كان وسيبقى المسرح من بين أبرز المحطات في تكوين الحياة الثقافية الليبية ولعل كثير من المثقفين من أصيلي ليبيا قد خطوا خطواتهم الأولى على خشبته في مراحل الدراسة المختلفة, البعض منهم ترك أثرا واستمر يواصل خطواته ولو لبعض الوقت والبعض الاخر لازال يواصل المسيرة الى يومنا هذا مناضلا مسرحيا معانيا ضد الظروف الطاحنة لكل الفنانين في العالم. ولم يحظ المسرح فيما سبق ورغم ما لعبه من دور مهم في تفعيل حركتنا الثقافية في المدينة بالكتابة عليه وتوثيق مسيرته عربيا بل أن بعض الباحثين العرب في التأريخ للحركة المسرحية في ليبيا لم يشر إلى المسرح في ليبيا إلا بإشارات عابرة ولم يذكر الا سنوات محددة فقط ارتبطت بالفنانين المصريين كعمر الحريري والسيد راضي الذين جاؤوا الى ليبيا في سبعينات القرن الماضي لتدريب الفنانين الليبيين على الفنون المسرحية الحديثة في ذلك الوقت بالإضافة الى الدورات المسرحية التي كانت الدولة آنذاك تقوم ببعث فنانينا المسرحيين للتدريب بها في دول الكتلة الشرقية مثل روسيا ويوغسلافيا والمجر...الخ واليوم إذ أحاول رصد بانوراما المسرح الليبي عبر التاريخ فإنني أرغب في إعطاء لمحة عن المسرح الليبي عبر 100 عام وبشكل مختصر حتى لا أطيل على القارئ الذي يعرف المسرح الليبي في العشر سنوات الاخيرة من خلال مشاركاته في المهرجانات التونسية المسرحية ولعل ابرزها مهرجان أيام قرطاج المسرحية والمهرجان الدولي للصحراء بدوز وغيرها.. تقول الدكتورة حواء البدي( ان المسرح في ليبيا لم يأت على يد العثمانيين او الايطاليين بل كان في الواقع المتصدي للثقافة العثمانية وبعدها الإيطالية للمحافظة على لغتنا العربية وتعاليم الدين الإسلامي) ففي عام 1908 قدمت فرقة محمد قدري مسرحية بعنوان الحرية من مدينة طرابلس العرب هذه المدينة وبحكم مركزها الجغرافي والتجاري والاستراتيجي كانت جامعة للأدب والأدباء والعلم والعلماء والفن ومبدعيه.. جني الثمار وكم هائل من الفرق المسرحية وإذا ما حسبنا المدة فسنجدها مائة عام وأكثر ولو تعمقنا ورجعنا إلى مصادر أخرى عديدة لوجدنا أن العمر الحقيقي للمسرح الليبي أكبر من ذلك وها نحن نجني ثماره بهذا الكم الهائل من الفرق المسرحية وحركة إبداع تضم الآلاف من المبدعين والمسرحيين المتمرسين في هذا الفن وبالذات في مدن طرابلس وبنغازي وطبرق ودرنة والبيضاء وشحات وسبها والجفرة والخمس وكافة ربوع الوطن الحبيب فالمسرح الليبي كما ذكرت الابحاث يعود إلى عام 1878 وهذا ما يؤكّده الأستاذ المهدي أبو قرين في كتابة المعنون بتاريخ المسرح في ليبيا اما الأستاذ المرحوم علي صدقي عبد القادر يرى أن المسرح بدأ فعلياً في عام 1880وعلى كل فإن هذه التواريخ التي ذكرتها أكدت مائوية المسرح الليبي حيث تتالت بعد ذلك التواريخ في التأسيس والبدء الفعلي النشيط للحركة المسرحية في ليبيا فها هو المرحوم محمد عبدالهادي* يؤسّس فرقة مسرحية بعد قدومه من جولة أوروبية وشامية عاد منها حاملا حصيلة رائعة تمثلت في أصول العمل المسرحي ونظمه وفي هذا الشأن يذكر أحد مؤرخي المسرح الليبي عبد الحميد الصادق المجراب في كتابه المعنون ب"المسرح الليبي في نصف قرن 1928-1978".. أن الفنان محمد عبد الهادي الذي تشبع بالفن المسرحي في بلاد الشام وأصبح إيمانه الراسخ بجدوى هذا الفن الوليد، حال وصوله إلى مدينة طبرق أسس أول فرقة مسرحية في سنة 1927م عرفت باسم فرقة هواة التمثيل وذلك" ص 82.. ثم ينقل لنا عن كتاب الأستاذ بشير عريبي- "الفن والمسرح