هل نحن مدركون فعلا لمدى خطورة الأوضاع التي تمر بها بلادنا، والضرورة القصوى للتعجيل بمعالجتها والبحث لها عن الحلول اللازمة قبل فوات الأوان؟ هذا السؤال نطرحه لأن ما شهدناه إلى حد الآن من تأخير في الوصول إلى اتفاق أو توافق في الحوار الجاري بين الأطراف السياسية الرئيسية بوساطة الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الأعراف وتحت إشرافهما لا يوحي بذلك، وكأننا نمر بظروف عادية تخول لنا الاغراق في تمطيط المفاوضات بين طرح المقترحات والمقترحات المضادة والبديلة مع انعقاد كل جلسة جديدة صحيح أن ما هو مطروح من خيارات محدود جدا وكلها خيارات صعبة تستوجب تقديم تنازلات قد يراها البعض مؤلمة، لكنه لا مفر من تقديمها إذا كنا بالفعل نريد لبلادنا الخروج من عنق الزجاجة وإنقاذها من الانهيار الذي تلوح مؤشراته في الأفق استنادا إلى الأرقام والدراسات الاقتصادية المجراة، والتي أكدها وزير المالية بإعلانه مؤخرا انزلاق العجز في ميزانية الدولة إلى 7,4 بالمائة، أي قرابة 8 آلاف مليون دينار، وكذلك العجز في الميزان التجاري والذي قدر بحوالي 6.507 مليون دينار، ووصول حجم المديونية نسبة 44 بالمائة من الناتج المحلي الخام، وهي أرقام تبرز بما لا يدع مجالا للشك اقترابنا من منطقة الدين الخطير ألا وهي نسبة 50 بالمائة من الناتج المحلي الخام، وربما مرحلة الافلاس -لا قدر الله- ما لم تتم المسارعة بإيجاد الحلول الملائمة التي تمكننا من عكس التيار... ولعله لا يحتاج إلى القول أن إيجاد مثل هذه الحلول يفترض وجوبا التوافق حول تشكيل حكومة جديدة تتألف من خبراء محنكين كل في مجال اختصاصه، خارج الولاءات والمحاصصة الحزبية التي أثبتت عجزها وفشلها باعتراف قيادات حكومة "الترويكا" الحالية بالذات، في رفع التحديات وتحقيق الأهداف -أو جانب معقول منها- التي قامت من أجلها ثورة الكرامة، ثورة 17 ديسمبر-14 جانفي 2011 التاريخية نحن لا نجادل في أن على كافة الأطراف السياسية -وليس طرفا واحدا أو بضعة أطراف بعينها- تقع مسؤولية تقديم التنازلات المطلوبة لتخطي هذه المرحلة الصعبة والخطيرة في تاريخنا المعاصر بأخف الأضرار الممكنة، ولهذا من الضروري بمكان ابتعاد الجميع عن المغالاة ومحاولة تحقيق مكاسب أيا كان نوعها عبر السعي إلى كسر ذراع الآخر، لأن في ذلك تدمير للمبادئ والأهداف والقيم التي نريد أن تجمعنا ولمستقبل التعايش السلمي بيننا لكن لا بد أيضا أن يكون أساس الحوار الوطني الجاري شعار "تونس ديموقراطية أوّلا وأخيرا... ومهما كان الثمن"، وليس الرغبة في المماطلة وربح الوقت، وتحقيق مكاسب سياسية وحزبية ضيقة على حساب مصلحة الوطن والمواطن وليضع الجميع في الاعتبار أن صبر المواطنين وترقبهم لانفراجة لم تأت إنما له حدود...