائره خلال الفترة الأخيرة نتيجة للنتائج الإيجابية التي نشرتها الشركات المدرجة في إطار واجباتها المتعلقة بالإفصاح المالي والتي تخص في الفترة الحالية نتائجها المالية النصف سنوية هذا وارتفعت مساهمة الاستثمار الأجنبي في رسملة السوق لتصل إلى 22 بالمائة أي ما يعادل 3126 مليون دينار مقابل 20.5 بالمائة و 2826 مليون في نهاية 2012 . إلا أن حصة الأجانب في حجم التداول بقيت ضعيفة ولم تتعد 7 بالمائة لتبلغ 59 مليون دينار مقابل 6 بالمائة و122 مليون دينار في 2012 * ما هي آفاق البورصة في ما تبقى من السنة الحالية؟ - يقول المثل الفرنسي "البورصة ليست نهرا طويلا وهادئا". وبالتالي فإن تطور نشاط البورصة تعكسه جملة من العوامل منها ما هو متصل بالأداء الاقتصادي للشركات المدرجة في السوق ومنها ما هو متصل بالمحيط الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في البلاد إضافة إلى تغييرات المحيط الخارجي وعلى هذا الأساس، فإن البورصة تقوم بدور تقييمي لأصول الشركات تبعا لجملة هذه المعطيات فيمكن لهذه الأصول أن ترتفع تارة وتارة أخرى يتراجع مستواها تبعا لتغير جملة المعطيات التي ذكرتها وفي هذا السياق، لابد من التذكير أن نشاط البورصة عرف منذ نشأتها بعض المحطات الصعبة خاصة منها التي شهدتها في سنوات 1996 و1997 و2001 حيث انخفض خلالها مؤشر الأسعار بنسب هامة ومتفاوتة مع أهمية الأحداث في كل فترة حيث بلغ مستوى التراجع على التوالي نسبة 10 و20 و12 بالمائة. ومهما كانت أسباب هذا التراجع فإن السوق يمكن على المدى المتوسط والطويل أن تتدارك هذا الانخفاض إذا ما غابت الأسباب المؤدية إليه ويعوض هذا التراجع بأرباح تتفاوت مستوياتها إذا ما برزت مؤشرات إيجابية. ولا بد في هذا الإطار من الإشارة، إلى أن الاستثمار في البورصة تحفه مخاطر مثل كل مجالات الاستثمار الأخرى ويمكن للمستثمر أن يقلص منها إذا ما اتبع بعض القواعد الأساسية كتنويع مكونات المحفظة المالية والمتابعة المستمرة لأخبار الشركات والاستثمار على المدى المتوسط والطويل كما عاشت بورصة تونس كذلك سنوات شهد خلالها المؤشر ارتفاعات هامة ومتتالية مثلما التي شاهدناها بين سنوات كان نمو حجم التعامل كبيرا حيث ارتفع مستواه من 238 مليون دينار خلال سنة 2003 إلى 2702 مليون دينار خلال سنة 2010. وللإشارة، سجل الاقتصاد التونسي خلال هذه الفترة نموا متواصلا للناتج المحلي الخام تراوح بين 3 و6 بالمائة. وهو ما عكس الاتجاه التصاعدي للمؤشر في الفترة المذكورة وبالعودة إلى أداء البورصة في الفترة المتبقية من السنة الحالية، فإن الانتعاشة التي بدأت تشهدها السوق مع بداية انفراج الأزمة السياسية خلال الأسبوع السابق والارتفاع النسبي لنسق التداول ينتظر أن تتأكد مع انطلاق الحوار السياسي ويمثل هذا التغير عاملا أساسيا لاستعادة ثقة المستثمرين وعودة السيولة إلى السوق وهما شرطان ضروريان لنجاح بقية عمليات الإدراج المبرمج إنجازها عبر السوق المالية وفي هذا الإطار، تستعد السوق في الأيام القادمة انطلاق إدراج شركة بيت الإيجار المالي التونسي السعودي التي تحصلت خلال شهر جوان على موافقة مجلس إدارة بورصة تونس ومؤخرا على تاشيرة هيئة السوق المالية لبدأ فتح رأس مالها عن طريق عرض عمومي للاكتتاب بقيمة 21 مليون دينار. ستعقب هذه العملية عمليات أخرى ستشمل شركتي ستي كار وسلكوم. كما سيبت مجلس إدارة بورصة تونس في ملفات إدراج شركات جديدة خلال اجتماعه في شهر سبتمبر وإضافة إلى هذه العمليات تواصل الشركات المالية إلى اللجوء إلى السوق المالية لدعم مواردها المالية وهو ما تقوم به حاليا التونسية للإيجار المالي وشركة أونيفكتور في انتظار نسج بعض البنوك على هذا المنوال لتعبئة أموالا هامة عن طريق السوق تمكنها من تحسين قاعدتها المالية وملاءمة مواردها مع استعمالاتها لمواصلة جهودها في تنمية الاقتصاد كما ينتظر أن تلعب السوق المالية التونسية في المستقبل القريب دورا بارزا ومهما في تمويل حاجيات الدولة من الموارد المالية طويلة المدى باعتبار انعكاسات تخفيض التصنيف الائتماني لتونس لتعبئة موارد خارجية وهو ما سيحتم التعويل على ادخار التونسيين في الداخل والخارج ويفتح إمكانية القيام بإصدارات قروض رقاعية وطنية بالعملة المحلية والعملة الصعبة كل المؤشرات تدل اذن على أن السوق المالية سيتدعم دورها في المرحلة الحالية والقادمة التي تعيشها بلادنا وهي مرحلة تتطلب تعبئة موارد مالية هامة لا بد أن يتم توظيفها بصفة خاصة في المشاريع المنتجة وهي الوظيفة الأساسية التي تقوم بها السوق من خلال دورها في توفير التمويل المباشر للمؤسسات الواعدة الراغبة في الاستثمار بأقل التكاليف