في ليبيا"- " عندما عاد مواطننا محمد عبد الهادي من بيروت سنة 1926م إلى مدينة طبرق أسس فيها فرقة للتمثيل". وسنجد أيضا في مقدمة كتاب- مؤسس المسرح الليبي- لمحمد بو سويق والتي كتبها الشاعر والمؤلف المسرحي- عبد الحميد بطاو.. أن الفنان محمد عبد الهادي الذي بدأ محاولته الأولى في العشرينات بمدينة طبرق. وفي عام 1930 قدم أول عروضه بعمل مسرحي هو (هارون الرشيد) لتتوالى عروضه وتستمر فيأتي عام 1936 لتولد أول فرقة مسرحية في بنغازي على يد رجب البكوش رحمه الله وبرفقته المرحوم إبراهيم بن عامر والأستاذ إبراهيم مفتاح العريبي ورجب الفيتوري والمرحوم فرج الطيرة وعبدالله المسماري وغيرهم. وأصبح المسرح الشعبي للتمثيل والموسيقى أول مسرح معتمد ومعروف ومن ثم على يد إبراهيم مفتاح العريبي وآخرين تأسس المسرح الوطني وعلى يد عبد الحميد المالطي وآخرين تأسس المسرح العربي وعلى يد محمد حريز وآخرين تأسس المسرح الحديث وعلى يد عبد الهادي الكوافي وعلي بحيري تأسس المسرح العام وعلى يد رافع الكبتي وهاشم الفيتوري وآخرين تأسس المسرح الأخضر وكذلك مسرح هواة الفن الجماهيري والمسرح الجوال على يد سليمان الدينالي وآخرين إلخ. لقد كان المرحوم رجب البكوش ولتأثره الشديد بالأستاذ محمد عبدالهادي المؤسس لفرقة هواة التمثيل بدرنة رائداً للمسرح ببنغازي لقد كان يكتب ويخرج ويمثل ويكتشف المواهب وكان يمتاز بالحس الفكاهي وخفة الدم وله تأثير بالغ في محيطه وقدم عديد الاعمال تحت مسميات مختلفة كفرقة الشاطئ بمسرحية الوفاء العربي وفرقة رابطة الشباب والأصل دائماً هو المسرح الشعبي هذا في الشرق الليبي اما في الغرب الليبي فقد كان للمسرح الذي انطلق عام 1908-. دور حقيقي وأساسي في محاربة الفساد الذي كان متفشي في حقبة الاستعمار وكان له دور تربوي ترشيدي توجيهي ترفيهي نقدى بارز ترك أثاره. وكان رواده على رأسهم الشيخ عبد الله جمال الدين الميلادي ومحمد قدري ومحمد شرف الدين ومصطفي الأمين الذين أسسوا فرقة غنائية مسرحية تحت مسمى(رابطة الشباب السعداوي)عام”* 1929” وكتب وأخرج لها عديد الاعمال مصطفى الأمين وكان رجب البكوش ومحمد عبدالهادي وأحمد قنابة ورجب الفيتوري والدكتور مصطفى العجيل ومختار الأسود والشاعر أحمد قنابة دور كبير في وضع أسس المسرح الليبي. وقد كان لتأسيس فرقة طلبة الفنون والصنائع التي قدمت عديد الاعمال وأبرزت عديد الأسماء فيسجل الرواد أسماء بارزة وكان لمحمد حمد وإبراهيم الأسطى عمر وأنور الطرابلسي وغيرهم دور كبير حيث بذلوا الجهد وضحوا بالغالي والنفيس وتحملوا ويلات العذاب والحساب من المستعمرين. المسارح الأثرية الإغريقية والرومانية بليبيا إننا مهما قلنا عن المائة عام وأكثر كتاريخ للمسرح الليبي العربي إلا أننا لابد أن نعترف ونؤكد أن تاريخ المسرح كمسرح في ليبيا يرجع إلى ما قبل عام"1880" بقرون حيث والمسارح الأثرية الإغريقية والرومانية بشحات والبيضاء وطلميثه وسوسة ولبده وصبراتة هي دليل وشاهد على وجود المسرح آنذاك أي إلى القرن«السابع الميلادي». وعلى المستوى العربي إذا ما اعتبرنا أن البداية كانت«بالشام» على يد مارون النقاش عام1874 وشقيقة «نيقولا» تم بيروت تم مصر على يد سلامة حجازي عام1905 فجورج أبيض عام1912 نجد أن التواريخ متقاربة بيننا وبينهم بل قد نكون سابقين إذا أكدنا أن أول عمل للمسرح الليبي كان عام 1878 كما جاء في كتاب الأستاذ أبو قرين تاريخ المسرح في ليبيا. ◗ إعداد: نيفين الهوني صحفية ليبية متربصة بدار الصباح